ارشيف من :نقاط على الحروف
التطاول على ’أبو أحمد’.. شهادة من نواقص العقول والوطنية
عرفته بقامته الممشوقة كرمح بعلبكي يستوى مع اعمدة القلعة الصامدة بوجه الريح. كنت صغيراً أدلف من أمام حديقة عمارته باتجاه مطابع "النهار" لأحصل على حصتي اليومية من المطبوعات أيام الاجتياح الإسرائيلي لبيروت.
أنيق الكلمة والهندام، لطيف المعشر، خفيف الظل، قاطعٌ كحد السيف في مواقفه لا سيما مع المقاومة والمقاومين.
متواضعٌ كالعدل أمام المظلوم، خاض غمار الحبر والكلمات في زمن عز فيه الشجاع. حمل القضية الفلسطينية والعروبة الحقّة بشرف النبلاء.
لم يساوم، رغم التهديد والعبوة التي تركت آثارها على جسده النحيل. كان المقاتل بالكلمة، صاحب "السفير" وناشرها.لم يتزلف لحاقد أو مجرم أو شرير. يقول كلمته ويمشي، كـ"نسمة" الذي لم تُعرف له مهنة إلا الحب.
أسس جريدته على صورته، واختار لها الأمهر والأجدر. لن ندخل في التعداد كي لا ننسى أحداً.
ما زال يكتب هواه على صفحته، ولا يوارب رغم ضعف الإمكانات. حاول الصمود حتى آخر طبعة، واتخذ قرار الشجعان بالتوقف عن الصدور.
بالأمس حاول أحدهم التطاول عليه لمقالة كتبها بحبر قلبه قبل حروف لوحة المفاتيح، فقط وفقط لأنه قال كلمة حق في وجه مجرم جائر.
ظنوا أن الصراخ يسكته، وهو الذي اعتاد على مواجهة الأهوال بهدوء سهل البقاع، وانسياب مياه العاصي.
هو طلال سلمان، تجده على يمين المقاومة حين تبحث عن الموقف، وخلفها وقت الشدة، وأمامها عند النصيحة.
هو الوطني حد الثمالة. كتب من خزانة أسراره بعضاً من حوار دار بين الراحل المبدع جوزيف سماحة وسمير جعجع، فأطلقت عليه سهام السوء وابل حقد، وبغض.
الإعلام الحربي الأميركي، وأبواق جوقة العازفين على وتر الكراهية لم ترق لهم مقالته، وكأن الشمس يمكن أن تُستر خلف غربال.
كتب "أبو أحمد" بعض الرواية، وهذا البعض معروف حد البداهة من قبَل الضحايا وعوائلهم، وتشهد عليه آثار الفؤوس والبلطات والسكاكين المحفورة عميقاً في الذاكرة.
لم تصمت "السفير" إن ظن البعض انها توقفت عن البوح، وهي السلافة في كأس عنفوانها.
صاحب "السفير" وعصفورة الشجن البرتقالية هم صوت الذين لا صوت لهم.
أما بوم "الشؤم" فمهما طال نعيقه سيبقى "نغلاً" يضيع الوطن والهوية.
لست وحدك "أبا أحمد"، "خلي السلاح صاحي".