ارشيف من :آراء وتحليلات

معضلة النظام السعودي وطريق اللاعودة!

معضلة النظام السعودي وطريق اللاعودة!

محاكاة لوصف الكاتب العربي المصري الكبير الاستاذ محمد حسنين هيكل، عندما وصف الامام الخميني (قدس) بأنه "رصاصة انطلقت من القرون الوسطى لتستقر في قلب القرن العشرين"، يمكننا ان نصف النظام السعودي بأنه "سهم من الجاهلية انطلق ليستقر في قلب العصر الحديث".

ومع الفارق في التناول، حيث وصف هيكل الامام الخميني بهذا الوصف من قبيل الانبهار ومن قبيل الاعجاب، فاننا نصف هذا الوصف من قبيل التعجب والادانة.

فمهما وصلت الرجعية بالنظم لأحط درجاتها فانها تبقى داخل النظام الدولي وتعمل داخل اطاره، وكل ما في الأمر أنها تتحايل على أسسه وقوانينه.

بينما ممارسات النظام السعودي تشكل خروجاً سافراً عن النظام الدولي وانتهاكا صريحا ومعلنا بما يشكل إحراجا لهذا النظام، بل وفضحاً لحقيقته، وهي أنه أصبح نظاماً صورياً شكلياً يخفي وراءه جاهلية حقيقية ويتستر فقط بقيم وعناوين الحداثة!
أي عدوان هذا على شعب من الشعوب بأحدث الاسلحة دون مسوغ قانوني أو قرار دولي، كما يحدث باليمن؟!
وأي دعم للارهاب وشراء للمرتزقة وشراء للاسلحة بشكل غير شرعي لامداد المرتزقة به لتخريب دول ومجتمعات اخرى؟
وأي خطاب للكراهية والتكفير والتحريض على الدماء والقتل والتفجير وبشكل اعلامي معلن داخل نظام اعلامي دولي يسمح بهذه المنصات؟
أي ممارسات للخطف والاغتيال والاحتجاز لشخصيات ديبلوماسية وصحفية من المفترض أن لها حصانة قانونية ومعنوية مهما كان الخلاف معها؟

إن هكذا ممارسات تضع العالم بأسره أمام خيارين لا ثالث لهما:

الأول: قمع هذا النظام وايقافه عند حدود العصر الحديث الدنيا.
الثاني: التسليم والاعتراف بعدم وجود نظام دولي واننا في عالم تحكمه شريعة الغاب.

وكلا الخيارين هو كارثة ومعضلة لنظام سعودي أدمن في السنوات الأخيرة، على التحرر من أية قيود أخلاقية وقانونية، وتحديدا بعد خروج القوى العربية التقليدية وعلى رأسها مصر، من معادلة القوة والقيادة بالاقليم وارتضائها بالتبعية لقيادة السعودية للعرب.

والخيار الثاني، هو كارثة عالمية كبرى لأنه سيتيح الفرصة لاحتراب عالمي محرر من قيود القانون والأعراف التي تحمي من الانزلاق للأهواء البشرية الدموية والتي ميزت العصور الوسطى التي ينتمي اليها النظام السعودي روحاً وممارسة فعلية على الأرض.

ربما لا يعي النظام السعودي أن القانون الدولي هو الحامي له وهو الذي يقيد خصومه وليس ترامب ولا الحماية الامريكية، بل وربما لا يعي أيضاً أن أمريكا هي أكبر المستفيدين من وجود نظام دولي تستطيع من خلاله ممارسة الهيمنة دون كلفة مال وسلاح ودماء، حيث ارتضت المجتمعات والدول بنظام دولي معيب وغير عادل باعتباره أفضل من الفوضى، وأن انهيار هذا النظام الدولي وشرعيته القانونية وأعرافه سيكون خسارة كبرى على أمريكا والسعودية والكيان الاسرائيلي.

ولا يعي أيضا بذلك النظام السعودي أنه وفي اطار ممارساته الهادمة للقانون الدولي يشكل عبئا على القوى الاستعمارية وعلى رأسها امريكا، وان هذه القوى مهما بلغ استكبارها فإنها تعمل بقاعدة (عدو عاقل خير من صديق أحمق)، وبالتالي فإن التخلص من النظام بممارساته هذه سيكون مهمة امريكية قريبة وعاجلة!

إن نظاماً يعمل بروح الجاهلية والقوانين القبلية العنصرية في عصر حديث، لا بد وأن يعي أن حجم التناقضات لن تسمح له بالاستمرار وأنه سيبلغ الشيخوخة قبل المرور بمرحلة الشباب وأن ما نراه لهو صحوة الموت وشراستها وليس فتوة الشباب وقوته.

ربما لا تزال هناك رهانات على عودة النظام لرشده، وهناك مبادرات لاقامة الحجة عليه، ولكننا نراها من هذا المنظور فقط وهو استنزاف حجة الشرف والتعويل على بقايا عروبة وقيم، ولا نرى أنها ستحظى باستجابة لأن الصمام الضيق الفاصل بين العودة واللاعودة قد اجتازه النظام، وتم حشره في طريق اللاعودة، وليس أمامه الا المضي في طريق الهاوية.

هذا الصمام الضيق يمكن أن نؤرخ له بالتعامل الصريح المعلن (على غير العادة وخلافا للخفاء السابق) مع كيان العدو الاسرائيلي وحسم الامور بالانتماء العلني للمشروع الصهيو امريكي والالتحاق الرسمي بمشروع شيمون بيريز.

ان الانتقال من دور الخادم للأهداف والأجندة الصهيو - امريكية، الى دور الموظف الرسمي واستلام دور البطولة في هذا المشروع، هو ربط رسمي لمصير هذا النظام بمصير الصهاينة، وهو الزوال، مع فارق زمني مفاده أن الصهاينة سيظلون ربما الى اللحظات الأخيرة للدور الامريكي بالمنطقة، خلافا لطلائع المشروع والذين ستصطادهم أي من السهام حتى الطائش منها!

2018-10-10