ارشيف من :آراء وتحليلات

’داعش’ الى أين بعد سوريا والعراق؟

’داعش’ الى أين بعد سوريا والعراق؟

ما إن خبا "وهج" تنظيم "القاعدة" حتى صعد الى الواجهة تنظيم "داعش"، وما أن اقترب أفول "نجم" الأخير حتى ظهرت تنظيمات أخرى من أخوات "داعش" وأبناء "القاعدة"، في آسيا وافريقيا والشرق الاوسط وغيرها. هي أشبه بتسليم الراية من السلف للخلف، إن بتنسيق مسبق أو من غير تنسيق.

فحين أسس أبوبكر البغدادي تنظيم "داعش" كان يطمح بشكل أساسي ليكون وريث تنظيم "القاعدة" الأم خاصة مع الاهتزازات الكبيرة التي أصابت التنظيم بعد مقتل زعيمه اسامة بن لادن، والخلافات التي وقعت حول شخصية خليفته أيمن الظواهري. ومع هذا الافول الدراماتيكي للتنظيم طُرح السؤال المحوري المتعلق بكيف ومتى وأين ستظهر الجماعة التي ستخلف "داعش"؟ فهل يمكن أن يمثل فرع التنظيم في ليبيا أبرز المرشحين لخلافته؟

على الأرجح أن ما سيصيب "داعش" هو نفس ما أصاب "القاعدة" سابقاً، وأعني نمو الفروع على حساب المركز بعد سقوط "الخلافة" المزعومة. فكثرة الفروع المنتشرة في العالم توحي أنه لا يوجد نقص في المتنافسين ممن يمكن أن يحل محل "داعش".

مما لا شك فيه أن هناك الكثير من العوامل التي ترجح ظهور فرع جديد لـ"داعش"، بما في ذلك حالات الوهن النسبي التي تصيب قوات الأمن في المنطقة والتي يعمل فيها الإرهاب، لذا يصعب تمييز أي جهة فرعية يمكن أن تصبح التهديد التالي الرئيسي.

اذ أن قياس التهديد يتطلب فهمًا حقيقيًّا لقدرات الفروع التابعة لـ"داعش"، يضاف اليها مدى توفر الملاذ الآمن، فضلاً عن السهولة النسبية التي يمكن للجماعة تجديد مواردها بها.

لقد جاء تنظيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية بعد قرابة عقد من الزمن بعد طرد "القاعدة" من أفغانستان، وتشَكلت "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية بعد دمج شبكات "القاعدة" في السعودية واليمن عام 2009.

هكذا وبعد سنوات، ترقى زعيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية ناصر الوحيشي في المناصب وكان المرشح الأبرز لخلافة بن لادن لولا مسارعة الظواهري للهيمنة على التنظيم بدعم من الجناح المصري فيه، فيما قامت "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية باستخدام روابط الأعضاء مع قيادة تنظيم "القاعدة" كأداة تجنيد لإقناع "الجهاديين" للانضمام إلى صفوفها.

لقد استطاعت "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية إدارة العديد من الهجمات ضد شركات أهداف أميركية.

من الجوانب المهمة لنجاح "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية، هو التطور المستمر للدعاية "الجهادية" والتواصل الإعلامي، ويرجع ذلك إلى حدٍّ كبير إلى ظهور رجل الدين الأمريكي أنور العولقي - الذي قُتِل في 2011 في اليمن - والذي طور اتصالًا عالميًّا بينهم، ومنهم أحد أتباعه نضال حسن - طبيب نفسي بالجيش الأمريكي - كان يتواصل مع العولقي عبر البريد الإلكتروني منذ أكثر من عام قبل أن يبدأ في إطلاق النار، وقتل 13 شخصًا في فورت هود بولاية تكساس عام 2009. كما أن العديد من أبرز مرتكبي الهجمات على الأراضي الأمريكية - مثل قاذفات الماراثون في بوسطن ومهاجمو سان برناردينو وأحمد رحماني - الذين شنّوا هجمات في نيويورك ونيوجيرسي، استهلكوا كلهم دعاية "جهادية" تَمَيَّز بها العولقي.

اذ لا شك أن تنظيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية هو صاحب الامتياز الأكثر فعالية في تحقيق التوازن الفعال بين الأهداف المحلية والعالمية، ولطالما كان الجناح الأكثر فعالية، وهو ما يبرر مساعي "داعش" الحثيثة للدخول الى تلك الساحة. فـ"القاعدة" في شبه الجزيرة العربية تبقى حساسة تجاه القضايا التي تهم السكان المحليين - بما في ذلك التعقيدات القبلية اليمنية - ومن الواضح أنها كانت أكثر حساسية المتعلقة بالهويات القبلية المحلية، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى أن "القاعدة" قد تعلمت الدروس حول اعطاء الاهمية للهوية القومية.

ففي اليمن، حافظت "القاعدة" على علاقات لا بأس بها مع القبائل المحلية، وأبدوا مرونة ملحوظة في فرض الشريعة في المناطق التي يسيطرون عليها. كما تحافظ هذه الجماعة على علاقة وثيقة بشكل متزايد مع ما يسمى حركة الشباب في الصومال وقد عملت من قبل كمحاور بين الأطراف، بما في ذلك "حركة الشباب"، وتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي".

يمكن ان نستفيد مما تقدم للقول إن هذه العوامل  يمكن أن تساعد في فهم الظروف التي أدت إلى نجاح "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية والتي يمكن أن تمكّن "داعش" من الوصول إلى قدم المساواة بشكل خطير.

فعندما انتظمت "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية، تمكن التنظيم من استغلال اليمن في خضم حرب أهلية داخلية، ووفر لنفسه مساحات شاسعة من المناطق غير الخاضعة للدولة لتدريب وتنظيم وتنفيذ هجمات ضد الغرب.

يمكن النظر الى الساحة الليبية كساحة مشابهة للساحة اليمنية التي سهلت ظهور القاعدة في شبه الجزيرة العربية بين عامي 2009 و2015 من نواحٍ كثيرة.

من هنا فإن ﻟﯾﺑﯾﺎ قد تكون اﻟﻣﻼذ اﻷﮐﺛر ﺧطورة لتنظيم "داعش"، ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل اﻟﻘرﯾب، اذ أن المنطقة مغمورة بالأسلحة، وهي نقطة محورية ومفترق طرق لهذه الجماعات من جميع الأطياف، كما أن نقطة عبور من الجنوب نحو النيجر ونيجيريا والجزائر.

ورغم أن عدد المقاتلين المرتبطين بـ"داعش" في ليبيا يُعتقد أنه بالمئات، إلا أن فرع "داعش" الليبي مرتبط بعمليتين خارجيتين رئيسيتين، ونجح في حصر الهجمات على الأراضي الأوروبية، بما في ذلك هجوم سوق عيد الميلاد في برلين في أواخر عام 2016، والقصف المميت الذي وقع في مانشستر في عام 2017، كما أطلقت المجموعة هجمات إقليمية في باردو وسوسة بتونس.

والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن تنظيم داعش يحتفظ بكيانات متخصصة في ليبيا، بما في ذلك ما يُسمى "لواء الصحراء" و"مكتب الحدود والهجرة"، المسؤول عن العمليات الخارجية واللوجستيات والتوظيف.

ورغم كل ما تقدم، فان الارجح أن "داعش" لن يعمد الى اتخاذ ساحة مركزية له، بل سيركز في عمله على تنشيط الفروع مما يشتت أي نشاط لأي جهة تسعى لاستهدافه، وهو ما سميته سابقا باستراتيجية الاذرع المتعددة.

2018-10-11