ارشيف من :آراء وتحليلات

ليلة سقوط القاعدة في مصر من بوابة ليبيا

ليلة سقوط القاعدة في مصر من بوابة ليبيا

رغم أهميته، الا أن خبر إعلان الجيش الليبي، في الثامن من الشهر الجاري (تشرين اول/ اكتوبر)، عن إلقاء القبض على هشام العشماوي لم يأخذ حيزاً هاماً في الاعلام. فالقاعدي الوافد الى ليبيا قبل أربعة أعوام، قد اصبح أحد الأوجه المهمة لتنظيم القاعدة هناك.

ورغم أهمية سقوط "عشماوي" الا أن إنهاء طموحات تنظيم "القاعدة" في ليبيا، قد بدأ قبل ذلك، لا سيما بعد تمدد تنظيم "داعش"، ولعل هذا هو السبب الذي دفع بالقاعدة لإرسال عشماوي.

ولكن السؤال يبقى مشروعاً حول أهمية القبض على "عشماوي" وعلاقة ذلك بمستقبل "القاعدة" في شمال أفريقيا؟.

إن الإجابة على هذا السؤال تعتمد على نقطتين:

الاولى: أهمية هشام عشماوي نفسه ووزنه في التنظيم.

الثانية: وزن تنظيم "القاعدة" في الشمال الأفريقي، والذي وصفه مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة، التابع لدار الإفتاء المصرية، في دراسة صادرة في آب/أغسطس الماضي، بأنه الأخطر على دول الشمال والغرب الأفريقي.

من هو العشماوي؟

لن تكون العودة إلى المحطات الأولى للعشماوي مرهقة، فالقاعدي ينتمي لأسرة ثريّة مهدت له الطريق للالتحاق بصفوف الجيش المصري. وعندما كان في عامه الثالث والثلاثين(عمره اليوم حوالي اربعين سنة)، قامت ما تعرف بـ"ثورات الربيع العربي"، فوجد فيها عشماوي فرصة للتعبير عن أفكار متطرفة آمن بها، وعلى خلفية ذلك فقد عمله، وبدأ أولى محطاته بالانضمام لـ"خلية مدينة نصر" التي ضبطتها الشرطة المصرية في 2012.

تنقّل عشماوي بين ليبيا وسوريا، إلا إنه عاد إلى مصر بعد سقوط حكم "الإخوان المسلمون" عام 2013 . وبحكم خلفيته العسكرية، تولى عشماوي مهامه كقائد عسكري مسؤول عن التدريب والتخطيط، كما اتهم بالتورط في محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري الأسبق، محمد إبراهيم (ايلول/ سبتمبر 2015)، ومجزرة الفرافرة (تموز/ يوليو 2014).
بايع تنظيم "بيت المقدس" في سيناء "داعش" (تشرين ثاني/ نوفمبر 2014)؛ الأمر الذي مثّل استفزازًا لعشماوي، صاحب الميول القاعدية، فقرر الانفصال عن "بيت المقدس"، والانتقال إلى مدينة "درنة" الليبية التي كانت تحظى فيها القاعدة بنفوذ قوي. ولم يستغرق بقاء "عشماوي" في درنة أكثر من عام ليعلن في تموز/ يوليو 2015، عن تأسيس تنظيم "المرابطون".

سنوات أربع عاشها عشماوي في "درنة"، منذ وصوله نهاية 2014، وحتى القاء القبض عليه  قضاها في مهام عسكرية بحتة. وربما يفسّر ذلك طبيعة المعلومات التي سربتها مصادر ليبية، وقالت إنها وردت على لسان عشماوي في التحقيقات القائمة معه، تراوحت بين أماكن تجمعات عسكرية لإرهابيين، ولقاءات جمعته بقيادات عسكرية قاعدية.
هذا وقد سبق سقوط عشماوي سقوط قاعديين آخرين منهم، رفيقه المصري عمر رفاعي سرور(والده أحد مؤسسي تنظيم الجهاد الذي يعد أحد أركان تنظيم القاعدة)، الذي فجّر نفسه في حزيران الماضي بدرنة، إثر مداهمة الجيش الليبي لمنزله بالمدينة، فسرور يعد أخطر من عشماوي باعتبار أن الأول كان منظّرًا شرعيًّا لـ"القاعدة".

وثمة اسم آخر يمثل سقوطه خسارة كبيرة لـ"القاعدة"، ولم يتعامل معه الإعلام كما يجب، هو الإرهابي الليبي "مرعي زغبية" (مواليد بنغازي 1960)، الذي قبض عليه برفقه عشماوي.

يعتبر زغبية إرهابيًّا مخضرمًا، قادمًا من حقبة الحرب الأفغانية، أُدرج على قوائم الإرهاب من قبل مجلس الأمن منذ 12 عامًا، وأثبتت السلطات الإيطالية انضمامه لخلية تابعة لتنظيم "القاعدة" عملت في إيطاليا وكانت تسعى لتجنيد الشباب وتسفيرهم إلى العراق.

ومع ملاحظة الانتكاسات الكبيرة التي تصيب هذه الجماعات في لبيبا ( سواء القاعدة او داعش) فان "القاعدة" في شمال أفريقيا ستكون مطالبة بالانسحاب غربًا. والأرجح أن الجزائر مرشحة لتكون الوجهة القادمة  "للقاعدة" الافريقية بعد ليبيا، لاضافة الى "مالي" التي تحتضن تنظيمات القاعدة في شمال أفريقيا "نصرة الإسلام والمسلمين".
وتكمن "جاذبية"  الجزائر نظرًا لقربها من ليبيا، إلى جانب التمثيل الجزائري البارز في "قاعدة شمال أفريقيا".

وتحظى "القاعدة" بوجود تاريخي مستقر في شمال أفريقيا، وهو ما يفسر الخطوة التي أقدمت عليها وزارة الخارجية الأمريكية، في ايلول/ سبتمبر الماضي، جيث أدرجت فيها تنظيم "نصرة الإسلام والمسلمين" على قوائم الإرهاب.

ويشكل تنظيم "نصرة الإسلام والمسلمين" الذي تأسس في آذار/ مارس عام 2017، من أربعة كيانات "قاعدية" كانت تعمل في شمال أفريقيا وهي: "المرابطون" لزعيمها مختار بلمختار، و"كتائب ماسنا" لمحمدو كوفا، و"إمارة الصحراء الكبرى"، ليحيي أبو الهمام، و"أنصار الدين" لإياد غالي، وهو اتحاد عُدّ تجسيداً لتوصيات زعيم "القاعدة"، أيمن الظواهري، الذي طالب أكثر من مرة بالتوحد من أجل القوة.

إن كان التحدث عن تأثير سقوط "عشماوي" على "القاعدة" بشكل عام أمر فيه مبالغة، فانه وعلى المستوى المصري يبدو تأثيره أكثر واقعية. والسبب في ذلك أنه عندما أسس تنظيمه "المرابطون" كان هدفه تكوين كيان لـ"القاعدة" في مصر.

لقد أعادت تجربة عشماوي مع "المرابطون" تلك المحاولات الفاشلة لـ"القاعدة" لخلق حضور لها في مصر أو حاضنة شعبية. وبدأ ذلك من "قاعدة الجهاد في أرض الكنانة" عام 2006 عبر القاعدي "أبو جهاد محمد خليل" (قُتِل في باكستان عام 2008)، ثم جماعة "أجناد مصر" التي تأسست في كانون أول/ يناير 2014، لكنها تفككت بانهيارها عقب تصفية مؤسسها "همام عطية" عام 2016 ومقتله داخل شقته في مدينة الجيزة المصرية.

ورغم نجاح "القاعدة" ثم "داعش" في تنفيذ بعض العمليات الارهابية في مصر، الا أن الأمن المصري استطاع، ومرات عديدة، في توجيه ضربات قوية هزت التنظيم ودمرت بعض كياناته.

من هنا فان، في سقوط "عشماوي" سقوط لمحاولة جديدة للقاعدة للعبور إلى مصر. ولعل هذا السقوط ما كان ليتم الا بتعاون بين الجيش الليبي والمخابرات المصرية.

ومهما يكن من أمر، فان ما ينبغي الانتباه اليه هو أن الضغط المستمر على ليبيا سيفقد هذه التنظيمات العديد من كوادرها، لكنه من جهة أخرى سيدفعها لإيجاد مأوى جديد، وهذا ما تجب مراعاته في العمليات العسكرية والامنية، خصوصا التنسيق بين الدول المرشحة لتكون ساحة جديدة للإرهاب.

2018-10-19