ارشيف من :آراء وتحليلات

معالم النظام الاقليمي الذي تريده أمريكا

معالم النظام الاقليمي الذي تريده أمريكا

قد تكون أصعب اللحظات التي تمر بها الأمم هي لحظات التشتت وفقدان البوصلة والضباب الذي يحول دون استكشاف القادم القريب.

 

وقد تكون هذه اللحظات ربما أصعب من لحظات المحنة والخطر والحروب، حيث في لحظات الأزمة يعرف كل طرف تكليفه وفقا لموقعه وانحيازاته، بينما في لحظات الفتن والضباب، يحدث الارتباك والذي قد ينتج عنه شلل الحركة وفقدان القدرة على التصرف.
والأمة والمنطقة بشكل عام تمر بلحظة شبيهة بالتشتت والضبابية وهو ما أصاب شعوبها بما يشبه الشلل.

وكي نصل لحل وبديل مقترح ينبغي أولا الاطلاع على تحليلات رصينة لوضع الأمة وتوصيف حالتها، ثم الاطلاع على نموذج صارخ لما يراد لها، ومنه ننتقل لاقتراح البديل.

أولا: تحليلات الوضع الراهن، استفاض الكثير في الادلاء بها، ومنها الغث ومنها الثمين، ولعل المجال هنا يناسب عرض تحليلات غربية، لتميز هذا النوع من التحليلات بميزتين هامتين، الأولى انها دقيقة وعلمية، والثانية انها تكشف ما بين سطورها نوايا الغرب او مقترحاته وبدائله التي تلائم مصالحه، ومن متابعة صحفية لمراكز الدراسات والاصدارات الحديثة فإننا يمكننا رصد فحوى هذه التحليلات في عدة نقاط:

1/ هناك نوع من الشغف والترقب لشكل الشرق الاوسط الجديد، حيث تلفت مقاربة محيرة الى أن النظام القديم ما قبل انتفاضات (الربيع العربي) من المحال عودته، وكذلك الشكل الليبرالي الغربي وبعد تفاعلات "الربيع العربي" والتي ألقت عليه بالشبهات، من الصعب ولادته سيطرته ليصبح هو النظام الجديد.

2/ هناك محاولات راهنة لتشكيل أنظمة تخلط بين النظامين، أي الاستبداء ذو المسحة الاصلاحية، مثل الرؤى التي يتحدث عنها ابن سلمان واصدائها في دول أخرى لكي تصبح شكلا جديدا تسيطر من أعلى لأسفل بادعاءات اصلاحية تلاقي قبول الغرب!

3/ افتقاد الثقة في جميع الايدلوجيات والرموز باعتبارها لم تحقق شيئا، فلا القومية ولا اليسارية وغيرهما حقق شيئا، والفجوة تستمر في عصر التكنولوجيا بين الواقع والمأمول، ويلاحظ أن الغرب يدعم ويلح على هذه النقطة تحديدا ليصبح تشكيل النظام الجديد متوافقا مع مصالحه دون أي ايدلوجيات تتعارض مع هذه المصالح.

ثانيا: النموذج، وهنا نجد ان نموذج محمد بن سلمان، هو النموذج الصارخ والذي يريده الغرب لمستقبل المنطقة، حيث الاستبداد والسيطرة على جميع المفاصل وتطويعها لخدمة أجندة امريكا والصهاينة والغرب، مع "مسحة" اصلاحية ليبرالية لترويج النموذج وتسويغ شرعيته.

بالطبع محمد بن سلمان كشخص ربما يتجه بعد الحادث الأخير لفقدان مستقبله السياسي بسبب سياساته في اليمن وقطر ومؤخرا جريمة القنصلية بحق الكاتب جمال خاشقجي والتي لن يستطيع محو تداعياتها حتى لو أفلت من عقابها قانونيا عبر كبش للفداء، ولكننا هنا نتحدث عن نموذج يراد له ان يعمم في النظام الاقليمي ويصبح ملمحا للشرق الاوسط الجديد، وملخصه:

نظام خال من الايدلوجيا ومتوافق مع المصالح الاقتصادية للغرب وضامن لأمن الكيان الصهيوني، وبالتأكيد قوي بالداخل يستطيع قمع اي معارضة ايدلوجية، او حتى اي معارضة لتوجه النظام المتماشي مع مصالح الغرب.

وقبل الحديث عن البدائل، يجدر هنا ذكر توصيات ريتشارد ن. هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية الامريكية بخصوص قضية خاشقجي والقناعة الامريكية بتورط ابن سلمان بها، حيث تكشف التوصيات الاعمدة التي يرتكز عليها الغرب في دعم الانظمة الجديدة وبالتالي هدمها عند حدوث خلاف كالخلاف الاخير، وجاءت توصيات ريتشارد كما يلي نصا: سيكون من الحكمة التمييز بين السعودية و MbS (محمد بن سلمان)، هذا من شأنه أن يوقف أي احتضان غير مشروط. يجب ألا تكون هناك دعوات إلى البيت الأبيض أو داوننج ستريت. يجب على الرؤساء التنفيذيين والمساهمين والعاملين إعادة النظر في الشراكة مع الحكومة في الرياض طالما أن نظام MbS هو المسؤول. يجب أن يضع الكونغرس الأمريكي قيودًا على استخدام المعدات العسكرية والمخابرات التي تزودها الولايات المتحدة. وهي خطوة تأخرت كثيراً في حالة الحرب المضللة في اليمن، لكن تأخرها أفضل من عدمها. يجب على الحكومات الضغط علناً من أجل إجراء تحقيق مستقل وغير مقيد لما حدث في إسطنبول". انتهى كلام ريتشارد.

ومن كلامه نرى ان الاستضافة في البيت الابيض وداوننج ستريت ومجتمع الاعمال هي الشرعية الامريكية للانظمة الجديدة، كذلك الدعم بالسلاح لحروب عدوانية ظالمة تنطلق من المصالح لا المبدأ، ويمكن منعها كعقاب.

ثالثا: البديل للمنطقة والذي يمثل مخرجا يخدم شعوب المنطقة ولا يخدم غاصبيها، ينبغي ان ينطلق من اتفاق الشعوب على رفض هكذا انظمة، ومن الاتفاق على حد ادنى من ايدلوجية وطنية وانسانية.

وينبغي ان ينطلق البديل من قناعة مسكوت عنها في تحليلات الغرب اوصلتنا لهذه الحال، وهي الاستعمار ورعاية هذا الاستعمار للمستبدين المحافظين على مصالحه.

لا شك ان خللا كبيرا أصاب الوعي بفعل التشويه للتحرر الوطني والمقاومة، ووضع انظمة التحرر مع الاستبداد في سلة واحدة، وكذلك وضع المقاومة مع الارهاب في سلة اخرى، وهو ما نعترف أنه أصاب وعي الشعوب ونجح في تشتيتها، ولكن هذه المرحلة كاشفة وتجاوزت المراحل الرمادية، حيث انتزعت الأقنعة، وأقيمت الحجة على الشعوب.

لا نرى مخرجاً سوى المقاومة ودعمها، فهي ايدلوجية جامعة ومعادية لأعداء الشعوب ولها مشروعها التحرري وكفيلة بتوحيد الجهود وتوفير البوصلة لاعادة إعمار ما تم تخريبه اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.


 

2018-10-20