ارشيف من :تحقيقات
لهذه الأسباب يجب تعديل المادة الأولى من قانون ’الخدمة المدنية’
في الحادي والعشرين من آذار/ مارس المنصرم، أطلق الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله تحذيراته بشأن الأوضاع الاقتصادية والمالية المزرية التي يقبع تحتها لبنان. أصرّ سيد المقاومة على إيلاء محاربة الفساد عناية خاصة. لم يقصد سماحته من مصطلح العناية المذكور فقط تضمين هذا الشعار الخطابات والكلمات. بل المثابرة والجد والاجتهاد على دفع قضية "مكافحة الفساد" لتكون الحاضر الأبرز في اقتراحات ومشاريع القوانين. المطلوب تغيير الواقع قدر المستطاع عبر سد مزاريب الهدر، ودهاليز الفساد والمحسوبيات والمحاصصة. انطلاقاً من أنّ الأوضاع المعيشية لم تعد تحتمل تسويفاً ومماطلة، والحال بلغ مستويات غير محمودة. فالسيد ليس ببعيد عن أجواء الفساد الاداري والمالي وفجوات الهدر في هذا القطاع وذاك. ولم يكن بمستغرب على حزب الله أن يخوض هذه المعركة. فهذا الحزب ومنذ الثمانينات يحمل هموم الناس ويجعلها أولوية انطلاقاً من شعار سيد شهداء المقاومة الإسلامية السيد عباس الموسوي "سنخدمكم بأشفار عيوننا".
ولم يكن إطلاق السيد نصرالله الحرب على الفساد ـ إذا صحّ التعبير ـ مجرّد خطاب قاله. فمن يعرف "السيد" يعي تماماً أنه لا يتفوّه بكلمة قبل أن يدرس جميع حروفها. سماحته أطلق "مكافحة الفساد" كشعار للمرحلة المقبلة استناداً الى خطة واضحة رسمها الحزب ومنهجية محكمة الصياغة بعد أن عاين على الأرض مستوى التسيب في العديد من الملفات. ورغم أن حزب الله لدى إعلانه عن هذه الخطوة سمع الكثير من عبارات الدعم والتأييد من قبل العديد من القوى، إلا أنه سمع أيضاً الكثير حول ثقل المسؤولية التي سيتحملها، وكلام من قبيل أن الفساد متجذّر في البلد، فكيف ستستطيع محاربته؟، وسريعاً ما كان يأتي الرد بأن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، وبأنّ محاربة الفساد دين للمواطنين في عنق مختلف القوى السياسية، فأكمل الحزب المهمة وكان أن كُلف النائب الدكتور حسن فضل الله بمسؤولية إدارة هذا الملف "الذي سيشكل مركز الإسناد والتخطيط وجمع المعطيات وتقديم الاقتراحات".
منذ الاعلان عن تكليف فضل الله إدارة المهمة في الخامس والعشرين من أيار/ مايو، والعمل جار على ورشة كبيرة في مجال مكافحة الفساد والاصلاح. برنامج حزب الله يزخر بعشرات الاقتراحات والمشاريع، وفق ما تؤكد مصادر مطلّعة لموقع "العهد" الإخباري. بعض هذه الاقتراحات يحتاج الى وجود حكومة كونه يتطلب جوانب تنفيذية وليس فقط تشريعية. هناك مشاريع عديدة في مجال محاربة الفساد، ومشاريع تنموية أيضاً، كما أن هناك مشاريع تتعلّق بالاصلاح الاداري والمالي، واقتراحات تتعلّق بالتشريعات المالية. وما اقتراحات القوانين الثلاثة (الصفقات العمومية ـ الخدمة المدنية ـ التطويع في الأجهزة الأمنية) التي أعلن عنها السيد نصرالله ليلة العاشر من محرم 1440 سوى باكورة تلك الملفات التي يُصر حزب الله على مناقشتها ومتابعتها حتى النهاية، فهذه الاقتراحات تساعد على سد المسارب التي يتسلّل منها الفساد والهدر في الدولة والمؤسسات، وفق ما يؤكد عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب الدكتور علي فياض لموقع "العهد" الإخباري، لافتاً الى أنّ حزب الله يولي اهتماماً خاصاً لهذا الجانب وهناك العديد من الاقتراحات التي لا تزال قيد الدرس، وستكون جاهزة لمناقشتها واقرارها في الجلسات التشريعية المقبلة بإذن الله".
يُشدد فياض على أنه وبعد الانتهاء من الانتخابات النيابية، فإنّ العمل على العديد من المشاريع جار داخل كتلة الوفاء للمقاومة وبجدية عالية انطلاقاً من أنّ هناك العديد من الموضوعات تحتاج الى تشريعات جديدة لاستصدار قوانين تُعنى بتفعيل أجهزة الرقابة الادارية والقضائية ،وتفعيل أجهزة الرقابة على الفساد، وتفعيل أجهزة الرقابة البرلمانية، وأجهزة الرقابة على الأداء الحكومي.
فضل الله..
السيد نصرالله ولدى إعلانه عن اقتراحات القوانين، تحدّث عن اقتراح قانون تعديل المادة الأولى من قانون إنشاء مجلس الخدمة المدنية. هذا المجلس الذي تضع الغالبية من اللبنانيين ثقتها الواسعة فيه، كونه الوحيد ربما الذي استطاع الحفاظ على صورته بعيداً عن المحسوبية والمحاصصة، يحوي قانون إنشائه، وفق ما يؤكد رئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق الدكتور عبد الحليم فضل الله، يحوي بعض الثغرات التي برزت خلال التطبيق، إذ تسلّل البعض عبرها لتوسيع سلطاته في التعيين والتوظيف، وبرز أن دورة التوظيف في بعض المؤسسات أو الكيانات أو المجالس تتم خارج الآليات المعتمدة في الأنظمة. وقد وجد حزب الله ومن خلال بعض الظواهر ضرورة لتعديل المادة الأولى من المرسوم والتي تنص على ما يلي "انشىء لدى رئاسة مجلس الوزراء مجلس للخدمة المدنية تشمل صلاحياته جميع الادارات والمؤسسات العامة وموظفيها ومستخدميها والبلديات الكبرى والبلديات التي تخضعها الحكومة لرقابته بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، باستثناء القضاء والجيش والافراد المدنيين الملحقين بالجيش، وقوى الامن الداخلي والامن العام والافراد المدنيين الملحقين بقوى الامن الداخلي والامن العام".
المجلس الذي أنشئ في 12 حزيران/ يونيو عام 1959 بالمرسوم الإشتراعي رقم 114، لا يُخفي فضل الله، أنه وخلال العقود الماضية قدّم أداء معقولاً أثناء قيامه بواجباته المناطة به، لكنّه يلفت الى ضرورة تعديل المادة رقم 1 حتى يكون النص جامعاً مانعاً لأي التباس بشكل لا يدع مجالاً للشك، ومنعاً لأي خطوات يجري فيها التوظيف من خارج مجلس الخدمة المذكور. والاخضاع وفق ما يلفت فضل الله لا ينحصر فقط بإجراء المباريات، إنما تصبح صلاحيات هذا المجلس شاملة لكل المجالس التابعة للقطاع العام، ما يعد خطوة كبيرة الى الأمام باتجاه رفع يد السياسيين عن الادارة العامة. وفي هذه الخطوة إغلاق باب كبير من الهدر وعدم النزاهة والمساواة والفساد، فالكفاءة مطلوبة لكن المساواة مطلوبة أيضاً، وفق فضل الله، وفي هذا تأكيد على توسيع صلاحيات مجلس الخدمة المدنية لا تحجيمه. فما هي الظواهر التي دفعت الى المطالبة بتعديل هذه المادة؟.
فضل الله الذي يواكب الورشة التي ينكب على إنجازها حزب الله يلفت الى أنّ هناك بعض النماذج في الادارات العامة والوزارات والهيئات التابعة للقطاع العام تسود فيها ظواهر التوظيف الزائد وغير الكفؤ، ومن يراجع هيكلية القطاع العام يرى أن هناك تخمة موظفين في بعض الأمكنة ونقص في أمكنة أخرى. كما تسود ظاهرة تنامي كتلة المتعاقدين على حساب المثبتين في الملاك، في إشارة الى يد السياسيين الطائلة في عمليات التوظيف. وأيضاً، يتحدث فضل الله عن ظاهرة تضخم كتلة الأجراء داخل القطاع العام، فزيادة عديد هذا النوع من العمال، دليل واضح على وجود تدخل سياسي، ومن هنا يفترض التقيد بقانون انشاء مجلس الخدمة المدنية بكافة مندرجاته، والذي تشكل المباريات وآليات التعيين جزءاً مهماً منه. كما يجب مراعاة الأسباب الموجبة والتي يحق من خلالها لأي ادارة اجراء المباريات، وجعل التنظيم والتدريب على عاتق مجلس الخدمة المدنية.