ارشيف من :مقالات
أين أصبح ملف الإسكان؟
في الخامس والعشرين من أيلول/سبتمبر المنصرم، أقرّ مجلس النواب مئة مليار ليرة لدعم الاسكان. خبرٌ أثلج قلوب اللبنانيين، الطامحين لامتلاك منزل في بلد أصبح فيه هذا الأمر حلماً. فغالبية الشباب يجدون أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مر، إما الايجار أو شراء منزل عبر الاسكان. الأخير، ورغم ما يحمله من أعباء إلا أنّه يبقى الأفضل، وفق حسابات العديد من الشبان. هؤلاء لطالما يأخذون على دولتهم غياب أية رؤية اسكانية تضع حدا لمعاناتهم. كثر منهم ضاقوا ذرعاً حين توقفت القروض السكنية نهاية العام الماضي. عشرة أشهر ثقيلة مرّت عليهم لم يتركوا استفساراً أو سؤالاً إلا وطرحوه حول عودة العمل بالقروض، المتنفّس الوحيد لديهم.
اليوم، وبعد مرور حوالى الشهر على فتح اعتماد إضافي بقيمة مئة مليار ليرة لدعم قروض الإسكان لمدة عام، تكثر الأسئلة التي تقلق المواطنين لجهة تاريخ البدء بتنفيذ القرار، ومعدل الفائدة التي سيدفعها المواطن، في وقت لا تزال فيه المفاوضات جارية على قدم وساق بين مؤسسة الاسكان من جهة والمصارف من جهة أخرى. فأين أصبح ملف الإسكان؟.
فور إقرار دعم القروض السكنية، كثر ظنوا أنّ مسألة تسيير طلبات الاسكان لن تتعد الأيام، لكن الأمر لم يكن بهذه البساطة. خطوة إقرار البرلمان، تتطلّب حكماً العديد من الخطوات، على رأسها المفاوضات مع المصارف، التي تتحدّد على أساسها نسبة الفائدة التي سيدفعها المواطن. مدير عام المؤسسة العامة للإسكان الاستاذ روني لحود يتحدّث لموقع "العهد" الإخباري عن آخر أخبار ملف القروض السكنية، فيشير الى أنّ المفاوضات لا تزال جارية مع المصارف. مؤسسة الاسكان اقترحت منتجاً جديداً على المصارف بانتظار الرد عليه. لا ينكر لحود أنّ الأجواء ايجابية في هذا الصدد، لكنه لا يستطيع الجزم، ريثما تجري الاجابة على عرضنا خلال أيام".
يرفض لحود الغوص في تفاصيل المنتج المعروض على المصارف، لكنّه يكشف أنّ نسبة الفائدة التي سيدفعها المواطن بموازاته ستكون حوالى الخمسة بالمئة، وذلك خلافاً لكافة الشائعات التي سرت فور اقرار القانون، والتي نوّهت الى أنّ الفائدة قد تصل الى 12 بالمئة. وهنا يُشدد لحود على أنّ راحة المواطن هي هدفنا. جُل ما يعنينا، يقول لحود، هو عدم تكبيد المواطنين أعباء كبيرة أو فوائد مرهقة، ومن هنا كان الدعم من قبل الدولة للمصارف والذي تبلغ نسبته حوالى 5 بالمئة أيضاً، وكل ذلك في سبيل جعل الفائدة معقولة على جيوب المواطنين". فماذا عن الأموال المرصودة للدعم، هل أصبحت في حوزة المؤسسة العامة للإسكان؟، وهل تكفي مقارنةً بالطلبات التي تتلقاها المؤسسة سنوياً؟.
يؤكّد لحود أن لا عرقلة حتى الساعة تعترض طريق الأموال المرصودة. العلاقة أصبحت مع وزارة المالية، والأمور بحاجة الى بعض الترتيبات البديهية، لتصبح الأموال في جعبتنا. أما فيما يتعلّق بكفاية المبلغ المرصود للطلبات السنوية، فالأمر رهن نسبة الفائدة التي سنرسو عليها في نهاية المطاف. خلاصة الأمر، يقول لحود "الوضع يُطمئن، لكنّ المؤسسة لن تستطيع استقبال أي طلب اسكاني، قبل البت بنسبة الفائدة، ولا تستطيع اعطاء الوعود لناحية الوقت، ريثما تنتهي المفاوضات ويصدر قانون دعم القروض بصيغته النهائية، بمعنى آخر، تصبح الأموال في الجيب" يختم لحود.
موسى: "حبر على ورق"
ومما لا شكّ فيه، فإنّ توقف القروض السكنية، كان له انعكاسات سلبية على السوق العقاري، الذي يعتمد بنسبة 25 الى 30 بالمئة على الاسكان. ملامح الانعكاسات السلبية بدت واضحة في الجمود الذي ضرب الأسواق. فهل أثّر قرار الدعم إيجاباً على حركة الأسواق؟.
رئيس نقابة الوسطاء والاستشاريين العقاريين النقيب وليد موسى يتحدّث لموقع "العهد" عن حركة السوق العقاري، عقب القرار، فيشير الى أنها منخفضة جداً وخجولة، لا بل تكاد تكون أسوأ من السابق. لا يُنكر موسى أن توقف القروض أحدث مشكلة كبيرة في السوق العقاري، وقرار الدعم من المفترض أن يكون له آثار ايجابية تُنعش حركة السوق. لكن وللأسف، يشير المتحدث الى أنّ اقرار الدعم لا يزال بمثابة "السمك في المياه" طالما تغيب الخطة الاسكانية الشاملة. ثغرات عديدة تعترض مشروع القانون المُقر، وفق موسى، فدعم القروض بالقطارة لمدة سنة واحدة بلا أية رؤية مستقبلية، لا يعني سوى مغامرة للمواطن والمصارف على حد سواء. فما الذي يضمن للمصرف في حال تعامل مع المستهلك بفائدة مدعومة لمدة عام، أن يُصار الى دعم الفائدة العام اللاحق؟، يسأل موسى الذي يعتبر أن ما أقر لا يزال حبراً على ورق، ولا يخرج عن سياق الشعارات التي لم تنفذ بل لا يمكن تنفيذها خارج آلية مستدامة للدعم.
لا ينظر موسى بإيجابية الى القرار الذي أقره مجلس النواب طالما لا تزال الأمور ضبابية وسط غياب سياسة اسكانية شاملة تتولى مهمة تنظيم عملية البيع والشراء. يُطالب الدولة بضرورة انشاء وزارة خاصة للإسكان، وفي حال تعذّر الأمر، فلتنشئ مجلساً للتخطيط السكني، بعيداً عن أسلوب "الدعم بالقطارة". برأيه، فإنّ" تأمين مسكن لذوي الدخل المحدود يعتبر أمراً أساسياً وله تداعيات اجتماعية عديدة، على الحكومة تداركها بعد أن وصلنا الى الخط الأحمر".