ارشيف من :آراء وتحليلات

إذلال السعودية عنوان انتخابي - مالي لترامب.. وابن سلمان يخضع

إذلال السعودية عنوان انتخابي - مالي لترامب.. وابن سلمان يخضع

في آذار من العام 2016 كانت حمأة الحملات الانتخابية لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في أوجها.. يومذاك شنّ دونالد ترامب المرشّح عن الحزب الجمهوري حملة شعواء على السعودية، وقال في حوار مع نيويورك تايمز: "إذا أرادت الرياض أن نستمر في شراء النفط، فعليها أن ترسل قوات لمحاربة تنظيم داعش أو أن تدفع للقوات الأمريكية الأموال لمحاربة التنظيم". من هنا بدأت حملة "ادفعوا" التي رافقت ترامب حتى ما بعد انتخابه رئيسًا، وتحوّلت إلى عنوان لسياسته الخارجية التي خاطب بها دول العالم أجمع، والسعودية ودول الخليج على وجه الخصوص، "فالسعودية بقرة تُدر ذهبًا ودولارات، كبديل عن الحماية الأمريكية داخليًّا وخارجيًّا، وعن استمرار آل سعود في الحكم، ومتى جفّ ضرع هذه البقرة ولم تعد تعطي الذهب والدولارات فسنذبحها أو نساعد مجموعة أخرى على ذبحها".

 

ادفعوا أو لن تبقوا

اليوم يجدّد ترامب حملة "ادفعوا" مع رفع سقف الإذلال الموجّه للسعودية وحكّامها، ولم يتوانَ هذا الرجل، المثير للانتقادات بسبب عنجهيته وأسلوب خطابه التهكّمي، أن يجعل من السعودية مادة للسخرية والضحك والابتزاز المباشر، ويوظّف ذلك في انتخابات الكونغرس الفصلية، باعتبار أن هذا الأسلوب ساهم في إيصاله إلى سدة الرئاسة وقد يساهم مرة أخرى في رفع أسهم حزبه المتراجعة داخليًا؛ فتناول، في خطابه أمام تجمّع انتخابي للجمهوريين في ساوثهافن بولاية مسيسيبي، رأس السلطة السعودية الملك سلمان، قائلًا: "أنا أحب الملك سلمان، ولكنني قلت له: نحن نحميكم.. قد لا تبقى هناك أسبوعين بدوننا.. يجب أن تدفع تكاليف جيشك"، وسبق هذا الخطاب تصريحات مشابهة في تجمّعين آخرين في ولايتي مينيسوتا وويست فيرجينيا، حيث كرّر قوله: "إنك تمتلك تريليونات من الدولارات، والله وحده يعلم ماذا سيحدث للمملكة في حالة تعرّضت لهجوم.. ربما لن تكون قادرًا على الإحتفاظ بطائراتك، لأن السعودية ستتعرّض للهجوم، لكن معنا أنتم في أمان تام".

المضحك المبكي أن الإهانات المذلَّة التي وجهّها ترامب إلى السعودية قوبلت بردّ هزيل من قبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان

تخويف أو تهديد؟

هذه التصريحات "غير الدبلوماسية" لا تقف في حقيقة الأمر فقط عند حدود الابتزاز أو الخطاب الانتخابي لترامب، ولا تتعلّق بتزامنها مع مطالبة الرئيس الأمريكي للسعودية بتوفير النفط لإعادة التوازن إلى السوق الدولية، بسبب النقص الحاصل الذي كانت تؤمنه إيران نتيجة الحصار الأمريكي - الغربي عليها فحسب، بل هي تهديد مباشر للسعودية، وفيها إشارة مباشرة إلى ما يقرب من حتمية تعرّضها لهجوم، وهو أسلوب اعتاد الغرب استخدامه لتخويف العرب كمبرّر لعقد الصفقات الباهظة لتزويدهم بالسلاح، والعدو بالنسبة للسعودية وبعض دول الخليج اليوم هي إيران، فإلام يؤشر كلام ترامب عن مسألة الهجوم وتأمين الحماية؟ وهل هو مجرد خطاب للاستهلاك الانتخابي لتبرير "الخوّة" التي يفرضها على الرياض لدفعها؟ أم أنه أسلوب جديد مع تعديل في الصياغة والمستوى تلافيًا للوقوع في اجترار التصريحات وتكرار المواقف؟

السعودية تريد الحرب

إن التجارب السابقة مع السياسة السعودية، والتي كشفتها الوقائع والحقائق، تؤكد أن الرياض والدول التي تسير في الفلك الأمريكي انتقلت من مرحلة التخويف إلى مرحلة الطلب، بمعنى أن سياسة "الغموض السلبي" الذي كانت تعتمده "إسرائيل" في مواجهة العرب تحت عنوان امتلاك السلاح النووي قد انتهى اليوم، فها هي هذه الدول تتحيّن الفرصة للإعلان عن بيع فلسطين المحتلّة والاعتراف بالكيان الصهيوني. وها هي إيران أصبحت هي العدو، ولم يختلف العداء لها من قبل السعودية عمّا قبل، فقد كانت بريطانيا تخوّف العرب من أطماع الشاه باجتياح بلادهم تحت راية الامبراطورية الفارسية، واليوم يتكرّر العنوان نفسه حتى مع حكم الإسلام في إيران، ولكن السعودية لم تعد بحاجة إلى من يدفعها لمعاداة إيران بل أصبحت هي التي تطالب واشنطن والغرب بإشعال الحرب، ولنا في لبنان سابقة في هذا المجال خلال عدوان نيسان عام 1996 بعد عقد ما يسمى مؤتمر "صناع السلام" في شرم الشيخ، وخلال عدوان تموز عام 2006 ومطالبة الرياض لأمريكا و"إسرائيل" باستمرار الحرب ضد لبنان وضرب حزب الله، فضلاً عن محاولاتها الدائبة لتخريب الاستقرار الداخلي، دون أن نغفل الجرائم التي ترتكبها وحليفتها الإمارات على أرض اليمن.

ابن سلمان يحب ترامب

لكن المضحك المبكي أن الإهانات المذلَّة التي وجهّها ترامب إلى السعودية قوبلت بردّ هزيل من قبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في حديثه إلى وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، الذي برّر الإهانات بأنها جاءت "من صديق أحبّه، وحقّقنا الكثير في الشرق الأوسط، خاصة ضد التطرّف والأيديولوجيات المتطرّفة والإرهاب وداعش والتحركات الإيرانية السلبية"، وعلى الرغم من أنه قال إن "السعودية تشتري كل شيء بالمال ولا تأخذ شيئاً بالمجّان وهي قادرة على الصمود بدون الولايات المتحدة"!!، إلا أنه أبدى استعدادًا أكبر للخضوع أمام الأوامر الأمريكية من خلال التأكيد على أن التوافق هو الآن بنسبة 99% مع ترامب بعكس سلفه أوباما، وفيما أبدى تفاخره بأنه استطاع استعادة أكثر من 35 مليار دولار من "معتقلي الريتز"، قال إنه أنشأ "اتفاقية كبرى بـ 400 مليار دولار من المشاريع والأسلحة وفرص الاستثمار الأخرى بين البلدين.. وإذا كان هناك أي نقص في الإمدادات من إيران سيتم توريد ذلك، وهذا ما نفذناه".. هذا النفط الذي قال ترامب إنه يريد أن يحصل عليه بالمجان لمدة عشر سنوات، ولا ننسى قانون "جاستا" الذي يقبع على رقاب حكام السعودية كسيف مالي مُسلَط سيأتي أوانه في الوقت المحدّد أمريكياً.

إيران: لنكن أقوياء ونوقف هذا الغرور

"أنا أحب السعوديين لأنهم كالمعاتيه يشترون العقارات التي أبنيها" هكذا يصف ترامب السعوديين، وهكذا يتعاطى معهم بالسياسة والمال والابتزاز الغالي، وفي المقابل يأتي التعليق الأقوى الذي يتضمّن رسالة استراتيجية واعية على لسان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، حيث اعتبر في تغريدة له أن ترامب يذلّ السعوديين مرارًا وتكرارًا، مخاطبًا السعودية: "نمدّ يدنا مرة أخرى إلى جيراننا.. دعونا نبني منطقة قوية، ونوقف هذا الغرور".

2018-10-09