أزمة دبلوماسية جديدة تلوح في افق العلاقات التركية السعودية على خلفية اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
في مشهد مكرر تحولت فيه هذه المرة القنصلية السعودية في اسطنبول إلى نموذج مصغر لمعتقل "ريتز كارلتون" الشهير في الرياض، بعد ان توسعت سياسة الخطف التي بدأت تنتهجها سلطات بني سعود، حتى طالت شخصيات سعودية من الأثرياء، بات يظن ملوك الرمال، ان يد السلطة تصل معارضيها المباشرين الواضحين، او حتى من يخالفها بقرار او فكرة ورؤية، ولم يسلم من هذه السياسة حتى الامراء، وتطور الامر لاختطاف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري.
هذا كله يستدعي الابتعاد عن الذهول، أمام قضية اختفاء جمال خاشقجي، الذي يعتبر من أهم المنظرين السعوديين للحرب على سوريا، والتسويق للتطبيع مع الكيان الاسرائيلي، ومن أهم الشخصيات التي تبنت فكر "داعش" في سوريا والعراق. بقي الخاشفجي يدافع حتى جاءت "داعش" من المنبع الاصلي وقتلته، وهذا يؤكد الارتباط الفكري والخط الهيكلي لبناء الدولة في نجد والحجاز، مع الفكر الداعشي، فيكفي في السعودية ان تبوح بوجهة نظر مخالفة لملوك الرمال، حتى تقتل وتعذب وتخطف، وحتى لو كنت من ابواقهم، فهذا النهج ذاته تستخدمه "داعش" و"القاعدة" و"جبهة النصرة"، التي لا تتحمل من ابنائها انتقاد اي فكرة او فعل.
بالنتيجة، ان ما حدث هو تصفية حسابات داخلية، بين قادة الفكر التكفيري في العالم وأحد الابواق الصادحة باسمه. لكن ما الذي يجب ان نتوقف عنده حقا هي تلك الضجة المفتعلة حول اختطاف الخاشقجي او مقتله، اذا ان سياسة الخطف السعودية ليست بحديثة، بل طالت ابناء المملكة والامراء، وحتى مواطنين من دول اخرى، وهذا ما يؤكد للشارع ان "داعش" التي تقتل من يخالفها، هي ذاتها السعودية التي تختطف وتقتل من يخالفها، فقبل سنوات سلمت السلطات التابعة لبني سعود، والتي لا تلتزم بعهد او ميثاق كما "داعش"، سياسيين ليبيين قدموا للمملكة لأداء مناسك العمرة إلى قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وصولا إلى احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر2017 وإجباره على تقديم استقالته، قبل أن يضغط لبنان وتتدخل فرنسا وبعض الدول لاطلاق سراحه.
اما الحكاية التي تعيدنا الى العصور الوسطى، وعهد قطاع الطرق في الجزيرة العربية، فهي ما قامت به المخابرات السعودية، تجاه معارضيها من امراء البلاط الحاكم، او شخصيات من رجال الدين والمثقفين. ففي عام 2016 خطفت السلطات الأمير السعودي سلطان بن تركي المعارض للسلطة الحاكمة، بعد إجباره على عدم الهبوط في مطار القاهرة مثلما كان متوقعًا بعيد وصوله من سويسرا، لتقتاده طائرة تحمل العلم السعودي إلى الرياض قسريًا، حيث اختفى بعدها. كما كانت هناك بين عامي 2005 و2016 عمليات اختطاف ممنهجة لأمراء سعوديين معارضين وناشطين سياسيين معارضين للنظام الحاكم في السعودية، كان أبرزهم الأمير تركي بن بندر والأمير السعودي سعود بن سيف النصر آل سعود وآخرهم الأمير سلطان بن تركي العام الماضي، والأخير تعرض بالفعل لمحاولة اختطاف سابقة عام 2003. اما قصة نواف بن طلال الرشيد والذي سلمته الكويت للسعودية واختفى بعدها، اثر زيارته للكويت بدعوة من الشاعر عبد الكريم الجباري، ونواف الرشيد هو ابن الشاعر الشهير طلال الرشيد الذي قتل في ظروف غامضة في الجزائر أواخر عام 2003.
واذا عرجنا على المعارضة الداخلية والخارجية، فالقصص كثيرة، ولا يمكن حصرها، لكن أهمها قصة محمد المفرح المعارض السعودي البارز الذي تم اغتياله في اسطنبول، وهو رجل أعمال و معارض سياسي سعودي و أحد مؤسسي حزب الأمة الإسلام، ولا ننسى قصة وجدي الغزاوي، الذي استدرج للمملكة بعد ضمانات بعدم التعرض له ثم اختفى…
واللائحة تطول.. لكن يبقى أن من شب على شيء شاب عليه.