ارشيف من :مقالات
’أم الشهداء’.. فارقتنا ولم تفارقنا
قد يحدث أحيانًا أن نجد أنفسنا عاجزين عن الكتابة، نسأل أنفسنا من أين نبدأ.. زحمة حروف وكلمات تمتزج معها البدايات بالنهايات. قد يحدث أحياناً أن لا نعثر على الكلمات المناسبة، فعظمة الموضوع تُسهم في تشتت الأفكار.. نكتب ثم نمحو ما كتبناه لعجز في التعبير، وضعف في الوصف. تماماً كما هو حالنا اليوم، في حضرة "أم عماد". والدة الشهداء الثلاثة التي فارقتنا بجسدها وما فارقتنا بإرثها. فكيف يمكن لبضعة أسطر في مقال أن تفي تلك المجاهدة حقها. أن تسرد تاريخًا ذهبيًّا مشرفًا كانت فيه الأم والأخت والمعلمة والمقاومة.
قلة قليلة عرفوا اسمها الحقيقي، آمنة سلامة. معظمنا جهله. عرفناها بكنيتها "أم عماد"، أم الشهداء. لا يعتب عليها مجلس مواساة لعائلة شهيد. فتجدها تحضر في الصف الأمامي تنهل من معين كربلاء وعبرها لتواسي أما مفجوعة بولدها. هنيئاً لك، من مثلك، اختارك الله لهذا الفخر. ما إن تصعد منبرًا حتى تصادف من يهمز ويلمز "كم هي جبارة تلك السيدة". قد تجد من يصفها بجبل الصبر. معالم وجهها وتجاعيد جبينها تترجم كفاحها اللامتناهي. فما بالك بسيدة قدّمت ثلاثة شهداء، وتتمنى لو أنّ لديها الرابع والخامس لتقدمهما!.. ما بالك بسيدة جعلت من بيتها المتواضع منزلاً للتبليغ، في وقت عزّ فيه الناصر والمعين!..
لا ينكر أحد أنّ "أم عماد" شكّلت حالة "خاصة" وشخصية عزّ نظيرها. استطاعت التوفيق بين عملها كسيدة مجتمع، ودورها كأم معطاء. لم تكتف باحتضان أبنائها، بل سعت لتربيتهم على قيم الإسلام حتى أثمرت شجرة العائلة شهداء. أكثر ما يلفتك في "أيقونة المقاومة" كما سماها البعض، النفس الطويل، وسعة الصدر. لا تكل ولا تمل من العمل داخل المنزل وخارجه. تراها سيدة بألف رجل. تملك من العنفوان ما لا يمكن وصفه. رحيل تلك السيدة، يفتح الباب أمام الغوص في شخصية تلك المرأة الاستثنائية. يكفي أن يكون لديها ثلاثة شهداء لنصفها بذلك. أمام شخصية تلك المرأة الفاضلة التي ودعتنا وما ودعتنا. رحلت أم عماد ويبقى إرثها مفخرة تتناقلها الأجيال وتنهل من معينها.