ارشيف من :آراء وتحليلات

العقوبات ضد ايران ستزعزع الدولار والنفوذ العالمي لأميركا

العقوبات ضد ايران ستزعزع الدولار والنفوذ العالمي لأميركا

حينما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن انسحاب أميركا من الاتفاقية النووية الدولية مع ايران، ربما كان في اعتقاده أن الدول الاوروبية الغربية الموقعة على الاتفاقية (وهي المانيا وبريطانيا وفرنسا، الحليفة التقليدية لاميركا) ستنسجب هي ايضا من الاتفاقية، ولا يبقى سوى روسيا والصين الى جانب ايران. ولكن الادارة الاميركية تلقت صفعة قوية لنفوذها الدولي، على يد حلفائها من الدول الغربية بالذات التي أعلنت بالاجماع تمسكها بالاتفاقية النووية مع ايران، استناداً الى تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تؤكد أن ايران تلتزم بتعهداتها فيما يتعلق بالطابع السلمي لبرنامجها النووي. ولم يقف الى جانب أميركا سوى "اسرائيل" التي وقف رئيس وزرائها نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة ليعرض صوراً لمشغل غسيل سجاد في ايران مقسماً أن هذا المشغل للسجاد هو مستودع للقنابل النووية الايرانية التي ستدمر "اسرائيل" وأميركا وأوروبا الغربية.
                 
وقد وقف الاتحاد الاوروبي بمجمله الى جانب روسيا والصين فيما يتعلق بالاتفاقية النووية مع ايران. وهذا مؤشر خطير ستظهر نتائجه بالتتالي حول تفكك الكتلة الغربية بزعامة أميركا وبداية فقدان أميركا لزعامتها على "القطيع الغربي". وهذا ما دفع أميركا الى الاعلان أن العقوبات السابقة والعقوبات الجديدة التي فرضتها على ايران ستطبق ليس فقط ضد ايران، بل أيضا ضد أي دولة أو شركة تتعامل أو ستتعامل مع ايران.
 
وهذا التهديد لا يمس روسيا والصين، اللتين تديران ظهريهما لأميركا، بل يمس بالدرجة الأولى الدول الغربية التي لا تزال مرتبطة بأميركا، سياسياً واقتصادياً وأمنياً وعسكرياً ولا سيما في إطار حلف الناتو. وقد أعلن دونالد ترامب بكل عنجهية الغانغستر الاميركي انه في تشرين الثاني القادم سيبدأ تطبيق العقوبات لمنع تصدير النفط الايراني وانه سيخفض هذا التصدير الى الصفر. أي محاولة "الخنق التام" للجمهورية الاسلامية الايرانية التي أصبح مجرد وجودها يهدد وجود النفود الاميركي ـ الصهيوني في العالم.

اذا انفجر السوق النظامي للنفط فستسقط حتما عمليات البيع الآجل: قريبة الأجل، ومتوسطة الأجل وبعيدة الأجل

وتقول الاحصاءات ان الانتاج النفطي الايراني بعد توقيع الاتفاقية النووية في 2015 بلغ 3،2 مليون برميل نفط في اليوم، مليونا برميل منها مخصصة للتصدير العالمي.

وقد ردت ايران في حينه أنه في حال منع تصدير النفط الايراني، أي تجويع الشعب الايراني، فإن ايران ستوقف تصدير النفط تماما عبر مضيق هرمز الذي يمر عبره 40% من تجارة النفط العالمية. ونحن نضيف إن ايران قادرة أيضاً على ايقاف عبور النفط والحركة التجارية العالمية عبر مضيق باب المندب أيضاً.

ولننظر بروية الى النتائج الاقتصادية والسياسية والعسكرية، التي يمكن أن تترتب على تطبيق العقوبات الاميركية وخنق الجمهورية الاسلامية:

1 ـ إن فقدان أو "غياب" 2 مليون برميل نفط يومياً من سوق النفط العالمي، سيؤدي الى انهيار سوق النفط العالمي كليا، اذا لم يتم ايجاد بديل لها. لان السوق العالمي قد يتحمل "غياب" أي "سلعة" أخرى، حتى الحنطة والخبز ولكنه لا يتحمل غياب النفط والغاز، اللذين تتوقف عليهما حتى الآن كل دورة الحياة المعاصرة.

2 ـ انهيار السوق النظامي للنفط سيؤدي الى التحول للانهيار الفوري للدولار بنتيجة الارتفاع الجنوني المرتقب لأسعار النفط. لأنه إذا كان سعر برميل النفط اليوم هو 80 دولاراً وسيصير 500 دولار بعد عشرة أيام، فهذا يعني أن الـ500 دولار بعد عشرة أيام ستساوي 80 دولاراً اليوم، أي: ان الدولار "سيطير" و"ستطير" معه اميركا كالبالون بالمعنى الحرفي للكلمة، ولا أحد يدري أين وكيف سينفجر البالون الأميركي وسيحط ثانية ممزقاً على الأرض.

3 ـ اذا انفجر السوق النظامي للنفط فستسقط حتما عمليات البيع الآجل: قريبة الأجل، ومتوسطة الأجل وبعيدة الأجل. وستنتقل تجارة النفط كليا الى "السوق الدولية السوداء" التي يتحكم فيها البائعون بالأسعار، ولا يعودوا يقبضون بالدولار المتدني القيمة باستمرار، بل يطلبون القبض عداً ونقداً بالذهب، أو بالسلع التي يحددها البائع. ويعني ذلك انهيار النظام المالي والتجاري والاقتصادي العالمي وانتشار القرصنة وسقوط الحكومات والدول واندلاع الحروب الأهلية والاقليمية في كل مكان وخاصة في أوروبا الغربية.

4 ـ ولتجنب سقوط هيبتها أمام حلفائها التقليديين وخروجهم التام عن طاعتها، تسعى ادارة ترامب الآن جاهدة لايجاد بدائل عن النفط الايراني لحلفائها. وفي مثل هذه الحالات الأقل حرجاً، كان يتم الاعتماد بشكل أساسي على المملكة السعودية بوصفها أكبر منتج للنفط في "الكتلة الغربية". لكن السعودية غير قادرة الآن، لأسباب تكنولوجية وغيرها، على زيادة انتاجها لتغطية الكمية المطلوبة. أي أن "الثغرة" ستبقى مفتوحة. وهذا ما دفع أميركا الى أن "تغض النظر" عن الاتفاقية الأخيرة بين السعودية وروسيا (المنتج الأكبر للنفط خارج أوبك) على زيادة انتاجهما من النفط في الفترة القادمة لسد "الثغرة" الايرانية. وهذا يعني كسر هيبة أميركا وكل تبجحاتها وعقوباتها المعادية لروسيا. ولكن من جهة ثانية، يطرح هنا سؤال مشروع تماما: هل أن روسيا ستغدر بايران وتساعد في الحصار ضدها و"تكسيد" نفطها مقابل بضعة مليارات من الدولارات وعلاقة تجارية مؤقتة وغير مضمونة مع السعودية؟

في رأينا المتواضع، إن روسيا قدمت عشرات الشهداء من خيرة أبنائها في المعركة ضد الارهاب العالمي في سوريا، والصداقة الروسية ـ الايرانية قد تعمدت بالدم والنار. وان روسيا ستصون أخوّة الدم والسلاح مع ايران (وحزب الله والجيش الوطني السوري)! وهي ستستخدم الاتفاق مع السعودية كغطاء لمساعدة ايران في "بيع" نفطها.

اما اذا اضطرت ايران الى قصف واغراق ناقلة نفط واحدة على باب مضيق هرمز، وأخرى على مدخل باب المندب، فذلك سيكون شأن آخر وله حديث آخر.

 ولكن في كل الاحوال فإن اميركا و"اسرائيل" والسعودية، سيكونون حتما الجهة الخاسرة.
 

2018-10-12