ارشيف من :نقاط على الحروف
الرئيس عون على منبر الأمم يحاضر عن كل العرب
قلّما يعتلي رئيس بلد ما منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة ويترك بصمته البارزة. في هذا المجال يتحدث التاريخ عن الرئيس السوفياتي نيكيتا خروتشوف الذي ضرب الطاولة بحذائه عام 1960 اعتراضاً على وصف سياسة بلاده بالاستعمارية. كذلك ياسر عرفات وعبارته المشهورة في العام 1974 حين قال: "أتيت إلى هنا حاملا ًغصن الزيتون بيد وبندقية المقاتل من أجل الحرية في الأخرى، فلا تدعوا غصن الزيتون يسقط من يدي". إلا أن الكلمة التي ألقاها الرئيس اللبناني العماد ميشال عون تستحق أن تكون وثيقة يقرأها رؤساء الدول على باب قاعة المؤتمر الأممي.
لا للفيتو
بدبلوماسية حازمة أعلن الرئيس عون مضبطة اتهام شاملة للأمم المتحدة مذكّراً كل حاضر وغائب بالأسس التي قامت عليها هذه المنظمة، بحيث يجب أن "تكون الضمير العالمي الذي يحفظ التوازن ويمنع الاعتداء ويحقق العدالة ويحمي السلام"، وهذا الأمر غير مطبّق حالياً بسبب استفراد "الدول الكبرى" بحق النقض الذي تحوّل إلى مظلة حامية تستخدمها هذه الدول لمنع تحقيق العدالة، لا سيما في ما يتعلق بـ "إسرائيل"، وهذا الاتهام لا يقتصر على الولايات المتحدة الأمريكية فقط، بل كل الدول التي تمتلك حق النقض (الفيتو) وتحمي المعتدي وتغطي على جرائمه، وبالتالي فإن التنكّر لهذه الرسالة بات تحتّم إعادة النظر بقوانينها ونظمها وسياساتها، و"يستوجب تطويراً جدياً للدور المستقبلي المأمول منها.."، من خلال "مشروع إصلاحي يلحظ توسيع مجلس الأمن ورفع عدد الدول الأعضاء واعتماد نظام أكثر شفافية وديمقراطية وتوازناً".
عون المقدسي
البعض توقف عند "فلسطينية" الرئيس عون الذي بدا في بعض جوانب كلمته أكثر تمسّكاً بقضية فلسطين من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ففيما تحدث عباس ببؤس عن "القدس الشرقية" و"حل الدولتين"، رفض الرئيس عون إعلان القدس عاصمة لـ"إسرائيل" ونقل السفارة الأمريكية إليها، وهاجم قانون "القومية اليهودية لدولة اسرائيل التهجيري القائم على رفض الآخر"، وانتقد وقف المساعدات عن مؤسسة الأونروا وغيرها من القرارات الأمريكية المتفرّدة، والتي تقود كلها إلى "ضرب مشروع السلام والتمهيد لإسقاط صفة اللاجئ، ودمجه في الدول المضيفة لمحو الهوية الفلسطينية وفرض التوطين".
رفع الرئيس عون الصرخة عالياً في محضر الأمم المتحدة، رافضاً "فلسطنة" لبنان من باب رفض التوطين والمطالبة بعودة الفلسطينيين من الشتات إلى أرضهم المحتلة وتطبيق القرارات الدولية ذات الاختصاص، وانطلق في موقفه هذا من نافذة لبنان الذي بات اليوم يواجه أزمتين: أزمة اللاجئين الفلسطينيين وأزمة النازحين السوريين، وقد تعمّد الرئيس عون الجمع بين القضيتين، ليس فقط من باب تسليط الضوء على المسألة في بعدها الجيوسياسي بل أيضاً من باب تحميل المجتمع الدولي مسؤولية حل هاتين القضيتين، ولا سيما الدول التي تمنع هذا الحل على حساب لبنان ولمصلحة "إسرائيل" والمشروع التكفيري المستجدّ، والذي يصب بالنتيجة في المصلحة الإسرائيلية، وهو ما دفع الرئيس عون للتحذير من أن "الظلم يولد الانفجار، وانتفاء العدالة والكيل بمكيالين يولدان شعوراً بالنقمة ويغذّيان كل نزعات التطرّف وما تستولده من عنف وإرهاب"، وبالتالي فإن المجتمع الدولي بسياسته الحالية المتّبعة بات مسؤولاً عن أي مظهر من مظاهر العنف والإرهاب في المنطقة.
لبنان القوي
لم يقف الرئيس عون ليتباكى على منبر الأمم المتحدة كما بعض الرؤساء أو الملوك العرب، ولم يمدّ يده استعطافاً أو استجداءً لما يسمّى "السلام" وفق المفهوم الأمريكي، بل أعلن وبكل ثقة قوة لبنان وقدرته على المواجهة، بدءاً من دحر الاحتلال الإسرائيلي ووضع حد لاعتداءاته المباشرة، والقضاء "على تجمعات الإرهابيين في الجرود الشرقية والشمالية وتفكيك خلاياهم النائمة، وإرساء العمل المؤسساتي بما يكفل إجراء الانتخابات النيابية "وفق قانون يعتمد النسبية للمرة الأولى في تاريخه مما أنتج تمثيلاً أكثر عدالة لجميع مكوّنات المجتمع اللبناني"، وهي إنجازات لم تعتمد أبداً ولا بأي نسبة أو شكل من أشكال على أي قرار أو دعم دولي، لا بل جاءت في الاتجاه المعاكس للإرادة الدولية ومعها بعض العرب، بحيث كان الهدف إبقاء لبنان في دوامة عدم الاستقرار، وإضعاف مقوّمات صموده واستمراره، واستطاع لبنان مرة جديدة أن يثبت قدرته على تجاوز الرهانات الصعبة.
حزب الله يحرّر الأرض
ما لم يقله الرئيس عون بشكل مباشر في كلمته المركّزة في الأمم المتحدة، تحدّث به بكل وضوح في مقابلته مع صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، ولئن أعاد تكرار موقفه بشأن الوضع الداخلي في لبنان إلا أنه لم يوارب في كلامه عن حزب الله والمقاومة، وكان واضحاً في الإشارة إلى أن هناك البعض من الأطراف الداخلية "يعمل على تصفية حساباته مع الحزب، خصوصاً بعد أن نجح في مواجهة الضغوط الدولية ضده، وأسقط الحسابات الإسرائيلية بدءاً من تموز عام 1993 ونيسان 1996 وبصورة خاصة في تموز من العام 2006"، ولم يفت الرئيس عون التأكيد على أن حزب الله لا يقوم بأي دور عسكري في الداخل اللبناني، بل كان يدافع عن الأراضي اللبناني في مواجهة الإرهابيين، وهي مواجهة مشرّفة خاضها أيضاً الجيش اللبناني لتنظيف الأرض اللبنانية من التواجد التكفيري في عملية "فجر الجرود"، وهو ما يؤكد التلاحم بين الجيش والمقاومة وليس العكس.
حزب الله يمثل الشعب
الموقف العادل والمتوازن الذي أطلقه الرئيس عون يعبّر عن قناعة راسخة بمعادلة الردع التي بات لبنان يمتاز بها، وقوامها الشعب والجيش والمقاومة، لا سيما في إشارته إلى أن "القاعدة الشعبية لحزب الله تشكّل أكثر من ثلث الشعب اللبناني"، وبالتالي فهو يقول للمجتمع الدولي إن هذا الحزب ليس جسماً طارئاً بل هو مكوّن أساسي في النسيج الوطني من جهة، ويعبّر عن موقف الشعب من جهة ثانية، ولا يحاول - كغيره من بعض الأطراف اللبنانية - أن يفرض أجندة خارجية سواء أكانت أجندة عربية أو غير عربية معادية للبنان وتدعم "إسرائيل"، والأجندة الوحيدة التي يلتزم بها هو حماية لبنان من أي اعتداء، على قاعدة الحق في الدفاع عن النفس بشتى السبل والوسائل المتاحة وهو ما يكفله الدستور اللبناني بكل وضوح.