ارشيف من :مقالات

الشتوة الأولى كشفت اهتراء البنى التحتية في الضنية وعكار

الشتوة الأولى كشفت اهتراء البنى التحتية في الضنية وعكار

لم تكن الشتوة الأولى، التي هطلت على لبنان منذ أيام، سوى جرس إنذار مبكر، دق أبواب المسؤولين والبلديات في مناطق عكار والشمال، بعدما كشفت الأمطار التي لم تكن بالحسبان، حجم الفساد والاهتراء الضارب بجذوره في البنية التحتية لتلك المناطق.

 ككل موسم شتاء، يتهرب المسؤولون والبلديات من واجباتهم ومسؤولياتهم، بالرغم من أنهم يدركون أن إهمالهم للبنى التحتية سيؤدي حتماً الى خسائر كبيرة، ستلحق بالمواطنين وحدهم، وكما أن البلديات ولجان الأشغال لم تكلف نفسها أقل الواجب في تنظيف وتجهيز قنوات تصريف مياه الأمطار، والمجاري، التي غالباً ما تجتاح  الطرقات والأراضي وتتسبب بالسيول، وتركوا الأمور الى حين وقوع الكارثة.

 مشهد السيول التي اجتاحت مناطق الضنية، كان مرعباً، بعد أن تحولت منازل المواطنين الى شلالات من المياه، وأغلقت عشرات الطرقات بسبب تراكم المياه، إما بسبب انسداد قنوات تصريف مياه الأمطار أو نتيجة عدم قدرتها على استيعاب كميات المياة الغزيرة، في حين تحول جسر طاران في الضنية الى ما يشبه المسبح العائم، حيث غرق فيه عشرات السيارت والمواطنين، لدرجة أن البعض اعتقد أن تلك السيول هي نتيجة لهطول الأمطار على مدى أيام متتالية،  ما الدفع العديد من المواطنين الى التساؤل الجدي: "ماذا سيحل بنا خلال فصل الشتاء حيث العواصف القوية والأمطار الغزيرة؟

 مئات الملايين صرفتها البلديات في عكار والضنية ... ولا شيء تغير

مما لا شك فيه، أن الأمطار الغزيرة التي حملتها الشتوة الأولى، فاجأت البلديات، خصوصاً انها ألحقت أضراراً كبيرة في الممتلكات العامة والخاصة، وأدت الى سيول، تسببت بآلاف الخسائر.  تلك المفاجأة، جاءت إثر غياب كامل للبلديات واتحاداتها، اللذين لم يعدوا العدة لاستقبال فصل الشتاء، فيما أصر البعض الآخر منهم (البلديات) على التقاعس عن واجباتهم، وتنظيف مجاري المياه التي لم يلحظها المتعهدون خلال استلامهم مشاريع من وزارات الدولة، أو البلديات نفسها، بالرغم من الأموال الطائلة التي صرفت في سبيل توسعة وتنظيف تلك القنوات.

في المقلب ذاته، كشفت العاصفة بشكل واضح ضعف البنى التحتية في الضنية، والتي لم تصمد أمام كمية الأمطار، حيث كان من المفترض أن يتم إصلاحها بسرعة قبل قدوم فصل الشتاء الذي أصبح على الأبواب، لأن أي عاصفة أخرى ستزيد وضع المنطقة والأهالي سوءاً، لا بل بات يتوجب استنفار الدولة بكل طاقاتها وإمكاناتها لهذه الغاية، لأن البلديات واتحادات البلديات ليست قادرة أبداً بما تملكه من أموال وإمكانات ضيئلة للغاية، أن تنجز بنى تحتية (طرقات، جسور، شبكة صرف صحي، عبارات وغيرها) قادرة على حماية المواطنين وتحمّل غضب الطبيعة القاسي، للتخفيف من وقوع الأضرار قدر الإمكان.

حال المواطنين في محافظة عكار، لم يكن أفضل من أهالي الضنية، إذ أن الأضرار التي لحقت بالبيوت والمزارعين قدرت بملايين الدولارت، بعدما فاضت المياه في الشوارع والأراضي الزراعية ما أدى إلى أضرار كبيرة بالمزروعات قدرت بمئات الملايين.

 أمام ذلك، طرحت تساؤلات عديدة، حول الأموال التي خصصتها وزارة الأشغال العامة والنقل لمحافظة عكار، أين ذهبت ؟ وكيف تمّ صرفها ؟ والتي بلغت 23 مليارًا  في موازنة عام 2018، فيما حصلت اتحادات البلديات في عكار على ما يقارب 15 مليون دولار توزعوا على 8 اتحادات في العام 2016 بالإضافة الى الأموال العائدة للبلديات من وزارة الداخلية والبلديات والتي تقدر بما يزيد عن 100 مليار ليرة.

 تلك الأموال الطائلة، والتي لم يعرف كيف واين ومتى صرفت؟ حيث لم يلاحظ في أي من طرقات عكار، أو شوارعها أي تجديد أو توسعة، ولا فتحت أي قنوات  لتصريف مياه الأمطار، وبقي الحال على ما هو عليه، طرقات غارقة بالمياه، وزحمة السير أدت الى إقفال الطرقات الرئيسة والفرعية، وما زاد الطين بلة، هو غياب عناصر القوى الأمنية التي أوكلت إليها مهمة تسهيل حركة المرور على الطرق الرئيسة في مركز المحافظة، وحتى شرطة البلديات والاتحادات، اختفوا من الشوارع.
 حكاية طويلة من الفساد والهدر تعيشها مناطق الشمال وعكار، في ظل غياب واضح لأجهزة الدولة الرقابية، في حين لن ننتظر طويلاً حتى يتكشف المزيد والمزيد من التدهور في البنية التحيتة لتلك المناطق والتي لم تشهد أي تطور يذكر طوال السنوات العشر الماضية، وهو ما يبشر بمزيد من الخسائر والأضرار والكوارث التي ستحل مع بداية فصل الشتاء.

2018-09-14