ارشيف من :مقالات
سيدر: سبيلنا للغرق.. أو النجاة
مريم عيسى
يرقص لبنان اليوم على شفا حفرة اقتصادية جديدة خَبِرَ مسارها وفشل. إلا أن البعض يرى فيها خشبة الخلاص للاقتصاد اللبناني. طفا مؤتمر سيدر إلى الواجهة... فهو على الرغم من تشريعه صدور ميزانية عام 2018 بعد غياب دام 13 عامًا، إلا أنه لوح بخطر دين عام اضافي على دولة استنزفها دين عام سابق.
مفهوم الدين العام يختصر تعريفا بأنه عبارة عن قروض تستدينها الدولة من أجل تغطية النفقات العامة ومشاريع تنموية من خلال أذونات خزينة أو سندات خزينة. وتنقسم هذه الديون بين ديون بالعملة المحلية تحت مسمى سندات بالعملة المحلية لتكون بذلك موجهة لمستثمرين محليين وديون بالعملة الاجنبية تحت مسمى اليورو بوندز والتي غالبا ما تكون في لبنان بالدولار.
حاليا يستوطن لبنان المركز الثالث لنسبة الدين العام من الناتج المحلي، سجل لبنان ديونا حكومية تعادل 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في عام 2017. وكان قد بلغ متوسط الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي في لبنان 153.07 في المئة في الفترة من عام 2000 حتى عام 2017، حيث بلغ أعلى مستوى بلغ 183 في المئة في عام 2006 وسجل مستوى قياسي قدره 131 في المئة. وبعد أن سجل لبنان أدنى نسبة دين عام للناتج المحلي عام 2012 بنسبة 131% دخلت أزمة النزوح السوري لتبطئ هذا التحسن ليصل لبنان اليوم الى معدلاته الحالية.
ووفقاً للبنك الدولي، تستفيد خدمة الدين من نصف العائدات الحكومية تقريباً، ما يجعل لبنان يعاني من أكبر عبء للديون في العالم بحسب هذا التدبير. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن العجز في الميزانية في لبنان يعادل 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في وقت يزيد فيه العجز في الحساب الجاري عن 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ولتمويل الدين والحفاظ على ربط العملة بالدولار الأمريكي، يعتمد لبنان في تمويله على الاستثمار الأجنبي مضافا إلى واردات مصدرها ملايين اللبنانيين المغتربين. إلا أن جناحي التمويل مرتبطان بشكل كبير بالاستقرار السياسي والمالي وهو ما يفتقده لبنان فتتحول التدفقات من الخارج الى تدفقات اليه. وعليه، يهاب اللبنانيون الدخول بدوامة دين عام جديد. وهذا ما أشار اليه تقرير وكالة موديز، الذي سلط الضوء على أن الملف الائتماني تدعمه الودائع المصرفية المرنة التي من جهتها تموّل الاحتياجات الحكومية، ولذلك فإن الاعتماد على الشركاء الخارجيين للدعم الأمني والاقتصادي والمالي يعرّض البلاد لمصادر مختلفة للخطر.
وبالعودة إلى سيدر، فمن المؤكد أنه لم تتوفر فيه منح للبنان، فقد استحصل لبنان على 11 مليار دولار على شكل قروض ومنها قرض من البنك الدولي بقيمة 4 مليارات دولار على 5 سنوات وقرض من البنك الاوروبي لإعادة الإعمار والتنمية بقيمة 1.1 مليار يورو على مدى 6 سنوات. هذا في وقت جددت السعودية قرضاً بقيمة 1 مليار كانت قد قدمته للبنان في السابق بينما قدمت قطر قرضًا بـ 500 مليون دولار على 5 سنوات.. وبالنظر الى نفقات الدولة، يذهب أكثر من 70 % من النفقات إلى مرتبات الحكومة وخدمة الديون، في حين أن نسبة دعم الكهرباء تصل إلى 10 %، مما يترك للحكومة مجالاً ضئيلاً لخفض الإنفاق.
على صعيد النمو، توقعت وكالة موديز أن يتوسع اقتصاد لبنان بنسبة 2.5% في 2018 ويليها 3% عام 2019 بعد نمو نسبته 1.9% عام 2017 بسبب توقعات بتنسيق افضل للسياسة الاقتصادية تماشيا مع التزامات مؤتمر سيدر.
وفي هذا الإطار، طالب البنك الدولي الحكومة اللبنانية بقائمة تضم 280 مشروعاً للبنية التحتية اعتبرها حاسمة للنمو الاقتصادي. وقد ظهرت محاولة تحسين السياسة الاقتصادية بتعهد أطلقه رئيس الحكومة سعد الحريري بخفض العجز المالي بمقدار نقطة مئوية واحدة على مدى خمس سنوات مقابل مشاريع استثمارية تحت عباءة مؤتمر سيدر.
وبالتالي، نرى أن الاقتصاد اللبناني مقيد من خلال حلقة مفرغة من ارتفاع العجز المالي وارتفاع الدين وانخفاض النمو. لبنان يعاني عجزًا ماليًّا مزمنًا، يجبر الحكومة اللبنانية على تكديس الديون.
وبعد كل ما سلف لا بدّ أن تعمل الحكومة على خفض النفقات من خلال اصلاح شركة الكهرباء التي تكلفها مليار دولار سنويا وكانت قد انفقت مليارين حين سجل البرميل 100 دولار. كما يتعين على البيت الاقتصادي اللبناني تفعيل عمل القطاع العام من خلال العمل الدؤوب لرسم سياسات الوزارات وبالتالي خفض الهدر الحاصل حاليا على مختلف الأصعدة.
ويجب العمل أيضا على تخفيض الفائدةـ مما سيخفض كلفة الدين العام وبالتالي تصبح تكلفة اعادة تمويل الديون أقل.
أما النمو، فيعتمد على إنماء ركائز الاقتصاد اللبناني وهي العقارات والسياحة والتي يشهد كلٌّ منها ازمة حاليا. ولكن يجب العمل على خلق قطاعات جديدة تتناسب وحالة اللااستقرار السياسي والأمني.
ولا بد أن تتوسع قروض الدعم المحصورة نسبيا بالعقارات لتستغل قدرات المشاريع الصاعدة في مجالات البرمجة والتكنولوجيا التي لا نافذة لمنافستها في السوق الأوروبي ولكنها قد تنتج وتصدر للبلاد العربية.
لا بدّ من الإشارة إلى ان ما يتم تداوله من ارقام مخيفة تهدد بانهيار استقرار لبنان الاقتصادي تغيب عنها وجوب النظر الى طرق احتساب الناتج المحلي ما قد يغير النسب جميعها وان كان التغيير في النسب قد يعيد نظرة التفاؤل. ولكن من الأكيد ان لبنان يحتاج الى خطة عمل واضحة الاهداف والخطوات والتواريخ والتي بدورها قد تكون سبيل إنقاذ دولة من دوامة دين مرهق.
فالأزمة باختصار ليست الدين العام بل الخلل الكامن في وضع السياسات الاقتصادية التي تتناسب وظروف البلد.