ارشيف من :نقاط على الحروف
البخاري ودبلوماسية الـ ’تويتر’.. سياسة التخريب مستمرة
وأخيراً استقرت الرياض على تسمية وزيرها المفوّض إلى لبنان وليد البخاري سفيراً لها في بيروت، بعد أن تخلّص من لقب القائم بالأعمال الذي لبسه منذ ما قبل آذار 2018 خلفاً للسفير وليد اليعقوبي وريث سمعة السوء عن معلّمه ثامر السبهان، ولا ينسى أحد ما كان للسبهان من جولات تحريض وصولات تهديد ومواقف نارية تهدّد لبنان بالويل والثبور في وقت كان رئيس حكومة لبنان سعد الحريري قابع في سجن الريتز الفاخر.
البخاري الالكتروني
بات يمكننا القول إن الملف اللبناني في وزارة الخارجية السعودية أصبح الآن في يد البخاري، بعدما كان في جعبة الوزير نزار العلولا، ويبدو أن النشاطات الإلكترونية التي يدمن عليها البخاري قد أتت أُكُلها لدى القيادة السعودية، كما أن التقارير التي وصلت إلى محمد بن سلمان عن مجموعات "الوتس آب" التي أنشأها البخاري قد فعلت فعلها في الإيحاء بأنه نجح بتكوين رأي عام حليف في لبنان، هذا فضلاً عن بروزه في حراك الـ"فيسبوك" و"تويتر" و"إنستغرام"، الذي يراهن ابن سلمان على تأثيره في تحريك الشعوب (والسعودي خصوصاً)، فهل ينجح في تحريك الشعب اللبناني؟!
مجالس القهوة الخضراء
ثمة من يهمس باسماً على طاولة الضيافة أن القهوة (أو النسكافيه)، التي يقدّمها البخاري في اللقاءات والسهرات التي يدأب على تنظيمها، تمتاز بطعم فريد خصوصاً مع لونها الذي يميل إلى الأخضر وليس الأسود، حيث تبدو وكأنها انغمست بحبر اعتاد بعض الضيوف رؤيته واشتمام رائحته، وهم ألِفوه حين كانوا يتقاطرون زرافات ووحداناً إلى مقر السفارة الأمريكية في عوكر، وطالما تركت هذه القهوة تأثيرها على بعض الحاضرين، فما يكاد البخاري ينهي ترحيبه ليبدأ إيعازاته حتى ينبري أحدهم ليتلو ما كان حفظه في لقاءات سابقة، ويليه آخر ليكمل فصول الدرس، فيعدّل البخاري من جلسته مطمئناً يتبادل نظرات الرضا مع رؤوس القوم.
آخر بيادق السعودية .. في لبنان
نسجّل للبخاري نشاطه الملفت اللاإلكتروني، سواء في الزيارات التي أجراها ويجريها على المراجع الدينية في لبنان والشخصيات السياسية والحزبية، أو حضوره وتنظيمه الأمسيات الأدبية والشعرية وحفلات التكريم التي يقيمها لشخصيات تاريخية في لبنان، ولا تفارقه ابتسامته الدبلوماسية وكأنها أصبحت محفورة بثبات في تضاريس وجهه، وهو يعتقد في قرارة نفسه أنه بات حصان السبق في السياسة السعودية في لبنان، وبات يتصرّف على أساس أنه طاووس السفراء العرب وقائد المجموعات اللبنانية الحليفة، وما أكثر هذه المجموعات التي اعتاد رؤساؤها سياسة الإطراء والتزلّف وخبروا قواعد المبايعة، مع علمهم بأنهم أصبحوا يمثلّون آخر البيادق التي تراهن السعودية على حراكهم أملاً في أن تحجز لها مقعداً على الطاولة السياسية في المنطقة.
محاكاة ذي الوجهين
نسجّل للبخاري أيضاً أنه يعكس فعلاً حقيقة الموقف السعودي، وأمانته في إبراز هذا الموقف من خلال تصريحاته التويترية وإيعازاته التي يوزّعها على مجموعات الوتس آب، وهذا الحرص على التماهي والمحاكاة يبرز أيضاً المستوى المغمور للسياسة السعودية التي لم تعد ترى في لبنان إلا بعض الأفرقاء الذين لا يملكون سوى قدرة التخريب والتعطيل، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يصلوا إلى مستوى الفعل والمبادرة، وهي بدأت مسيرة التخريب المباشر منذ استدعاء الرئيس سعد الحريري إلى الرياض واحتجازه وإجباره على الاستقالة، ومن ثم استهداف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ومحاولة تأليب الرأي العام ضد حزب الله والمقاومة، وصولاً إلى بث الفتنة وتحريض اللبنانيين بعضهم على بعض، وداخل طوائفهم نفسها، سعياً لإرساء حالة من الانقسام الشامل كخطوة تمهّد لضرب الاستقرار الأمني والاجتماعي في لبنان.
الإبداع اللبناني يسعف البخاري
فشلت السعودية في كل مساعيها لإعادة لبنان إلى أجواء الحرب الأهلية، فسحبت "صقورها" من بيروت لتعود بوجه جديد دون تعديل في أجندة التخريب، ولكن هل يستطيع البخاري بابتساماته الدبلوماسية أن يصلح ما أفسدته السياسة الموتورة لابن سلمان التي أفصحت عن الوجه الحقيقي والبشع للسعودية في ما يتصل بالقضايا الساسية في المنطقة؟! وهل سينفعه انكبابه على مواقع التواصل الاجتماعي في إعادة لملمة ما تشتّتّ بفعل رعونة من سبقوه من ممثلي السياسة السعودية في لبنان؟! وهل سيؤدي إدمانه على الاتصالات الهاتفية وتعدّد أجهزة الهاتف لديه في تكوين مجموعات الضغط الفاعلة التي يمكن لها أن تترك أثراً في معادلة السياسة الداخلية؟! لا يبدو البخاري قادراً على استيعاب ما يجري من تعقيدات على الساحة اللبنانية، ولكن الذي يسعفه حقاً هو إبداع بعض اللبنانيين في ترجمة التوجّه السعودي بشكل فعلي، ولا يضرّ هؤلاء إذا جيّر البخاري هذا "الإبداع" لمصلحته، طالما أن القهوة الخضراء حاضرة دوماً في مجالسه.