ارشيف من :أخبار لبنانية
المجلس النيابي يلتئم في جلسة ’تشريع الضرورة’
اهتمت الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت بانعقاد مجلس النواب على مدى يومي الاثنين والثلاثاء تحت عنوان "تشريع الضرورة"، لبحث 29 بندًا.
ويأتي ذلك وسط غياب أي بوادر لتشكيل حكومة جديدة بانتظار عودة رئيس الجمهورية من نيويورك حيث سيلقي كلمة لبنان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الاربعاء.
"الأخبار": جدول أعمال «غير ضروري» لجلسة «تشريع الضرورة»
يعقد المجلس النيابي يومي الاثنين والثلاثاء جلسة تشريعية هي الأولى منذ الانتخابات النيابية. جلسة صنفت في خانة الضرورة على رغم أن جدول أعمالها المؤلف من 29 مادة لا يوحي بهذه الضرورة. الضرورة الوحيدة ربما هي تلك المتعلقة بإعطاء إشارة واضحة إلى كل من يهمه الأمر أن المؤسسات لن تسير على إيقاع تشكيل الحكومة الذي لا يُرى له أفق
ليس في جدول أعمال الجلسة العامة لمجلس النواب، التي تنعقد اليوم وغداً، ما يدعو لتسميتها بجلسة «تشريع الضرورة». ولولا الظروف التي تحيط بها، وأبرزها عدم تشكيل الحكومة، لكان يمكن أن يُقال أنها جلسة روتينية ببنود أقل من عادية. لكن مع ذلك، وخلافاً لسلوك تيار المستقبل في مناسبات مشابهة، لم يُسمع له أي اعتراض حتى لو بالشكل، كما لم يجد في الجلسة ما يمس بصلاحيات الرئاسة الثالثة.
ذريعة موافقة «المستقبل» هذه المرة هي الحاجة إلى تمرير قوانين مطلوبة من مؤتمر «سيدر»، بعضها «إصلاحي» وبعضها مالي. التدقيق في جدول الأعمال يظهر أن الغالبية الساحقة من المشاريع المتعلقة بالموافقة على قروض خارجية، هي سابقة لمؤتمر «سيدر»، وبالتالي هي ليست جزءاً من «القوانين المطلوبة»، ومع ذلك لم يمانع تيار المستقبل في أن تكون جزءاً من تشريع الضرورة. فقد درجت العادة أن يُطاع «الخارج» عندما يطلب، فتسقط كل الاعتراضات الطائفية، ويصبح التشريع في غياب حكومة مكتملة الصلاحية مقبولاً، وكذلك الأمر في ظل الفراغ الرئاسي. وخير مثال هي القوانين المالية الخمسة التي أقرت في عام 2015 تحت ضغط الخارج، والتي أدت حينها إلى كسر الفيتوات الطائفية على التشريع في غياب الرئيس. وهو الأمر الذي استغله الرئيس بري خير استغلال فألغى مبدأ «الضرورة» بإدخاله مواد عادية إلى جدول الأعمال حينها، تماماً كما يفعل اليوم، مكرساً بالتالي حق المجلس، بصفته سلطة مستقلة، بالتشريع، من دون ربط هذا الحق بوجود السلطات الأخرى أو غيابها.
مع ذلك، فإن التسليم بخوف البعض على أموال «سيدر» من الضياع، يوجب عليه أولاً وأخيراً بأن يشكّل الحكومة، لأنه ببساطة، بحسب مقررات المؤتمر، أول الشروط وأبرزها هو إقرار الموازنة. وبما أنه لا موازنة بلا حكومة، فلا أموال بلا موازنة.
29 بنداً يضم جدول أعمال الجلسة التشريعية ليس فيها أي قانون ضروري، يشبه على سبيل المثال قانون تمديد مهل قانون الانتخابات في العام 2013، الذي وضع في خانة تشريع الضرورة، أو يشبه قانون التمديد للمجلس النيابي بحجة عدم الوقوع بالفراغ (2013 أيضاً).
مع ذلك، ربما يكون هنالك قانون وحيد يصنّف في خانة الضرورة، وإن بمعايير مختلفة. هي ضرورة مفصلة على قياس المحرقة التي تعد لها بلدية بيروت، والتي لا يمكن السير بها من دون إقرار مشروع القانون المتعلق بالإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة. ذلك مشروع مرّ عليه الزمن، لكنه نُبش من الجوارير، وتم تعديله ليتناسب مع خطة المحارق «الضرورية». المشروع سبق أن أقر في اللجان المشتركة ويبدو أنه لن يتأخر ليقر في الهيئة العامة أيضاً. اللجان أقرت أيضاً مشروع القانون المتعلق بالمعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي، الذي يتنظر إصداره منذ 12 عاماً. وهو يضم مسألة أسماء النطاقات التي شهدت نقاشاً حاداً في اللجان يتوقع أن يستكمل في الهيئة العامة أيضاً. مع ذلك، فهو يبقى في خانة المشاريع المهمة لكن ليست المستعجلة، أسوة باقتراح القانون الرامي إلى مكافحة الفساد في عقود النفط والغاز، أو اقتراح القانون الرامي إلى حماية كاشفي الفساد، الذي لا يمكن تطبيقه قبل إقرار قانون تشكيل هيئة مكافحة الفساد. أحد الاقتراحات المفترض أنه ضروري لا يجد له مكاناً في جدول الأعمال، على سبيل المثال. قرار تأجيل تنفيذ الضريبة المقطوعة المسماة «ص 10»، الذي أعلنه وزير المالية لا قيمة له إذا لم يقرن بقانون، إذ لا يُلغى قانون إلا بقانون.
في المشاريع المتعلقة بالموافقة على قروض، واحد يتعلق بتعزيز الحوكمة في وزارة المالية (تطوير عملية إعداد الموازنات)، والآخر بتعزيز النظام الصحي في لبنان والثالث يتعلق بتنفيذ وتزفيت طرقات. أهم هذه القروض ربما هو ذلك المتعلق بتمويل مشروع مياه الصرف الصحي في حوض الغدير أو تنفيذ مشروع صرف صحي في الشوف.
"البناء": تشريع الضرورة يبدأ بسجالات
يتراجع الأمل لبنانياً بولادة الحكومة، بينما يفتتح المجلس النيابي جلساته التشريعية تحت عنوان تشريع الضرورة، على إيقاع سجالات وتجاذبات عادت لتحكم الجو الداخلي، حيث لا يكاد يتراجع محور سجال حتى يطل آخر، ولا يبدو مصدراً للثقة إلا ما منح اللبنانيين الأمل، بتضحيات المقاومين الذين وهبوا دماءهم ليتحرّر الوطن ولهؤلاء كان الشهيد البطل خالد علوان وعملية الويمبي أيقونات الاستقلال التي احتفل بذكراها اللبنانيون أحزاباً وشخصيات، يتشاركون مع الحزب السوري القومي الاجتماعي يوماً مشهوداً من أيام تاريخ يدعو للفخر ويرسم معالم الكرامة والاعتزاز لكل لبنان.
لم يمر مرور الكرام التسجيل المسرّب للنائب ياسين جابر والذي جاء فيه «للأسف الشديد رَوَّحوا على لبنان فرصة عظيمة وجميع الدبلوماسيين في الأمم المتحدة يسألون كيف ترفضون عرض شركة «سيمنز»، كيف تعاملون ميركل بهذه الطريقة، هل أنتم مجانين في لبنان؟»، مشدداً على أنه «للأسف الشديد هذا العهد سيدمّر لبنان بشكل غير مقبول، والآن عشية جلسة الإثنين يضغط رئيس الجمهورية ووزير الطاقة لينالا 500 مليون دولار غير المليار والنصف دولار ليؤمّنا الكهرباء لعدد من الساعات حتى نهاية 2018، للأسف الشديد البلد تؤخذ الى الهاوية».
كان للتسجيل الصوتي لجابر وقع لا سيما أن الأخير لم يعتد الدخول في أية مناكفات سياسية، والمعروف عنه نيابياً أنه يتعاطى مع الملفات السياسية والاقتصادية بواقعية ومناقبية. وعلى هذا الأساس، ورغم دخول أجواء التهدئة بين الحزب الاشتراكي والتيار الوطني الحر حيز التنفيذ الإعلامي بمسعى من اللواء عباس ابراهيم، فإن النائب السابق وليد جنبلاط قال في تغريدة عبر تويتر من باب النصح «ليت المعنيين يسمعون ما قاله ياسين جابر، صوت مدوٍّ ينضمّ إلى الحريصين على المصلحة العامة يفضح مهزلة البواخر التركية التي هي أحد الأسباب الرئيسية للعجز والدين العام».
ما تقدّم استدعى تغريدة من وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال سيزار أبي خليل: «يا ليت الأصوات الوطنية» لجأت الى الوقائع والمحاضر بدل الشائعات والقيل والقال إذ لم نعد نعرف ماذا تريدون: اتباع الأصول أو التراضي كما تعوّدتم… واستطراداً «سيمنز» لم تشارك في أي مناقصة». فرد جنبلاط عبر «تويتر» قائلاً: «الى وزير الطاقة. إن اشارتي الى كلام النائب ياسين جابر ليست من باب الحقد كما تقولون بل من باب الحرص على المصلحة العامة كما قصد الأستاذ جابر. وليتكم أخذتم بملاحظات منير يحيى التي أدلاها آنذاك بحضور الرئيس الحريري، لكن قررتما تجاهلها لانه يبدو أن س.ظ. فوق الجميع. لكن سنتابع جهود التهدئة والحوار بوجود الكهرباء أو من دون الكهرباء وعلى ضوء الشموع او قناديل الكاز او ضؤ القمر. نحن والقمر جيران».
بري لـ"الجمهورية": الحمد لله.. بعدنا طيبين
مع التئام المجلس النيابي في جلسة «دسمة»، تمتد على يومين (الاثنين والثلثاء)، يكون الرئيس نبيه بري قد استطاع حماية المجلس الجديد من خطر الإصابة بـ»الشلل المبكر»، عبر استخدام «لقاح» تشريع الضرورة الذي من شأنه أن يعزّز مناعة السلطة التشريعية ويحصّنها ضد فيروس «الشغور الحكومي» المتمادي.
يبقى أن تنجح الجلسة في الاستجابة لمتطلبات الدولة ومحاكاة قضايا الناس عبر إقرار القوانين الضرورية، علماً أنّ النواب، خصوصاً الجدد منهم، سيكونون أمام اختبار إثبات الأهلية والحضور، مع الأمل في ألّا تطول فترة «الروداج» التي قد يحتاج اليها بعضهم.
أما الرئيس بري فلا يخفي ارتياحه الى «المؤشرات الأوّلية» التي التقطها حتى الآن، وهو يقول لـ»الجمهورية» إنّ المجلس النيابي الذي يضمّ نحو 79 نائباً جديداً يبدو مبشّراً بالخير على صعيد النشاط والإنتاجية، ملاحظاً أنّ هناك حضوراً كثيفاً في المطبخ التشريعي المتمثل في اللجان النيابية، خلافاً لما كان يحصل في الماضي.
ويضيف: في السابق كانت قلّة فقط تحضر اجتماعات اللجان، وكنا نقوم بـ»التنقيب» عن النواب ونحثّهم على المشاركة، اما الآن فإنّ جلسات اللجان تزدحم بالنواب والمقاعد تمتلئ الى حدّ الاكتظاظ، ما يعكس حماسة للعمل، وأتمنى أن يستمرّ هذا الزخم طيلة مدة الولاية.
ويوضح بري أنه سيكثف لاحقاً وتيرة الجلسات العامة من اجل البتّ في كل مشاريع واقتراحات القوانين التي تكون جاهزة، متطلّعاً الى أن يستعيد المجلس النيابي الحالي «اللياقة التشريعية» العالية التي سبق أن تحلّى بها مجلسُ عام 1992، ومشيراً الى أنه بصدد الدعوة الى عقد جلسة أخرى في منتصف الشهر المقبل.
والى جانب حرصه على رفع منسوب الإنتاجية، يؤكد بري أنه سيدفع أيضاً في اتّجاه تفعيل الدور الرقابي للمجلس النيابي، قائلاً: بعدما تتشكّل الحكومة، سأمنحها بعض الوقت حتى تنطلق ونختبر أداءَها وقدرتها على الإنجاز، لكنّ مهلة السماح لن تطول، وأنا ساقف بالمرصاد لكل خلل في سلوكها، وبالتالي متى لمستُ أنّ هناك أخطاء أو تقصيراً في عملها، لن أتردّد في إخضاعها الى المساءلة والمحاسبة امام المجلس. لا مسايرة أو مراعاة بعد اليوم، لأنّ مصالح الدولة وحقوق الناس فوق كل اعتبار، والمجلس سيكون حازماً في ممارسة الرقابة على السلطة التنفيذية، وأنا أعني ما أقول، ومَن لا يصدّقني عليه أن يجرّبني.
وحين يُسأل بري عن تعليقه على الدراسة التي أظهرت أنّ لبنان هو الاول في عدد مرضى السرطان على مستوى العالم العربي، يجيب: الحمد لله أننا «بعدنا طيبين» في بلد تجتاحه مصادر التلوّث والفوضى على نطاق واسع. يكفي أن تنظر مِن حولك حتى تكتشف حجم المصيبة التي نواجهها. المياه إما مقطوعة وإما ملوّثة بما فيها تلك التي تُستخدم لريّ المزروعات وهذه جريمة كبرى.. البيئة مهدّدة بأشكال مختلفة من النفايات الى غيرها.. أزمة الكهرباء مستفحلة وهناك مَن يصرّ على مواصلة سياسة الهروب الى الامام عبر البواخر وأنا أشكر الله أننا لم نتورّط في الباخرة «إسراء» التي ثبت عدم جدواها.. 39 قانوناً جرى إقرارها لا تُنفّذ بسبب المزاجية والاستنسابية.. مجالس الإدارة في مؤسسات رسمية لا تُعيَّن لأنّ بعض الوزراء يريد أن يبقى مستحوذاً على السطوة والنفوذ.. المطار تباغته الازمات لأن ما أُقرّ في شأنه لم يُطبّق.. وغيرها من الامور التي تعكس الواقع المهترئ والمترهّل الذي وصلنا اليه، ومع ذلك كله، يستمرّ التأخير في تشكيل الحكومة نتيجة التجاذب حول الحصص بدل أن تشكل الحاجة الى معالجة تلك الملفات الملحّة حافزاً للإسراع في التأليف.