ارشيف من :مقالات
ما بين ’كارتيل الدواء’ والمواطن.. وزارة الصحة في ’كوما’
لا ينتهي الحديث عن عالم الدواء في لبنان عند حد معيّن. كلّما توغلنا أكثر، كلما اكتشفنا المزيد عن قطاع يسوده "التشاطر" والتحايل على المرضى. عن "كارتيل" يتحكّم بأرواح المواطنين، وآخر همه، جيوب الفقراء. أولئك الذين قد يجمعون المال ليرة فوق ليرة، حتى يتمكنوا من الوصول الى العلاج. في عالم الدواء، قد نسمع خبريات "صادمة" فعلاً، عن أطباء تحولوا الى وكلاء لشركات معينة. وصيادلة باتوا تجاراً يسوقون لتلك الشركة وذاك الوكيل. قد نسمع بحقائق تبدو فيها الدولة ووزارة الصحة بالتحديد في مكان آخر، لا يلائم الهدف الذي وجدت من أجله.
ربما يحتاج ملف الأدوية في لبنان الى سلسلة حلقات حتى نتمكن من الإحاطة بكافة جوانبه. أزمة غلاء الأسعار تفتح العيون على الكثير من التساؤلات: ماذا فعلت وزارة الصحة اللبنانية للتخفيف على جيوب المواطنين، ومحاربة منظومة الفساد المتحكّمة بقطاع الدواء في لبنان؟، ألا يستدعي الواقع المزري الذي يرزح تحته ملف الأدوية من فساد وغلاء ورشوة استنفاراً لجعل مصلحة المواطن أولوية؟ لماذا لا تعمد هذه الوزارة الى القيام بحملات توعية للمواطنين تُعرفهم على أن هناك بدائل في الأسواق لمعظم الأدوية الأساسية، تتمتع بذات التركيبة العلمية، وبأسعار مقبولة جداً وملائمة؟ لماذا لا تستفيد هذه الوزارة من عروض التعاون في مجال الأدوية التي تأتيها من الخارج وعلى رأسها ايران؟.
يأسف نائب نقيب الصيادلة السابق الدكتور علي صفا للواقع المحزن الذي يسود قطاع الأدوية في لبنان. بحرقة كبيرة يتحدّث عن الممارسات الخاطئة والتجاوزات التي جعلت من المريض ضحية و"ألعوبة" بيد المتسلقين. في البداية يوضح صفا أنّ كل دواء مسجّل في لبنان، يخضع حكماً للمواصفات الصحية التي تجعله مثيلاً لأي دواء أساسي. ينطلق محدّثنا من هذه القاعدة ليشير إلى أنّ معظم الأدوية الأصلية "البراند"، لديها أدوية مثيلة أي جنريك، تحتوي على ذات التركيبة العلمية وتتمتع بذات الفعالية، وبأسعار أقل بكثير، وبنسب تصل حد السبعين بالمئة أحياناً عن الدواء الاساسي، ما يخفض الفاتورة الدوائية على المواطن. لكن وللأسف في بلد كلبنان، حيث تغيب الثقافة الدوائية يتحكّم العديد من الأطباء بالاسم التجاري للدواء، فيفرضون الدواء الأغلى على المريض. الأخير لا حول له ولا قوة. جل همه العلاج ويضع كامل ثقته بالطبيب الذي من واجبه تخيير المريض بين الدواء الأساسي والبديل، لكنّ الجشع، وفق صفا، يدفعه الى تسيير المريض الذي لا يعلم أصلاً أن هناك أدوية تعطيه العلاج المناسب وبسعر أقل.
لا يُخفي صفا أن العديد من الأطباء يعملون كوكلاء لشركات أدوية معينة، طمعاً بالاستفادة المادية. ما تقدم يدفعهم لكتابة اسم الدواء الأغلى، بحجة أنه أقوى، وفعال أكثر، وكلها حجج واهية، يؤكد صفا، الذي يستحضر من البال قصة تدحض هذه "الديباجة". يروي صفا حادثة صادف أنّ عاينها تتعلّق بالأدوية المستخدمة في علاج الالتهابات. يُفصّل بداية أنّ سعر دواء "الأوجمنتين" وهو دواء "براند" بريطاني المنشأ يتمتّع بجودة عالية جداً يبلغ ما يقارب الـ11 الف ليرة، بينما سعر دواء "جلمنتين" "الجنريك" الذي يستخدم أيضاً في علاج الالتهابات والذي يصنّع في الامارات، سعره 15 الف. أحد الأطباء عمد الى كتابة وصفة طبية لأحد المرضى وفيها دواء "الجلمنتين". وهنا يسأل صفا ما الذي يدفع بطبيب الى الطلب من مريض شراء الأغلى مع أنه مثيلاً دوائياً وترك الدواء الأرخص رغم أنه بريطاني المنشأ؟. إنها "التنفيعة"؟. برأي صفا يخضع العديد من الأطباء لمصالحهم في جني الأموال من الشركات.
يُشدّد صفا على أنّ أمام وزارة الصحة اللبنانية الكثير من الحلول لتغيير الواقع المأساوي. عليها محاكاة تجربة بعض البلدان التي منعت الأطباء من كتابة الاسم التجاري للدواء والاستعاضة عن ذلك، بكتابة التركيبة العلمية، ما يفتح الخيارات أمام المريض، الذي يسأله الصيدلي أي دواء تريد: الأساسي أو المثيل؟. وهنا تتحقق العدالة برأي صفا، وينضبط سوق الدواء بعيداً عن الكارتيلات التي باتت تنهش في جسد المواطن. وباستطاعة الوزارة تفعيل الرقابة أكثر باستحداث خط ساخن، يُبلغ عبره الصيدلي عن أية وصفة طبية تتضمن الاسم التجاري للدواء، ما يقطع الطريق على الشركات، والوكلاء.
صفا الذي يقود حملة على "الفيسبوك" ضد غلاء الاسعار الفاحش، يوضح أنه تلقى تهديدات كثيرة من شركات أدوية لا يحلو لها بث التوعية بين الناس. ولا ينسى أن يتطرّق في معرض حديثه عن الدواء الايراني، الذي يتمتع برأيه بجودة عالية جداً وبأسعار مخفضة جداً، موضحاً أن وزارة الصحة هي المعرقل الاساسي للعروضات الايرانية نظراً للرشوات التي يحصل عليها بعض النافذين في الوزارة من شركات الأدوية المختلفة، ما يجعل المواطن ضحية منظومة الفساد السائدة في البلد" يختم صفا.