ارشيف من :آراء وتحليلات

ترامب ونتنياهو يهربان الى حافة الهاوية

 ترامب ونتنياهو يهربان الى حافة الهاوية

يكاد المراقبون يجمعون على أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو يواجهان مشكلات داخلية تهدد المستقبل السياسي لكل منهما:

ـ الاول بسبب اتهامات بعدم نزاهة الانتخابات التي جاءت به الى الرئاسة، والدعاوى القائمة بينه وبين بعض اعوانه السابقين، والاتهامات بالتحرش الجنسي.

ـ الثاني بسبب الفساد وتلقي الرشاوى، واستغلال المنصب الرسمي لاهداف ومصالح شخصية.

وعلى هذه الخلفية يواجه الرئيس ترامب استحقاق الانتخابات النصفية الاميركية لمجلسي الكونغرس والسيناتورات في تشرين الثاني المقبل. وهو على غير ثقة بأنه سيكسب هذه الانتخابات. واذا خسرها فستصبح مسألة اقالته أو استقالته من الرئاسة مسألة ملحة.

وكأنما في اتفاق خطي وتفصيلي مسبق، تعمد هذان القطبان تصدير ازمتهما الداخلية الى الخارج، وافتعال وتسعير الازمات الخارجية والهروب الى الامام ووضع العالم على حافة حروب اقليمية وحتى خطر حرب عالمية ثالثة. ووقف الزعيمان الغانغستري الاميركي واليهودي يتناوبان على عزف سيمفونية واحدة تقول: ان روسيا تريد ابتلاع سوريا والشرق الاوسط، وان الصين تريد ضرب اميركا بالقنابل النووية، وان ايران تصنع القنبلة النووية، ونتنياهو يحمل الماسورة ويقيس بالسنتيمتر طول وعرض المستودعات النووية الايرانية، وان "انصار الله" والحوثيين والحكومة والجيش الوطنيين اليمنيين في صنعاء اصبحوا ادوات ايرانية، وان العراق وسوريا اصبحا قاعدتين وممرا للصواريخ والاسلحة الايرانية الى لبنان، وان مطار بيروت الدولي تحول من مطار مدني الى قاعدة صاروخية لحزب الله مهمتها تدمير "اسرائيل" وابادة "شعب الله المختار" (والعياذ بالله!). ولولا بقية من حياء امام ميلانيا وايفانكا لانتحب ترامب وولول، ولبكى نتنياهو وناح، وشنف آذان السامعين ببعض مراثي "مزامير داود".

الى اين تريد اميركا و"اسرائيل" ان تأخذا الشرق الاوسط والعالم بهذه المساخر المضحكة ـ المبكية؟

اذا كان ترامب ونتنياهو يريدان تصدير ازمتهما الداخلية الى الخارج فعلينا ان نلقي نظرة على مسار السياسة الخارجية الاميركية والاسرائيلية في السنوات القليلة الماضية، ونتأكد ان هذه السياسة تسير من فشل الى فشل:

اولا ـ عملت الدولة الاميركية بقضها وقضيضها، بالاشتراك مع "اسرائيل" وتركيا والسعودية وزعانفها الخليجية والمعارضة السورية وغيرها من المعارضات العربية العميلة، ـ عملوا سنوات طويلة لاجل تغيير خريطة الشرق الاوسط، وحشدوا جيوشهم واتوا بعشرات الاف المقاتلين الوهابيين و"القاعديين" الشيشانيين والداغستانيين والقرغيزيين والتتارستانيين والاويغور الصينيين لاجل تفجير الاوضاع في ما سمي "الربيع العربي" وتشكيل "خلافة داعشية" ـ عثمانية جديدة تتحالف علنا مع اميركا و"اسرائيل" وتركيا والسعودية من اجل السيطرة عل النفط والغاز المتوقع استخراجه في شرقي المتوسط. ولكن هذه المؤامرة العالمية الكبرى، التي كلفت الاف مليارات الدولارات، اصطدمت بمعسكر المقاومة والممانعة الممتد من موسكو الى جنوب لبنان، وسقطت سقوطا مريعا وهي الان تحشرج وتلفظ انفاسها الاخيرة.

ثانيا ـ شنت اميركا وتشن حربا شعواء، اعلاميا وعسكريا وسياسيا وعقوباتيا وجمركيا وتجاريا وماليا، ضد روسيا والصين. ولكن الدولتين الشرقيتين العظميين لا تقعان في الاستفزازات، وتردان على التحديات بالحد الادنى الملائم، وتتابعان تطبيق استراتيجيتهما الهادئة والرصينة، على كل الصعد، وتنظران الى اميركا كجرو تافه مذعور ينبح بأعلى صوته ضد دب وتنين، وتنظران الى دونالد ترامب كبهلوان معتوه يحتاج الى مصحة عقلية.

المملكة السعودية الوهابية ارتعدت فرائصها هلعا من التحرك الثوري في الجمهورية اليمنية وبروز حركة "انصار الله"

ثالثا ـ ان المملكة السعودية الوهابية ارتعدت فرائصها هلعا من التحرك الثوري في الجمهورية اليمنية وبروز حركة "انصار الله" التي ترفع شعار "الموت لاميركا ـ الموت لاسرائيل". وقد حصلت اميركا على مئات وآلاف مليارات الدولارات من اجل تسليح السعودية وزعانفها الخليجية ودعم الحرب الظالمة التي تشن ضد الشعب اليمني البطل لابادته بالجوع والكوليرا والامراض الناتجة عن فقدان الغذاء والدواء والماء الصالح للشرب. ولكن بالرغم من الاسلحة الاميركية الفتاكة والمتطورة، والحصار الخانق، والسادية الوهابية الوحشية، وبالرغم من مرور اربع سنوات على العدوان الظالم وعدم توازن القوى بالمعنى العسكري البسيط، فإن الثوار اليمنيين الاشاوس، وقياداتهم المتفانية والحكيمة ـ الجياع ونصف العراة ـ يتصدون ببسالة منقطعة النظير للعدوان السعودي ـ الاميركي، وقد بدأوا باستخدام الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، والانتقال من طور الدفاع الاستراتيجي الى طور الهجوم الاستراتيجي. ويقول قائل: اذا كانت الاستراتيجية الاميركية تفشل هذا الفشل الذريع بمواجهة فقراء وجياع اليمن، فماذا سيحدث لاميركا واين سيهرب ترامب والترامبيون، بوش والبوشيون، واضرابهم، اذا يوما ما ـ وبمعزل عن السلاح النووي ـ واجهت اميركا انزالا جويا وبحريا كثيفا، روسيا وصينيا، لتحرير اميركا بالقبضة والخنجر والبندقية؟!  
 
رابعا ـ خلافا لجميع القوانين والاعراف الدولية اخرج ترامب اميركا من الاتفاقية النووية مع ايران، وجدد العقوبات ضدها وفرض عقوبات جديدة. وكان في ظنه ان دول اوروبا الغربية الموقعة على الاتفاق ستسير في ركابه ويتم عزل ايران وروسيا والصين. ولكن الذي حدث هو العكس، اذ رفضت اوروبا الغربية الخروج من الاتفاقية مع ايران، واميركا هي التي وقعت في العزلة. وفي الوقت نفسه نظمت المخابرات الاميركية والاسرائيلية العملية الارهابية ضد الحرس الثوري الايراني في الاهواز، وكان يراد لها ان تكون بمثابة شرارة لـ"ربيع ايراني" على غرار "الربيع العربي". ولكن الجماهير الشعبية في الاهواز كما في كل ايران، واجهت بحزم هذه المؤامرة للطابور الخامس، ورد الحرس الثوري الايراني على ذلك بأسر سفينة "مجهولة!" في الخليج كانت تحمل شحنة اسلحة اميركية لتسليمها الى الطابور الخامس في ايران. كما قصف الحرس الثوري بالصواريخ الباليستية قواعد لداعش في الشمال السوري شرقي الفرات، وعبرت الصواريخ الاجواء العراقية ومرت فوق رؤوس القوات الاميركية في شمال سوريا، ووقف الاميركيون يتفرجون كيف تُقصف حليفتهم "داعش". وبهذه المناسبة لوحظ ان القوات الانفصالية الكردية في شرقي الفرات اخفت الاعلام الانفصالية الكردية ورفعت بدلا عنها الاعلام الاميركية بكثافة. ولم يبق سوى أن يعمد الاميركيون الى رفع الاعلام الانفصالية الكردية ولكنه لن يكون لديهم الوقت الكافي لتعلم اللغة الكردية.

خامسا ـ يوجد في كيان العدو أكثر من مليون يهودي روسي (سوفياتي سابقا) سبق لزمرة بريجنيف ثم زمرة غورباتشوف ان باعوهم لـ"اسرائيل" وقبضوا عليهم من اميركا. والقيادة الروسية الحالية لا تزال تعتقد ـ عن صح او عن خطأ ـ ان اليهود الروس في "اسرائيل" هم مواطنون روس. وهي تساير "اسرائيل" في مسألة الامن القومي الاسرائيلي حرصا على سلامة اليهود الروس. ولكن القيادة الاسرائيلية، بنتنياهو وبدونه، تقابل بكل جحود وتبتز هذا الموقف الانساني للقيادة الروسية. وقد ظهر ذلك بجلاء منقطع النظير في تدبير جريمة اسقاط طائرة الاستطلاع الروسية في منتصف الشهر الفائت وقتل 15 ضابط مخابرات روسي، مما يدل على ان "اسرائيل" لا تحرص على حياة العسكريين الروس الذين يقاتلون الارهابيين في سوريا. وقد ردت روسيا على هذه الجريمة بتزويد سوريا بمنظومة صواريخ S-300 المتطورة، وبأجهزة تكنولوجية متطورة خاصة بالحرب الالكترونية. وهو ما سيجبر "اسرائيل" على اعادة النظر في كل استراتيجيتها الحربية واعادة تنظيم جيشها من الصفر.
 
قدمنا هذه الأمثلة الفاشلة للاستراتيجيتين الاميركية والاسرائيلية لنقول: إن العالم هو شيء وترامب ونتنياهو واضرابهما من المسعورين والمهووسين هم شيء آخر تماما، وأمثال هؤلاء لن يستطيعوا أخذ العالم الى حيث يريدون ولا يريد العالم. فهتلر قد مات من وقت طويل.
اما في ما يخص روسيا والصين وايران ومحور المقاومة العربي فهم يعملون بهدوء وروية وثبات ما ينبغي ان يُعمل ولسان حالهم يقول:
القافلة تسير.. دعوا الكلاب تنبح!

 

 

2018-10-05