ارشيف من :مقالات
متمرنو الثانوي في لبنان بلا رواتب.. رغم الحلحلة
قد تكون زيارة الموقع الرسمي لمجلس الخدمة المدنية للبحث عن "وظيفة دولة" كما يسمونها باتت روتيناً لعدد كبير من الشباب اللبناني. الظروف المعيشية الصعبة التي يُعايشها هؤلاء تجعلهم يبحثون عن موطئ قدم في وظيفة رسمية ظنّاً منهم بأنها ستُغيّر حياتهم للأفضل. مع العلم، أن بعض هؤلاء ليسوا عاطلين عن العمل، لكنّهم يطمحون في "وظيفة دولة" لا تهدر حقوقهم، وتعطيهم حقهم. وظيفة التعليم الثانوي واحدة من تلك الوظائف الرسمية، التي سعى اليها الآلاف، ليرسو الاختيار على 2128 نجحوا بكفاءتهم بلا أي وساطات سياسية. وللأسف، لم تكن حسابات الحقل مطابقة لحساب البيدر. خاض هؤلاء العديد من المعارك على درب الحصول على حقهم، ولا يزالون. الإجحاف بحقهم وصل حد المماطلة حتى في قبض رواتبهم. جل هؤلاء بات يعتاش على المديونية، فيما يرمي المعنيون الكرة في ملاعب بعضهم البعض. فما جديد قضيتهم؟.
الإجحاف بحق الأساتذة، دفعهم للجوء الى الإضراب اليوم. لا يُضرب هؤلاء حباً بالإضراب، بل لأنه بات "أمرا واقعا" مفروضا عليهم بحكم الظروف المعيشية الصعبة. أحدهم، لا يجد حرجاً في الحديث بصراحة عن حالته المأزومة. يؤكّد أنه وجد نفسه مجبراً على الاضراب لأنه بات لا يملك حتى أجرة طريق لممارسة مهنة التعليم. منزله يبعد عن المدرسة التي يعمل فيها 30 كلم، ما يجعله بحاجة يومياً الى حوالى صفيحة بنزين، وهو لم يتقاض راتبه منذ ثلاثة أشهر. يؤكّد أنه لا يمارس الاضراب كهواية، بل أجبرته المماطلة الرسمية على ذلك. حال المتحدّث لا يختلف عن حال الغالبية العظمى من الأساتذة الذين سئموا وعوداً لم تُصرف، وملوا انتظاراً وتطمينات.
نصار.. لم نتقاض قرشاً منذ أشهر
رئيس لجنة الأساتذة الثانويين المتمرنين الأستاذ وسيم نصّار يتحدّث لموقع "العهد الاخباري" عن معاناة الاساتذة، فيبدأ من آخر فصل معاناة عاشه هؤلاء، والذي بدأ في السابع عشر من تموز/يوليو المنصرم. حينها، احتجزت كلية التربية نتائج الامتحانات رهينة، وماطلت في إصدارها، لتصدر في الثالث من أيلول/ سبتمبر. ماذا يعني ذلك؟. يعني تأخير مرسوم التثبيت، وإبقاء معاشات الاساتذة على ملاك الجامعة اللبنانية، وبعد زيارات ولقاءات واتصالات مع سياسيين، أفرج عن مرسوم الـ14 مليار ليرة المتعلّق بصرف الرواتب وأرسل الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي وقعه بدوره، ليرسل الى ديوان المحاسبة ومنها الى وزارة المالية التي وقعت عليه، ولكن حتى اللحظة، يؤكّد نصار، لم نتقاض قرشاً، رغم أجواء ايجابية تشير الى أنّ الرواتب باتت في حوزة قسم الصرفيات.
نقطة أخرى يُدلل عليها نصار، تتعلّق بمرسوم التثبيت الذي وقّعه رئيس الجمهورية مؤخراً بانتظار التواقيع الأخرى. يقول نصار حتى ولو أفرج عن الرواتب، فإنّ التأخر في إصدار مرسوم التثبيت في الجريدة الرسمية، يعني حُكماً تكرار سيناريو المماطلة كل فترة، ونقل اعتماد من احتياطي الموازنة الى الجامعة اللبنانية لتسديد الرواتب. يُطالب نصار بضرورة الاسراع بإصدار المرسوم. يشير الى أنه طالب الوزير مروان حمادة بمرسوم جوال لكف شر المماطلة بالرواتب، فما كان جوابه سوى "أخشى من الابتزاز السياسي". وهنا يسأل نصار عن اي ابتزاز يتحدّث معاليه؟، فيجيب "لا نفهم".
وللأساتذة قصة أخرى مع قضية الدرجات الست التي أقرها مجلس النواب، يتحدّث عنها نصار، فيلفت الى أن الأساتذة لا يزالون عالقين في هذا الملف تحت رحمة مجلس الخدمة المدنية الذي فسّر القانون رقم 46 خطأ، وهو ما أشار اليه عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي فياض منذ ايام. وهنا يسأل نصار هل من المعقول أن يظلم ثلاثة موظفين 2128 استاذاً؟، من ينصف عائلاتهم؟. يطالب رئيس لجنة الأساتذة الثانويين المتمرنين المعنيين بالتحدث بصراحة في هذا الموضوع، وحسم الأمر بعيداً عن المراوغة. الجميع يقول أن الدرجات الست من حقكم، ولم نر ترجمة لهذا القول حتى اللحظة. محضر الجلسة التشريعية التي عقدت لإقرار سلسلة الرتب والرواتب واضح لجهة أحقية الأساتذة المتمرنين بالدرجات الست الاستثنائية. حينها توجه وزير الشباب والرياضة محمد فنيش ولدى تلاوة هذه الفقرة، بسؤال لرئيس مجلس النواب نبيه بري "أساتذة الكفاءة المتمرنون في كلية التربية، هم في الخدمة الفعلية، فهل يحق لهم الإستفادة من الدرجات الست؟"، فكان رد الرئيس بري أن الجواب لدى وزير التربية. عندها أجاب الأخير "نعم تلحقهم".
وفيما تسري حالة من المراوغة والتمييع لجهة حق الأساتذة في الدرجات الست. تسأل أوساط الأساتذة عن قيمة الثلاث درجات التي لم يتقاضونها حتى اللحظة. ماذا جرى بها؟. معلومات نصار تشير الى أنّ وزير المالية وافق على صرف الرواتب مضافاً اليها قيمة الثلاث درجات. وهنا يلفت نصار الى أنّه وبموازاة هذه الأجواء الايجابية والملموسة التي رشحت، سيصار الى تعليق الاضراب مع تحديد مهلة زمنية سيعلن عنها لاحقاً في حال لم تسري الأمور بالشكل المطلوب".
جباوي..الرواتب في طريقها الى جيوب الأساتذة
الصورة المأساوية التي يتحدّث عنها نصار باسم الاساتذة، لا تبدو موجودة لدى الحديث مع رئيس رابطة التعليم الثانوي الاستاذ نزيه جباوي. برأيه، لم ينكر أحد حقوق الأساتذة. التأخر الطارئ على الرواتب مرده الى عدم وجود اعتمادات مرصودة. الأمر تطلب إجراء مرسوم نقل اعتماد بقيمة 14 مليار ليرة، وقّع عليه رئيس الجمهورية وأرسل الى ديوان المحاسبة التي بدورها أرسلته الى وزارة التربية ومنها ذهب الى قسم الصرفيات. جباوي يؤكد تواصله اليومي مع المالية، ومصادر الأخيرة تؤكد أن الأمور تسير على ما يرام، والمسألة لن تتعد عدة أيام، ويتقاضى الأساتذة رواتبهم. لا ينكر جباوي أن التأخر في دفع الرواتب غير مبرر، لكنه يرى أن مسار الأمور الايجابي لا يستدعي الذهاب باتجاه الاضراب. عندما تُقفل الأبواب بشكل نهائي، نحن رعاة الاضرابات والاعتصامات.
كان يتمنى جباوي لو أن الأساتذة تمهلوا حتى نهاية الاسبوع لأنّ الأوضاع في طريقها الى الحل. وهنا نسأل جباوي بلسان الأساتذة، لماذا لا تكون الرابطة أكثر شراسة في الدفاع عن حقوق الاساتذة، فيجيب بأن " الكثير من الاضرابات والاعتصامات التي خيضت لم تكن نتيجتها سوى مقابلة المسؤولين، والأمور حالياً لا تحتاج الى اضرابات لأن الرواتب في طريقها الى جيوب الاساتذة".
وفيما يتعلّق بـ"الدرجات الست"، يُشدّد جباوي في حديث لموقع "العهد" على أنّها حق لا يمكن لأحد سلبه من الاساتذة، باعتراف الجميع، وحال صدور مرسوم التثبيت في الجريدة الرسمية، سيتم دفع الرواتب مضافاً اليها الدرجات الست. نسأل جباوي: ما الذي يضمن في حال عدم حصول الأساتذة على قيمة هذه الدرجات قبل التثبيت أن يحصلوا عليها لاحقاً، فيؤكد أن القانون يكفل لهم ذلك، ولن يستطيع أحد سلبهم هذا الحق. يتطرق جباوي الى الثلاث درجات فيلفت الى أنّ رئيس الجامعة أرسل كتاباً الى وزارة المالية يطلب فيها صرف خمسة مليارات قيمة الدرجات الثلاث من مرسوم الـ14 مليار، منوهاً الى أن لا عرقلة حتى الساعة في هذا الملف، آملاً التريث في إصدار الأحكام.