ارشيف من :تحقيقات
مطار بيروت الدولي.. والتحقيق
لم يغب بعد، مشهد مطار بيروت الدولي عن العيون والأذهان .. "المشهد المعيب" - بأقل توصيف ممكن.. والممتد لأكثر من عشر ساعات متواصلة، من الانتظار والاكتظاظ والفوضى و"البهدلة" للمسافرين والواصلين إلى لبنان.. لم يغب، لأن الأمر لم يكن عادياً، أو ربما لأنه يأتي في لحظة تبدو الدولة وكأنها عاجزة فعلاً ولا تمتلك قرارها، سياسياً، إداريا، اقتصادياً وحتى تنظيمياً. فأحالت القضية إلى التفتيش المركزي الذي باشر بفتح تحقيق مع الأطراف المعنية بما سمي "فضيحة المطار".. ووفق ما هو متداول، فإن هيئة التفتيش تعمل على جمع كل المعطيات والملفات المطلوبة قبل البدء فعلياً بالمسار التحقيقي، وما الاستدعاء الذي قام به رئيس الهيئة القاضي جورج عطية لرئيس مطار بيروت الدولي فادي الحسن والمدير العام للطيران المدني محمد شهاب الدين، إلا تأكيد على ذلك.. ولكن يبدو أن هذا المسار يحتاج إلى وقت ومتابعة، وبالتالي فإنه لن يُكشف عن الجهات المسؤولة والمقصرة في فضيحة المطار يوم الخميس – الجمعة الفائت قريباً.. والمسألة قد تأخذ وقتاً أكثر من المتوقع، كما أشارت مصادر متابعة لموقع "العهد".
العطل التقني.. أم العطل السياسي؟
المعروف، أو ما أُعلن عنه لاحقاً، هو أن عطلاً تقنياً طرأ على شبكة الاتصالات التابعة لشركة "SITA" المشغّلة لنظام الحقائب والركاب المغادرين في مطار بيروت، أدى إلى هذا الإرباك الإداري والإجرائي والفوضى العارمة.. لكن أي اكتظاظ هذا؟
يجيب المعنيون عن هذا الأمر، بأن ازدياداً في عدد المسافرين قد طرأ على مطار بيروت في السنوات الأخيرة، وأن الدولة تعلم هذا الأمر وقد تبنت في مجلس الوزراء مشروعاً لمعالجة ومواجهة الحالة.. وهذا الازدياد والتضخم في أرقام الواصلين والمغادرين لمطار الدولة اللبنانية الوحيد قد تجلى في الصورة التي شاهدها كل العالم!
الكلام هذا، يقودنا إلى السؤال الذي انعكس في تصريحات بعض المسؤولين السياسيين .. لماذا حصل ما حصل الآن؟ وماذا عن الأموال المصروفة من مجلس الوزراء في شباط الماضي لأشغال في المطار؟ وماذا أيضاً عن خطة التوسعة المرصودة حكومياً بمبلغ يصل إلى 88 مليون دولار أميركي؟!
الخطة .. والحل البعيد!
البعد السياسي في القضية، كان – بلا شك – حاضراً .. كلام رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري يؤكد ذلك، وكذلك السجال السياسي بين عدد من الوزراء حول صرف أموال مخصصة للمطار ضمن خطة شاملة أقرها مجلس الوزراء. وحول هذا الأمر تحديداً أكد وزير النقل والأشغال العامة يوسف فينيانوس لموقع "العهد" أن قضية المطار على حالها، ولا شيء تبدل إلى الآن، مشيراً إلى أنه نبّه منذ عام من الوصول إلى ما وصلنا اليه. كما نبّه فينيانوس عبر موقع "العهد" من العودة مجدداً إلى حال الإرباك وعدم الاستيعاب قدرة المطار لحركة المرور الجوي في حال لم تُنفذ المرحلة الأولى من الإصلاحات والصيانة والأشغال الطارئة التي وافق عليها مجلس الوزراء بقيمة 18 مليون دولار. وهو ضمن خطة توسعة وتحديث وإصلاح أقرت لها الحكومة مبلغاً بقيمة 88 مليون دولار للتلزيمات التي يقوم بها مجلس الإنماء وليس وزير الأشغال، يغمز فينيانوس من هذا الباب رداً على كل الذين وجهوا سهام التقصير اليه.
يعود الوزير "فينيانوس" إلى مشهد الخميس – الجمعة، فيكرر بأن المسؤول عما وقع، هي شركة (SITA)، وأن ما حصل أمر وارد طالما يتعلق بالمعلوماتية وبالأعطال التقنية .. ولكن المطار، بحسب فينيانوس يعمل منذ العام 2000 ، أي لأكثر من ثمانية عشر عاماً، من دون إدخال تعديلات ضرورية عليه، تسمح له باستيعاب الإزدياد الكبير بأعداد المسافرين عبره .. وبالتالي، هو بحاجة لأموال تُصرف على أكثر المرافق أولوية بحسب وزير الأشغال، من أجل الاستثمار الخدماتي والتطوير ومواكبة التغييرات والتبدلات الإدارية واللوجستية والميدانية.
ما حدث، يحتم تنفيذ التلزيمات اللازمة – الواردة في خطة المطار، يجزم فينيانوس. وهي تأتي في بنود أقرها مجلس الوزراء تهدف الى رفع طاقته الاستيعابية لـ 10 ملايين شخص في السنة، والخطة جاءت على الشكل التالي:
أ - إعادة النظر والتصميم الداخلي والخارجي لمبنى الركاب الحالي في المطار بهدف تعزيز قدرته الاستيعابية من 6 إلى 8 مليون راكب سنوياً.
ب - استحداث جناح جديد للركاب من خلال استخدام مبنى الجمارك القديم و"هنغار" الشحن الملاصق له وهما الآن خارج الخدمة حالياً وذلك لتأمين قدرة استيعابية إضافية تقدر بنحو مليوني راكب سنوياً.
وإن ما تقدم في النقطتين ( أ و ب) يرفع طاقة المطار الاستيعابية إلى نحو 10 ملايين راكب في السنة، ويتطلب ذلك استحداث أنظمة جديدة لجرارات الحقائب وتعديل حركة الركاب والتفتيشات الأمنية وتحديث أجهزتها وتفعيل وتطوير الخدمات المقدمة إلى المسافرين في جميع الدرجات.
تقريباً، هذا فحوى الخطة المقرة في جلسة وزارية عُقدت في بعبدا في شباط الماضي، والتي قُدرت قيمتها بحاولي 200 مليون دولار أميركي، من بينها 88 مليون دولار للأشغال الطارئة والملحة، وقد باشر مجلس الوزراء بتوفير مبلغ 18 مليون دولار كدفعة أولية للانطلاق بالأعمال داخل المطار بحسب ما قدمه وزير الأشغال، وضمن تلزيمات قام بها مجلس الإنماء والإعمار.
الخطة موجودة اذاً، ككل الخطط والمشاريع الموجودة على الورق السياسي، وفي الادراج الحكومية .. لكن المشكلة تبدو في العقلية السياسية اللبنانية، التي لا تصدق وجع النار إلا لتنكوي بها، ولا عيب في تكرارها في غير ملف وقضية .. ولعل فضيحة مطار بيروت خير مثال على ذلك .. حتى لو دل التحقيق الإداري المنتظر، على جوهر الخلل – السبب.