ارشيف من :مقالات

’مكافحة الفساد’ برفع ’السرية المصرفية’

’مكافحة الفساد’ برفع ’السرية المصرفية’

الحديث عن "مكافحة الفساد".. بلا شك نتحدّث عن مهمة شاقة لا تنتهي عند حد معيّن، خصوصاً في بلد كلبنان. فلا نبالغ لدى قولنا بأنه لا يكاد يخلو قطاع من ظاهرة الفساد. للأخيرة، أوجه متعدّدة. فقد يأتي الفساد على هيئة "إثراء غير مشروع". كأن ينام الوزير أو النائب أو أي شخص يشغل مناصب تمس الشأن العام، ينام على ممتلكات معينة ويستفيق على ثروات طائلة. وكل ذلك، بلا محاسبة، أو بلا حتى توجيه سؤال بديهي وطبيعي من الهيئات الرقابية تسأل الشخص موضع الشك "من أين لك هذا؟". 

كثيراً ما نسمع عن نواب ووزراء وغيرهم ممن يقومون بخدمة عامة قدّموا تصريحاً عن أموالهم أمام المجلس الدستوري أو أحد الجهات المعنية بإيداع التصاريح. التصريح المذكور يقدّم ضمن غلاف سري محكم الإغلاق وموقع. وفيه، كامل ذمة المصرّح المالية بما فيها الأموال المنقولة وغير المنقولة التي يملكها هو وزوجه وأولاده القاصرون. هذه المهمة تعد واجباً دستورياً، يقوم به الشخص المعني، فور توليه المنصب، وبعد الانتهاء منه. والهدف يكمن في مقارنة ثروة المصرّح، ما قبل الوظيفة وما بعدها. أما الغاية، فتكمن في معرفة ما اذا كان هناك تضخم في هذه الثروة، يفتح الطريق أمام المساءلة والمحاسبة. لكن للأسف، آلاف المغلفات تنام في الأدراج، ولا تزال على حالها، محكمة الاغلاق. مصادر رفيعة تكشف لـ "العهد" عن ما يقرب من 14 الف تصريح مودعين لدى المصرف المركزي لم يجرِ مسّهم حتى... تُلقي المصادر لومها على الاليات المعتمدة للرقابة على متولي الشأن العام والمناصب الادارية العليا، والتي للأسف غير مفعلة. 

ولدى مقاربة هذا الملف سرعان ما يجري مواجهتنا بقانون "السرية المصرفية". القانون الذي جرى إدراجه في الثالث من أيلول/ سبتمبر 1956 والذي يوجب كتمان السر المصرفي لمصلحة الزبائن، ويحرم كشف الحساب المصرفي لهم. وبطبيعة الحال، فإنّ الوزراء والنواب وممن يتولون وظيفة عامة هم أحد هؤلاء الزبائن، الذين يمنع الإطلاع على حساباتهم بحكم القانون. مصادر سياسية تبدي انزعاجها من التمسك بشماعة هذا القانون، الذي يمهّد الطريق أمام القيام بتجاوزات. تطالب المصادر بضرورة اقتراح مشروع قانون ترفع فيه السرية المصرفية عن الوزراء والنواب وكل شخصية تتولى الشأن العام والفئات الادارية العليا. وهنا يبرز السؤال، هل سترفع هذه السرية أمام الجهات الرقابية فقط أو أمام الرأي العام؟. تشدد المصادر على ضرورة الفصل بين استعمال المعلومات لغايات رقابية أو للتشهير بطريقة أو بأخرى. الهدف الأول والأخير برأيها، يجب أن يكون في سياق الحفاظ على المال العام. 

يمين: محاربة الفساد تبدأ من محاربة الثروات المشبوهة

الخبير الدستوري عادل يمين​يرى أنّ رفع السرية المصرفية يعد ضرورة من ضرورات مكافحة الفساد. فمحاربة الفساد تبدأ من محاربة الثروات المشبوهة، والأموال مجهولة المصدر. يأسف يمين للواقع السائد في البلد. آلاف التصريحات مغلّفة، وتستمر على هذه الحال لعقود، اللهم إلا اذا أقيمت دعوى فساد وصدر قرار من القضاء المختص الجزائي، يطلب بموجبه رفع السرية المصرفية. وفق معلومات يمين، لم يجرِ فتحُ أي مغلّف. الحسابات السياسية والتوازنات الطائفية حالت دون ذلك. وهنا يلفت يمين، الى أنّ الحصانة التي يتمتع بها بعض النافذين كالوزراء والنواب تمنع اقامة دعاوى فساد قبل اسقاطها، ما يُعقّد الأمور، ويغطي الفساد. يشدد المتحدث على ضرورة أن يكشف كل من يتولى وظيفة عامة أو مراكز تتعلق بالشأن العام، عن حساباته المصرفية، تمهيداً للمساءلة والمحاسبة.

 

’مكافحة الفساد’ برفع ’السرية المصرفية’

 

لا ينكر الخبير الدستوري أنّ لقانون "السرية المصرفية" فوائده على الاقتصاد، ودوره في تعزيز ملاءة المصارف، وتعزيز حركة الايداعات في لبنان. لكنه يشدد على ضرورة تعديل القوانين الموجودة، بحيث تُجيز رفع "السرية المصرفية" على كل من يتولى الشأن العام. القوانين الحالية، برأيه تضع قيوداً وضوابط على المساءلة حتى أمام القضاء، وعليه، فإن على المعنيين تعديل القانون وجعل الآليات الرقابية أكثر مرونة للحد من الفساد، ومحاربته. المفروض برأيه الرجوع الى التصاريح قبل استلام المنصب وبعده، ومقارنة ثروته بالرواتب التي يتقاضاها، وما اذا كان لديه عمل آخر، يدر عليه أموالاً، وهنا تسهل العملية على الهيئات الرقابية  ـ بحسب يمين ـ، إذ يصبح بالامكان، إجراء مقارنة، ولو غير دقيقة مئة بالمئة، ولكنها تُبين ما اذا كان هناك ثراء فاحش وفي غير محله، يستوجب المساءلة والمحاسبة بلا تردد".

فمتى سيأتي دور تعديل قانون السرية المصرفية لتفعّل مكافحة الفساد كما يجب؟
 

2018-10-01