ارشيف من :آراء وتحليلات

هل تتجه العلاقة الروسية - الاسرائيلية الى مزيد من التوتر؟

هل تتجه العلاقة الروسية - الاسرائيلية الى مزيد من التوتر؟

إذا اعتبرنا أن القرار الروسي الأخير بتزويد سوريا بمنظومة إس 300، هو المؤشر الأكثر تعبيراً عن الانزعاج الروسي من "اسرائيل"، كرد مباشر وعفوي وطبيعي على تسبب الأخيرة باسقاط الطائرة الروسية إيل 20 واستشهاد طاقمها، فأين يكمن تصنيف التصريح الروسي الرسمي الأخير، والذي جاء على لسان وزير خارجيتها لافروف، حول تذكير الجميع ومن ضمنهم "اسرائيل" طبعاً، بأنهم (الروس) ضد أي تغيير لوضعية الجولان السوري المحتل خارج موافقة الأمم المتحدة، أو بمعنى آخر، كأنهم يذكرون الجميع، و"اسرائيل" بالأساس، أن الأخيرة تحتل الجولان، وبالتالي لماذا السعي لتشريع هذا الاحتلال وتجاوز الامم المتحدة؟

 

 جاء التصريح الروسي صادماً لـ"إسرائيل" (استنادا لردود الفعل داخلها)، في وقت تسعى فيه جاهدة لايجاد ثغرة ما، تؤمنها لها الادارة الأميركية الحالية، تنفذ عبرها من خلال مناورة شبه دولية، لتشرّع احتلالها للجولان السوري وضمه الى غيره من الأراضي العربية التي تحتلها، وبذريعة أهميته الاستراتيجية لحماية أمنها ووجودها.

 

كان الروس سابقا يحاذرون التعليق على الاحتلال الاسرائيلي للجولان السوري، خاصة بعد تواجدهم العسكري في سوريا منذ حوالي ثلاث سنوات تقريباً، مبتعدين عن مقاربة الموضوع، لا سلبا ولا ايجابا، بالرغم من ارتباطه بالكثير من المواجهات العسكرية والدبلوماسية مؤخراً، والتي كانت تفترض مقاربة موضوع احتلاله من قبل "اسرائيل"، وعلاقة ذلك بتصويب الأخيرة الدائم على التواجد الايراني وتواجد حزب الله القريب منه، فهل يرتبط هذا التصريح الروسي الأخير حول الجولان المحتل بمسلسل الردود على اسقاط الـ ( إيل 20)، أم يعبّر عن استراتيجية روسية جديدة؟
 
بعد أن أكدت روسيا تواجدها في سوريا والشرق بشكل واضح وقوي، يمكن القول انها، حافظت في ملفات معينة على عناصر استرتيجيتها الاساسية، وفي ملفات أخرى، إضطرت الى إدخال أو تغيير عناصر أخرى فرضها الميدان والواقع، وذلك بعد الاحتكاك المباشر على الأرض مع أطراف فاعلة وأساسية ومؤثرة في المنطقة، ومنها العدو الاسرائيلي.

بالرغم من العلاقة الجيدة أساساً بين روسيا و"اسرائيل"، ديبلوماسياً واجتماعياً واقتصادياً، لم تأخذ الأخيرة بعين الاعتبار الموقف الروسي المحايد في الصراع الصهيوني ضد محور المقاومة، وقد اكتشفت روسيا ذلك في الكثير من المناسبات، حيث كانت دائما "اسرائيل" تحاول جرها الى معسكرها، عبر التصويب على النفوذ الايراني ونفوذ حزب الله في سوريا وفي المنطقة، واحراجها في أغلب الاوقات عبر استهداف الداخل السوري، من خلال وضعها في خانة المتواطىء أو المتساهل على الأقل، في الوقت الذي لم تكن روسيا بالاساس ترغب أن تكون طرفاً مع جهة ضد أخرى في هذا الصراع.
 
اكتشفت روسيا وبشكل واضح لا يحتمل الشك ابدا ، ان "اسرائيل" لم تُظهر أي حرص أو اهتمام بسلامة العسكريين الروس، وحادثة اسقاط الطائرة إيل 20 نموذجا واضحا على ذلك، في الوقت الذي كان الاعتداء الاسرائيلي على منشآت سورية أو حليفة لسوريا في ضواحي اللاذقية، يحتمل ( بالمفهوم العسكري الفني الروسي ) تأخيره بضعة دقائق لخروج الطائرة الروسية من اجواء الاشتباك .

لم تكن "اسرائيل"، وفي جميع المناسبات الدبلوماسية أو العسكرية الميدانية، الا في صلب السياسة الاميركية المناهضة للحل الروسي في سوريا، وقد لعبت دائماً في الميدان السوري الأدوار المساعدة للارهابيين، تنفيذاً لاستراتيجية واشنطن في ذلك، لناحية إخلاء مصابيهم أو تجهيز مقاتليهم بأسلحة وبمعدات اسرائيلية، أو لناحية دعمهم مباشرة، أو بطريقة غير مباشرة، بمدفعيتها وبطيرانها عند الاشتباكات  والمواجهات الحساسة لهؤلاء مع الجيش العربي السوري.
 
بالمقابل، إكتشفت روسيا، وفي كثير من المناسبات الدبلوماسية وغيرها، أن ايران تجاوبت مع المناورة الروسية البعيدة حول الحل السياسي في سوريا، في التسويات أو في وقف اطلاق النار، بالرغم من تعارض ذلك أو تمايزه (في مكان ما) مع الاستراتيجية الايرانية  الاساسية ضد أغلب المسلحين (الارهابين أو غيرهم)، المُحَرَضين والموجهين عقائدياً ضد طهران، وبالرغم من انخراط أغلب هؤلاء المسلحين مع "اسرائيل" ضدها وضد حزب الله، فإن ايران كانت في موقع المسهل والمساعد للحل الروسي في سوريا.

لا يخفى على روسيا ايضاً، أن "اسرائيل" وفي البعد الاستراتيجي، لا تؤيد بتاتاً التواجد الروسي في الشرق وفي سوريا خاصة، لان هذا التواجد يقيد حركتها العسكرية أولاً، حيث ستخسرعلى الأقل قطاع عمل جوي، طالما استخدمته لتنفيذ اعتداءاتها على سوريا، ويقيد حركتها الدبلوماسية ثانياً، حيث ستخسر هامشاً من مناورة الضغط على سوريا وعلى لبنان في كثير من الملفات، ومنها النفط والغاز على الاقل.

حتى في الموضوع المتعلق باستراتيجية روسيا التجارية، والتي يلعب موضوع بيع الأسلحة دوراً مهما فيها، لا تملك موسكو أية فرصة أو امكانية لذلك مع "اسرائيل"، حيث الأخيرة تستفيد وبشكل كامل من الأسلحة الأميركية، مساعدة مجانية أو شراء، كما وأن الشركات الاسرائيلية تعتبر منافساً رئيساً للروس في هذا القطاع في العديد من الدول الآسيوية وحتى الأوروبية.

انطلاقاً من ذلك، يبدو أن مصلحة روسيا تكمن في الابتعاد عن "اسرائيل"، حيث ايجابيات هذا الابتعاد تتفوق بشكل واضح على سلبياته.. فهل تعمل روسيا اعتباراً من الآن، في علاقتها مع العدو الاسرائيلي، في سبيل مصلحتها الاستراتيجية وتبتعد عن "اسرائيل"، أو على الأقل تبتعد عن مهادنة "اسرائيل" في بعض الملفات الأساسية، وخاصة في المنطقة؟ أم أنها لن تستطيع ذلك لأسباب غير واضحة وغير مفهومة؟

2018-10-12