ارشيف من :مقالات
الليطاني...2021: مياه سليمة!
لا يبالغ أحدهم لدى وصف الليطاني بكنز الثروة المائية في لبنان. تلك الثروة وعلى أهميتها لطالما كانت محط أنظار العدو "الاسرائيلي". "الأرشيف" يحفل بالمواقف والتصريحات التي تُدلّل على ذلك. إعلان حكومة العدو مطلع التسعينيات بأنها لن تتخلى عن منطقة الشريط الحدودي في جنوب لبنان ما لم تتلق تأكيدات بأنها ستحصل على "حصتها" من مياه نهر الليطاني، يؤكّد ما نقول. لكن وللأسف، فإنّ هذه الثروة التي لم يستطع الصهيوني سلبها بفضل المقاومة، ولم يستطع حرمان اللبنانيين منها، تواجه اعتداء تمكّن من سلب حق المواطنين في مياههم لسنوات. الليطاني يواجه مجزرة بيئية، إذا ما صحّ التعبير. أطول الأنهر اللبنانية مهدّد بفعل الفوضى التي تحيط به من نفايات ومرامل وكسارات ومياه صرف صحي، ما يجعل الاستفادة من مياهه الملوثة بمثابة مغامرة تهدّد حياة البشر.
الواقع "المخزي" الذي يعترض مياه الليطاني الرئة الحيوية للبنان، دفع مجموعة ضغط أهلية وبلدية الى فتح ملف التلوث في الليطاني في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2016. فكانت "الحملة الوطنية لحماية حوض الليطاني" التي أطلقت الصرخة في وجه الإهمال الرسمي، ما حوّل موضوع الليطاني الى قضية وطنية، وفق ما يشير عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب الدكتور علي فياض، الذي يتابع ملف النهر من ألفه الى يائه. يلفت فياض الى الاهتمام الرسمي الذي لطالما كان مغيباً، والذي بدا جلياً في لجان المجلس النيابي التي عقدت اجتماعات متكررة، واتخذت مجموعة من التوصيات، كانت نتيجتها تحرك العديد من الوزارات المعنية.
المستجدات التي طرأت على النهر خلال سنتين
وفي حديث لموقع "العهد" الإخباري، يُحصي فياض معالم النقلة شبه النوعية التي طرأت على النهر بعد سنتين من التحرك والتي تبدو فيما يلي:
1- تراجع مستوى "العكر" في المياه بالحوض الاسفل لليطاني
2- تحسن في وضعية مياه القرعون وتراجع في نسبة التلوث وتحديداً البكتيريا إذ نلاحظ تقلصاً لمساحات الطبقة الخضراء
3- المباشرة الميدانية لمجلس الانماء والاعمار في تنفيذ محطات تكرير وشبكات صرف صحي تنفيذاً للقانون 63
4- حركة القضاء البيئي التي أصبحت أكثر تقدماً لناحية توجيه الانذارات والاخطارات لكل المصانع والمؤسسات التي شاركت في تلويث النهر
2021.. مياه سليمة!
فياض الذي يُبدي عتبه على مستوى التحرك الرسمي الذي يجب أن يكون أعلى، يلفت الى أن" جهدنا ينصب اليوم في تسريع وتيرة التنفيذ للخطة المرسومة"، وفي هذا الصدد يلفت الى وعود مجلس الانماء والاعمار بإنجاز كل الاعمال المتعلقة بالحوض الأعلى للنهر في غضون ثلاث سنوات. المجلس طمأن بأن لا مشكلة في التمويل. جزء من الأموال موجود وجزء آخر في طريقه للتحصيل عبر الاتفاقيات الدولية. أما فيما يتعلق بالحوض الادنى، فيؤكد فياض أنّ مصادر التلوث فيه محدودة، وهي لا تتجاوز ست قرى. وهنا يرجح فياض أن تكون مياه النهر في حلول عام 2021 سليمة إذا ما سرت الأمور بلا عراقيل. برأي فياض علينا انجاز المهمات المطلوبة بسرعة، ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار جودة ما يُنفّذ، والتأكد من أنّ أعمال المحطات والشبكات مطابقة للمواصفات، بشكل يضمن استخدام المياه من محطات التكرير بدون أن تحمل أي ملوثات.
ملف آخر، يسلّط فياض الضوء عليه يكمن في حجم التواجد للاجئين السوريين عند حدود النهر في البقاع الأوسط والغربي. 200 الف نازح سوري أُقيمت لهم مخيمات بجانب مجرى النهر دون تامين بنى تحتية لهم، وهنا يشير فياض الى أنّ الجهود أثمرت في هذا الصدد، وجرى فرض إنشاء محطتي تكرير في مخيمات اللاجئين السوريين بمحاذاة النهر مباشرةً.
الزين: شبه اجماع سياسي
رئيس إتحاد بلديات جبل عامل الحاج علي الزين يتحدّث لموقع "العهد" الإخباري عن ملف الليطاني، فيشير الى ما نوه اليه فياض. العمل الفعلي لمعالجة الكارثة بدأ عام 2016 في خطة استراتيجية. يلفت الزين الى أنّ عامي 2016-2017 شهدا العمل بقوة على إعادة توعية الدولة بأهمية المشروع لإنقاذ الليطاني من الغرق أكثر فأكثر، ما أحدث شبه إجماع سياسي، شهدنا غيابه لسنوات، وأوصلنا الى ما نحن عليه اليوم. الجميع اكتشف أنّ الليطاني ثروة وطنية وليست محلية أو مناطقية. ثروة يستفيد من وجودها كل لبنان. يوضح الزين أنّ أحد الأهداف التي تحققت حتى اليوم يتمثل في رصد إعتمادات بقيمة 1100 مليار ليرة لبنانية (أي حوالي 733 مليون دولار أميركي) لتنفيذ مشاريع معالجة التلوث في نهر الليطاني من منبعه حتى مصبه، إضافة إلى الموافقة على إتفاقية قرض البنك الدولي بقيمة 55 مليون دولار أميركي، ضمن خطة يمتد تنفيذها لمدى سبع سنوات. كما يلفت المتحدّث الى إنهاء العمل في محطة زحلة ووضعها في الخدمة، ما يؤمّن مولداً كهربائياً للبدء بالعمل على مستوى البنى التحتية.
وعلى المستوى البيئي، يشير الزين الى التحرك الفعال من قبل مصلحة مياه الليطاني، والاخبار الذي وجهته بحق مجموعة من المصانع والمؤسسات تمتد على طول المجرى في محافظة البقاع بتهمة تلويث النهر. هذه الخطوة، وإن دلت على شيء، برأي الزين فإنها تدل على تحرك الأجهزة الرقابية والتنفيذية، وهذا أمر مهم لم نشهده من قبل. التحرك الرسمي دفع أيضاَ رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري الى تشكيل لجنة وزارية تجتمع دورياً لمتابعة موضوع معالجة تلوث نهر الليطاني.
يُشدّد الزين على الجهود التي تُبذل لمعالجة التلوث في وقت أقل من سبع سنوات، نظراً لأزمة المياه التي تعترض لبنان. الأخير لم يعد يحتمل. والضرر البيئي سيطال الجميع ويولد مشاكل صحية في مختلف المناطق في الجنوب والبقاع وبيروت. حتى المأكولات والمزروعات التي نتناولها مروية بمياه هذا النهر. يشدد الزين على أن لا مصلحة لأحد في المماطلة والتأخير. مصلحتنا على مستوى الأمن الوقائي الصحي أن ننهي هذا الملف خلال ثلاث سنوات. وهنا يتوقع المتحدّث أن ننتهي من قضية المصانع والكسارات في هذه المدة، ولكنه يستبعد حل أزمة مياه الصرف الصحي خلالها، هذه المشكلة تحتاج حوالى خمس سنوات حتى يصار الى حلها.
يأخذ الزين على وزارة الطاقة والمياه غيابها التام عن قضية الليطاني، كونها وزارة الوصاية على النهر. ويسأل: هل لأن مصلحة المياه تتابع؟. رغم أن ذلك لا يبرر برأي الزين الذي يشدد على ضرورة أن يكون لوزارة الطاقة دور أساسي كونها "أم الصبي" والمحرك الاساسي لمختلف الجهات.
إذاً، استطاعت مجموعة ضغط أهلية ومحلية من أن تحول كارثة الليطاني الى قضية وطنية، بعدما بات هذا النهر خارج حسابات الدولة وفي قاموس إهمالها. فهل ستثمر الجهود، وتنقذ الليطاني من الغرق؟ يسأل مواطن مسؤول.