ارشيف من :نقاط على الحروف

للتاريخ.. عملية أسر الجاسوس الإسرائيلي ألحنان تننباوم

للتاريخ.. عملية أسر الجاسوس الإسرائيلي ألحنان تننباوم

لم تكن قوات الاحتلال قد أفاقت بعد من تداعيات الضربة التي وجهتها المقاومة الإسلامية بأسر الجنود الثلاثة في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة حتى وجه المجاهدون ضربة نوعية أخرى تندرج في إطار الحرب الاستخبارية المفتوحة بين حزب الله والكيان الصهيوني.  بتاريخ 15/10/2000 أعلن الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله خلال إلقائه كلمة في جلسة افتتاح الدورة الطارئة المشتركة للمؤتمرين القومي العربي والقومي الإسلامي في فندق الكارلتون في بيروت، عن أسر ضابط صهيوني برتبة عقيد (ألحنان تننباوم)، بعد استدراجه من فلسطين المحتلة إلى أوروبا ثم إلى سجون حزب الله.

للتاريخ.. عملية أسر الجاسوس الإسرائيلي ألحنان تننباوم

 

الإعلان شكّل آنذاك مفاجأة للحاضرين الذين ضجت قاعة المؤتمر بتصفيقهم تبريكاً بالإنجاز النوعي للمقاومة الإسلامية ضد الاحتلال. وأعلن السيد نصر الله أن "المقاومة الإسلامية نجحت في أسر ضابط إسرائيلي برتبة عقيد خلال عملية أمنية معقدة سنعطي تفاصيلها في وقت لاحق"، ولدى سؤاله عن تفاصيل هذه العملية قال: "لنترك الإسرائيليين في حال ارتباك".

ارتباك في كيان العدو

وسرعان ما أعلنت حكومة العدو نفيها لحصول عملية الأسر الجديدة، ثم عادت فأعلنت أنها أرسلت فريقاً أمنياً إلى المنطقة المحتلة في جنوب لبنان للتأكد من المسألة، ثم أصدرت بياناً قالت فيه إن حزب الله "قد يكون خطف أحد قادة الميليشيات السابقين"، وبعد ساعات على الإعلان عن عملية الأسر قال رئيس حكومة العدو إيهود باراك "لا يمكننا استبعاد احتمال أن يكون إسرائيلي من بين عشرات الآلاف الموزعين في العالم قد تعرض للخطف في مكان ما وأن يكون كولونيلاً في الاحتياط"، وأضاف إنه "على ما يبدو تم إغراؤه للوصول إلى مكان ما في أوروبا، ومن هناك تم اختطافه بطريقة تذكر بعمليات الاختطاف التي تقوم بها المافيا"ـ مشيراً إلى أن الأحاديث عن "أن عملية الاختطاف جرت عن طريق الحدود أو أن الأمر يتعلق برجل أمن ليس لها أي أساس".

للتاريخ.. عملية أسر الجاسوس الإسرائيلي ألحنان تننباوم

 

من جهتها، حاولت وزارة الحرب الصهيونية التقليل من تأثير الضربة وقالت في بيان لها إن "الأمر يتعلق على ما يبدو بمدني إسرائيلي توارى في أوروبا قبل أسبوع بملء إرادته ولأسباب شخصية.. الأمر يتعلق بموظف في مهمة رسمية". بدوره أكد وزير خارجية العدو بالوكالة شلومو بن عامي في اجتماع عام إن "إسرائيل ليس لديها تأكيد على احتجاز حزب الله إسرائيلياً جديداً.. ولكن زعيم حزب الله لا يكذب عموماً"، وبعد وقت قصير عادت وزارة حرب العدو لتعترف بحصول عملية الأسر وقالت في بيان لها إن "هذا الرجل هو من عناصر الاحتياط في الجيش، واختطف في عملية إرهابية في الخارج حيث اعتبر مفقوداً.. وقد سافر إلى الخارج بمبادرة منه ولأسباب شخصية" ووصفت الوزارة العملية بأنها "خطيرة وتتعارض مع القوانين الدولية كافة".

ووجه نائب وزير حرب العدو آنذاك أفراييم سنيه الاتهام لسوريا وقال: "نعتبر أن سوريا هي المسؤولة عن الأعمال التي تحضر وتنظم في لبنان الذي يقع تحت سيطرتها"، وعقد رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال في ذلك الوقت شاؤول موفاز مؤتمراً صحافياً قال فيه إنه "لم يسجل أي حادث عسكري عند الحدود ولكن قد يكون وقع في مكان آخر.. لا يمكنني أن أنفي هذه الأنباء أو أن أؤكدها الآن إلى أن نتحرى جميع القنوات".

للتاريخ.. عملية أسر الجاسوس الإسرائيلي ألحنان تننباوم

وأعلنت إذاعة العدو أن الضابط يدعى "ألحنان تننباوم (54 عاماً) وهو عقيد احتياط في سلاح الجو ويعمل مع شركة استشارات على علاقة بشركتي تاديران ورافاييل، وهما من كبريات شركات التجهيزات الالكترونية والتسلح الإسرائيلية، وقد اختطف في مدينة لوزان السويسرية قبل حوالي عشرة أيام"، وذكرت القناة الثانية في تلفزيون العدو أن تننباوم "اختطف قبل 12 يوماً في ما يبدو على يد عرب مجهولين كان أجرى معهم اتصالات تجارية بشأن خلاف مالي، وأشارت إلى أنهم سلموه إلى حزب الله بعد أن أسر الحزب ثلاثة جنود إسرائيليين قرب الحدود اللبنانية"، وقد أصدرت المحكمة الصهيونية في القدس المحتلة، بناءً على طلب جهاز الأمن الداخلي (شين بيت)، قراراً يمنع نشر معلومات حول ظروف خطف العقيد الصهيوني والنشاطات التي كان يقوم بها في الخارج وذلك بذريعة أن نشر مثل هذه المعلومات قد يعرض حياة أشخاص آخرين للخطر.

للتاريخ.. عملية أسر الجاسوس الإسرائيلي ألحنان تننباوم

وساهمت عملية أسر الضابط الصهيوني في زيادة حال الإرباك في أوساط قيادات الاحتلال، لا سيما منها العسكرية والأمنية، حيث رأت المصادر في العملية تأكيداً إضافياً على قدرة المقاومين في توجيه الضربة المناسبة للاحتلال في أي مكان تراه مناسباً، فضلاً عن إثبات إمكانية حزب الله في اختراق الأمن الصهيوني، ولفتت المصادر إلى أن "إسرائيل" لم تقم بأي حملة شبيهة بالتي قامت بها بعد أسر جنودها الثلاثة مما يدل على عمق التأثير الذي خلّفته العملية بحيث دفعت قيادات الاحتلال إلى أخذ الأمر بجدية عالية بعيداً عن أساليب التهويل التي فشلت في الضغط على لبنان والمقاومة لإطلاق سراح الجنود الأسرى، كما أظهرت هذه العملية تشوشاً رسمياً صهيونياً في كيفية التعاطي مع الموضوع لا سيما مع تأخر الأجهزة الأمنية الصهيونية في تحديد أو إعلان هوية الضابط الأسير أو تحديد مكان حصول عملية الأسر.

معلومات "السفير"

وذكرت صحيفة "السفير" اللبنانية أن العقيد يعمل ضمن جهاز "الموساد" المعروف أنه أحد أقوى أجهزة الاستخبارات الخارجية في العالم، وكان مكلفاً بمهام محددة تتعلق بالمقاومة في لبنان وعلاقاتها الخارجية، وأنه وقع في فخ يشبه الفخ الذي استدرجت إليه قبل عدة سنوات وحدة الكومندوس البحري في جيش الاحتلال في بلدة أنصارية الجنوبية حيث أبيدت الوحدة بأكملها قبل تنفيذ مهمتها، واعترفت المصادر العسكرية الإسرائيلية بالعملية وهوية الضابط وقالت إن العملية تمت في دولة "غير متقدمة"، مما يشير إلى أنها لم تقع في دولة أوروبية كما قيل سابقاً من أنها حصلت في سويسرا، مع العلم أن وجهة العقيد تننباوم الأولى بعد خروجه من فلسطين المحتلة كانت سويسرا، ولم تستبعد مصادر إسرائيلية أن يكون حزب الله قام بعملية تمويه واسعة لتنفيذ العملية، وأشارت إلى "احتمال أن يكون سلم نفسه إلى جهات عربية بسبب مشكلات مالية أو أن جهات عربية سلمته لحزب الله".

للتاريخ.. عملية أسر الجاسوس الإسرائيلي ألحنان تننباوم

وانعكس الإعلان عن عملية الأسر على المستوطنات الصهيونية في شمال فلسطين التي تعطلت الحياة العامة فيها بشكل لافت بعد الحديث عن وقوع عملية الأسر عند الحدود، وعملت المجالس المحلية للمستوطنات على تفقد الضباط الذين يعيشون فيها، وترك المزارعون أعمالهم خشية وقوع بعضهم في الأسر كما فرضت قوات الاحتلال حراسات مشددة وعمليات تفقد للسياج الحدودي.

السيد نصر الله

الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله بدد جزءاً من التأويلات التي أطلقتها الجهات المختلفة حول كيفية حصول العملية في مؤتمر صحافي عقده بتاريخ 16/10/2000، وكشف عن أن العملية تمت على الأراضي اللبنانية وليس في دولة أجنبية موضحاً أن "العملية بدأت منذ مدة حيث باشرت جهات أجنبية مخابراتية، عبر وسيط بالاتصال بأحد كوادر حزب الله المقربين من شخصية سياسية في الحزب، وليست هذه المرة الأولى التي تتصل فيها جهة مخابراتية بغطاء أجنبي بلبنانيين من أجل تجنيدهم في عمل استخباراتي ثم يتبين لاحقاً أن هذه الجهة إسرائيلية، وإثر ذلك بادر هذا الأخ الكادر المسؤول إلى تبليغ جهاز أمن المقاومة بما حصل معه، وعكف الجهاز الأمني للمقاومة على رسم خطة للتعاطي مع الموضوع لكشف هوية الجهة والعمل على استدراجها، وبعد فترة من المتابعة بات لدى جهاز أمن المقاومة شكوك حول حقيقة تلك الجهة. وبسبب طبيعة الأسئلة والمعلومات المطلوبة ساد الاعتقاد بأنها إسرائيلية، ومن أجل توثيق العلاقة بين الأخ المسؤول في حزب الله والوسيط مع تلك الجهة تم تزويد تلك الجهة المخابراتية الأجنبية بمعلومات مهمة ولكنها لا تضر بالمقاومة، وإثر ذلك سعت تلك الجهة المخابراتية إلى لقاء الأخ المسؤول في حزب الله مباشرة، ولكن خارج لبنان وفي بلد أوروبي قريب، وقوبل هذا الطلب بالرفض، وهدد الأخ المسؤول بقطع العلاقة مع الوسيط ما لم تكن علاقته مباشرة مع الجهة الأجنبية، وفي الوقت نفسه تم تزويده بمعلومات أمنية إضافية ومهمة، وبعد عدة محاولات وبين أخذ ورد تم إقناع مندوب الجهة الأجنبية بالمجيء إلى لبنان على أساس أنه ليس إسرائيلياً ولا توجد لديه مشكلة بالمجيء إلى لبنان، ويلتقي مع الأخ المسؤول في حزب الله مباشرة، وبالفعل جاء هذا المندوب قادماً من بروكسل ودخل إلى لبنان بشكل قانوني وهو يحمل جواز سفر أجنبياً تبين لاحقاً وبحسب اعترافاته أن هذا الجواز مزور، وبعد سلسلة من الإجراءات تأكدنا مما كنا مقتنعين به، من أنه ضابط برتبة عقيد في الجيش الإسرائيلي يعمل مع جهاز الاستخبارات الإسرائيلية "الموساد" فتم أسره واحتجازه في لبنان، واسمه "ألهنان تننباوم" وكان سابقاً قائداً للواء مدفعية الميدان، شارك في الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وفي قصف مدينة بيروت وضواحيها وهو يقيم مع عائلته في تل أبيب وليس في أوروبا"، وأضاف "المسألة ليست مسألة خطف، لا من بلد أوروبي ولا من أي بلد في العالم، هناك ضابط برتبة عقيد في الجيش الإسرائيلي يعمل مع "الموساد" منذ مدة زمنية طويلة، يعمل على اختراق حزب الله على مستوى عالٍ، تمت متابعته أمنياً وبخطة هادئة تم استدراجه إلى لبنان وجاء بقدميه إلى لبنان، وعندما يصبح في لبنان هنا على أرضنا ضابط في الجيش الإسرائيلي ونتأكد من ذلك فمن حق المقاومة الشرعي والقانوني أن تأسره وتحتجزه".

للتاريخ.. عملية أسر الجاسوس الإسرائيلي ألحنان تننباوم

 

وأوضح السيد نصر الله "أننا نحن من خلال أسر هذا الضابط الإسرائيلي هدفنا العمل على إطلاق سراح الأسرى والسجناء والمعتقلين في السجون الإسرائيلية، ولكن مع هذا الضابط يصبح لدينا 3+1 من أجل التبادل والعمل على إطلاق سراح السجناء والمعتقلين، ماذا نريد بالضبط، هذا ما نتحدث عنه في قنوات التفاوض وليس في وسائل الإعلام" وأشار إلى أن "القناتين الفعليتين هما قناة الأمين العام للأمم المتحدة والقناة الروسية، هناك قنوات أخرى ما زالت في طور الاتصال ولكن أحب في هذه المناسبة أن أوجه عبر الصحافة خطاباً إلى أمهات الجنود الثلاثة وأقول لهن: إن حكومتكن لم تعمل حتى الآن بشكل جدي من أجل استعادة أولادكن، ولا حتى من أجل كشف مصيرهم، ما زالت تلعب وتراهن على ضغوط دولية وسياسية على حزب الله لظنها أنه يمكن الوصول إلى نتيجة يقول فيها حزب الله شيئاً عن مصير الجنود بدون مقابل، وأنا أقول لحكومة العدو وأيضاً لأمهات الجنود وعوائل الجنود إن هذا الرهان خاسر ومضيعة للوقت، نحن حاضرون لأن نبقى سنة وخمس سنوات وعشر سنوات وعشرين سنة، ولكننا لسنا حاضرين لأن نقدم أي معلومات عن مصير الجنود دون مقابل، والمقابل يتعلق بسجناء أحياء وليس بأجساد شهداء، أجساد الشهداء قطعاً ستكون جزءاً من أي صفقة، ولكن نحن نريد مقابل المعلومات سجناء بمعزل عن العدد وحكومة العدو ما زالت تضيع الوقت وتراهن على رهانات خاسرة وأنا بكل وضوح أقول للقنوات التي اتصلت بنا بشكل علني وقلتها منذ اليوم الأول: لن يقدم حزب الله أي معلومات لأي جهة أياً تكن هذه الجهة - صديقة، محبة، عزيزة - عن مصير الجنود الثلاثة بدون مقابل من سجناء أحياء".

 بنيامين بن أليعازر : نصر الله لا يكذب

وزير الاتصالات الصهيوني بنيامين بن أليعازر لم يستبعد في حديث إلى القناة الثانية في تلفزيون العدو أن يكون العقيد تننباوم خطف في لبنان، ولكنه نفى أن يكون على صلة بأجهزة الاستخبارات، وقال إنه "أمر معهود أن يتوجه رجال أعمال يحملون جنسيتين إلى دولة عربية بجواز سفر أجنبي" واصفاً التفاصيل التي أوردها الأمين العام لحزب الله بأنها "من نسج الخيال ولا تمت إلى الواقع بصلة"، إلا أن مستشار رئيس حكومة العدو الكولونيل عودي ليفي دعا إلى "التحقق بدقة مما يقوله (السيد) نصر الله لأنه لا يكذب، وهو صادق جداً"، وفي ظل هذه الأوضاع أوضح المتحدث باسم باراك أن الأخير أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة بأن "خطف مواطنين من أراضي دولة تتمتع بسيادة أمر غير مقبول" مطالباً بأن "تقوم الأمم المتحدة بتحرك حاسم من شأنه إعادة الكولونيل تننباوم إلى بلاده وأسرته، وأن تندد برؤساء الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الذين يدعمون المنظمات الإرهابية".

 

2018-10-15