ارشيف من :آراء وتحليلات

على هامش صبرا وشاتيلا.. ثلاثة أيام من القتل

على هامش صبرا وشاتيلا.. ثلاثة أيام من القتل

ثلاثة أيام من القتل المستمر، كيف يستطيع أي إنسان طبيعي أن يستمر بالذبح بالساطور لثلاثة أيام. وما الذي يمكنه أن يحول إنساناً إلى غول يتلذذ بمنظر الدماء. ولكن الأمر الأصعب في القضية كلها، هو السؤال كيف يمكن تأليب أبناء وأهل منطقة واحدة عاشوا أخوة معاً فيها، ويتحدثون لغة واحدة، وتجمعهم عادات وتقاليد واحدة، ليتحولوا إلى جلادين؟ والأسوأ من ذلك أن "القوات اللبنانية" التي قامت بقتل فلسطينيين ولبنانيين وآخرين في مجازر صبرا وشاتيلا على مدى ثلاثة أيام، فعلت فعلتها والإسرائيلي يحيط بالمخيمين المنكوبين، يضيء السماء للقتلة ويستمتع بإنجازه في تدبير المجزرة ويستلذ بمشهد الدم العربي يسفكه أهله.

من الواضح أن قيام المجزرة على أيدي لبنانية يخدم الإسرائيلي ويؤسس لأهداف عدة وضعت قبل العام 1948: الأول، هو تأجيج الصراع اللبناني- الفلسطيني، والذي يخدم المصلحة الإسرائيلية من خلال تأزيم الأوضاع ما بين أبناء المنطقة واحتدام القتال ما بين اللبنانيين والفلسطينيين والذي سيلهي الطرفين عن العدو الأساسي: "اسرائيل". والثاني: هو الإنتقام من فصائل الثورة الفلسطينية، والمقاومة اللبنانية التي كبدت الإسرائيلي خسائر فادحة أثناء الإجتياح بحسب اعترافات صحفية وكُتاب على مرِّ العقود السابقة. والهدف الثالث، يصب في توجيه أنظار العالم إلى أن الفلسطينيين: شعب غير مقبول بهم في المنطقة، وحتى أن العرب يرفضون وجودهم في بلادهم، فلا عجب أن تقاتلهم "اسرائيل" وأن تقوم بطردهم بعد أن قاتلهم كل من الأردنيون واللبنانيون.

ولكن ما الذي أرادت "القوات اللبنانية" إثباته من القيام بهذه المجزرة؟ الجواب على هذا السؤال لا يظهره مدى الخطورة، التي يوضحها "الموقف!"، وهو أن يقوم 150 شاباً لبنانياً ورؤوسهم تشتعل من الغضب من أجل قائدهم، فيقومون بقتل، وبحسب آخر التقديرات، 3500 طفل وامرأة وشيخ وبعض من الشباب العزل. بقي مقاتلو "القوات" في المخيم على مدى ثلاثة أيام دون أن تنطفئ جذوة نار الحقد في قلوبهم. واتضح فيما بعد سوء تقديرهم! فالفلسطينيون لم يقتلوا بشير الجميل، وإنما من قتله، هو من رفض منهج بشير جميل في ذلك الوقت، والذي مايزال يرفضه حتى اليوم. وهذا هو "الموقف!".

على هامش صبرا وشاتيلا.. ثلاثة أيام من القتل

 

هل كان الهدف السياسي على مستوى القتل، أو هل كان الإنتقام لمقتل بشير الجميل يعني مقتل ثلاثة آلاف من الأبرياء ذبحاً. أم جريمة تريد منها "اسرائيل" أن تثني الشعب الذي ما يزال يحارب من أجل قضيته، والذي كان يعي المخاطر التي تحيق به منذ اللحظة الأولى التي ابتدأت بها الهجرات الصهيونية المكثفة باتجاه الأرض الجليلة فلسطين.

بعد خروج "القوات اللبنانية" يوم السبت في الساعة الثامنة صباحاً في من مخيمي صبرا وشاتيلا، أخرجوا معهم الشباب الذين نجوا من القتل، وذلك بحسب موقع البحث العالمي "Global Research". حيث ابتدأت المخابرات الإسرائيلية بالتحقيق معهم وذلك في ملعب المدينة الرياضة، وبعد الإنتهاء من التحقيق معهم أعادتهم المخابرات الإسرائيلية إلى عهدة "القوات اللبنانية"، التي قامت بتصفيتهم. هذا النوع من التصفيات للشباب الفلسطيني ومنهم كان أيضاً العديد اللآلاف من الشباب اللبنانيين والعرب، لم يتوقف عند هذا الحد. فقد اعتقلت "القوات اللبنانية" على هامش المجزرة هؤلاء الشباب، ووضعتهم في شاحنات للجيش اللبناني ومن ثم اتجهت بهم إلى مطار بيروت، ولم يعد منهم أحد. وفي سؤال إلى أحد قادة القوات في مرحلة سابقة إذا ما كانت شاحنات الجيش يقودها عناصر من الجيش اللبناني أكد لي أن الجيش كان محتجز في الثكنات من قبل الإسرائيلي، وأن من تحرك على الأرض التي كان يسيطر عليها في بيروت الغربية كان من حلفاء "اسرائيل". وبقي هؤلاء المخطوفين إلى اليوم بالنسبة لأهاليهم مجهولي المصير.

كانت الولايات المتحدة، بعد خروج الفصائل الفلسطينية في لبنان في 30 آب من العام 1982، قد تعهددت بحماية المدنيين الفلسطينيين في المخيمات. إلا أنه بمجرد خروج الفدائيين من بيروت غادرت قوات المارينزفي 10 أيلول، فدخلتها اسرائيل مباشرة بعد أن كانت قد وعدت بأنها لن تدخلها بعد خروج المقاتلين الفلسطينيين منها. وفي 14 أيلول اغتيل بشير الجميل، وفي المساء ابتدأت المجزرة ولم تخرج القوات اللبنانية من المخيم إلا بعد أن انتشرت رائحة الموت فيه في 14 أيلول 1982. والسؤال، الذي يطرح هنا، كم من الوعود الأميركية والغربية التي توالت على منطقتنا وإتفاقات السلام التي وقعت في بلادنا، بكم منها التزم الأميركي والإسرائيلي بما قطعه من وعود حول أمن أهلنا ومنطقتنا في وجه الجرائم الإسرائيلية. وكم مرة سيتخلى العرب عن قوتهم الحقيقة التي تتجلى بجيشهم القوي ومقاومتهم مقابل الرهان على بعض المكاسب المخزية.

لا يمكننا أن نكتب عن المجزرة وما تلاها من الخطف والقتل دون أن نعتصر من الألم. فأبشع ما تجسده المجزرة هو مبدأ الإبادة الجماعية الذي تنتهجه "اسرائيل" مع الفلسطينيين منذ العام 1948 وحتى اليوم. وهي تحاكي في هذا النوع من المجازر ما فعله المستوطنون الأوروبيون في كل من الأميريكيتين واستراليا وجنوب أفريقيا وحتى الفرنسيون في الجزائر. وهي تظهر جنوحاً سياسياً عنصرياً يصل حد تشريع القتل الجماعي بهدف احتلال الدول وتهجير أهلها والقضاء على تاريخها، من أجل إلغاء وجودها على أرضها. وأهم ما علمتنا إياه المجزرة أن من يساوم على عنصر قوته المتجسد بمقاومته في وجه "اسرائيل"، إنما يراهن على جواد خاسر.

 

2018-09-15