ارشيف من :مقالات

طرابلس: لم تعد أم الفقير!!

طرابلس: لم تعد أم الفقير!!

تشتهر مدينة طرابلس منذ عقود بأنها المدينة التي تجمع بين جنباتها مختلف الطبقات الاجتماعية، وهي التي حرصت على تشكيل بنية اجتماعية متماسكة بين جميع أبنائها دون استثناء، وطالما حرص ساكنوها وروادها وزوارها على وصفها بأنها "أم الفقير".

من يعرف طرابلس، ومناطقها، يدرك أن لكل منطقة منها طابعها السكاني والاجتماعي والاقتصادي، الذي يحرص على أن يتناسب مع  أبناء كل منطقة حسب حاجاتهم ومتطلباتهم. من هنا يمكننا تقسيم طرابلس الى ثلاثة أقسام، وهو تقسيم يُعَدُّ بحسب الخبراء الاجتماعيين، التقسيم المثالي لأي منطقة تجمع مختلف الطبقات الاجتماعية، وهم يتوزعون على الشكل الاتي: مثلث التبانة – القبة – والأسواق الداخلية، وهو يعرف بالمنطقة الشعبية، والمثلث الوسطي الذي يجمع مناطق المئتين والزاهرية وعزمي، ومثلث الضم والفرز والمعرض ويعرف بمنطقة الطبقة الغنية.

منذ عدة سنوات كانت طرابلس الملجأ الوحيد لمعظم تجار الشمال، وخاصة المناطق الريفية في عكار، وهي طالما بقيت نقطة تلاقٍ لجميع المصالح الاقتصادية والتجارية، ولكن مع تطور المعارك بين مناطق باب التبانة وجبل محسن، وارتفاع حدة الاشتباكات في السنوات الاخيرة، انقطع عدد كبير من أبناء عكار عن الوصول الى المدينة، وبدأوا بممارسة أعمالهم التجارية بعيداً عن طرابلس، حتى أن سوق الخضار الوحيد الموجود في التبانة ومحيط نهر أبو علي، استبدل بسوق آخر في منطقة قبة شمرا في عكار، واستطاع جذب مئات المزارعين والتجار اليه دون العودة الى سوق خضار طرابلس المركزي، الذي أصبح بالتزامن مع فترة المعارك سوقاً للتشبيح المالي وفرض ما يسمى بالخوات على التجار، بالاضافة الى احتكار السوق من قبل السماسرة بشكل فاضح.

ايضا،ً وفي ظل المعارك العسكرية، والتوترات الامنية، التي سيطرت على المدينة، ازدادت حالات البطالة بشكل كبير، بالاضافة الى ارتفاع معدل الفقر لما يقارب 63 % في طرابلس، وهو ما نتج عنه تفاقم للازمة الاجتماعية في المناطق الداخلية، ليزيد الطين بلة، دخول اللاجئين السوريين الى المدينة، حيث بدأوا بمنافسة اليد العاملة اللبنانية في الكثير من المصالح التجارية التي كانت المعيل الوحيد لعدد كبير منهم، من بائعي البسطات وبائعي القهوة وما الى هنالك من مصالح بقيت ملجأ الفقير لسنين. إضافة الى ان تجار المدينة قاموا باستبدال عمالهم اللبنانيين باللاجئين، وذلك في سبيل التهرب من التأمينات الصحية والاجتماعية، وتدني أجرة اليد السورية العاملة، وهو ما أدى الى أزمة في البنية الاجتماعية نتيجة اختلال التوازن في عدد العاملين المرتفع والذي يبلغ أربعة اضعاف الوظائف التجارية المطروحة.

باب التبانة هو أحد الأحياء الفقيرة في طرابلس، يفتقر الأهل فيه الى أدنى مقومات الحياة من طبابة وتعليم ومياه شرب صالحة وشوارع نظيفة خالية من الاوبئة، وبات اليوم يكتظ بالسكان لدرجة كبيرة. وبحسب "احمد" الذي يسكن في باب التبانة منذ خمسة عشر عاما، فإنه رغم الوضع الامني الذي كانت تعيشه المنطقة اثناء جولات القتال، كان وضعها افضل بكثير من الان، حيث يزداد الوضع سوءا بدل ان يتحسن، خاصة مع ارتفاع عدد النازحين السوريين داخل التبانة، وغياب كلي للدولة ومؤسساتها، التي لا تولي أي اهتمام بالفقراء، او بالشباب العاطلين عن العمل الذين يوجد أكثر من عشر آلاف منهم في التبانة، باتوا قنبلة موقوتة، وقد أتى من استغل وضعهم وكوّن منهم مجموعات مسلحة.

يسهب أحمد في شرح الحالة الاجتماعية التي يعيشها هو وكل أبناء منطقته. يعبر عما يطمحون اليه أو ما يتخوفون منه. فهو يريد الهروب الى واقع افضل، الى تأمين لقمة عيش لأولاده ، وارسالهم الى المدارس التي يمنعهم  فقر الحال من دخولها، فيبقون  مشردين في الطرقات وعرضة لاي استغلال أمني، وهو ما يؤشر مستقبلاً الى ارتفاع معدلات الامية بحسب احصاءات غير رسمية الى 85% في التبانة .

بالعودة الى داخل طرابلس، المدينة لا تزال تنتظر الوعود السياسية التي أُغدقت عليها إبان الانتخابات النيابية الأخيرة، وما قبلها، من هبة المئة مليون دولار التي أقرتها حكومة الرئيس سعد الدين الحريري الأخيرة، الى المشاريع الاقتصادية والتجارية، التي لم ولن تبصر النور على ما يبدو، فيما شوارع المدينة حبلى بالمتسولين والبائعين والاطفال المشردين المنتشرين في الشوارع وبين السيارات بشكل يفوق التصور، بالاضافة الى البسطات والعربات والتي باتت ازالتها من قبل القوى الامنية وعناصر البلدية مسلسلاً شبه يومي، حتى ان معظم البسطات المنتشرة على طول نهر ابو علي وتضم ما يسمى "البالات"،  والتي دائماً ما تكون ملجأ للكثيرين من فقراء المدينة ومتوسطي الحال، هي اليوم عرضة للازالة. يعتبر الاشهر في هذه المنطقة محل نضال عبد الهادي الملقب بـ"ابو الفقراء" حيث يرتاد بسطته يومياً العشرات من الزبائن، نظراً للاسعار التي تلائم الكثيرين في ظل هذه الاوضاع الصعبة التي يعانون منها.

من المؤكد، ان طرابلس باتت تعاني الكثير الكثير من المشاكل السياسية، والسكنية والاقتصادية والاجتماعية، والتي تحتاج الى الكثير من الاهتمام، فمعظم عائلات المدينة باتت بيوتهم آيلة للسقوط، وكما أن ارتفاع اسعار الايجارات بات يمنع الفقير من ايجاد مأوى أو منزل رخيص يؤويه وعائلته، وما الى هنالك من أسباب تجعل من طرابلس ام المشردين والجائعين والنازحين.... وليست "ام الفقير".

2018-10-17