ارشيف من :مقالات
المدارس الخاصة..السلسلة رهينة وجهتي نظر
لم يغرّد القطاع التربوي في لبنان خارج سرب الواقع المأزوم الذي يقبع تحته البلد. حاله كحال العديد من القطاعات التي لم تسلم من الخلل والأزمات. المدارس الخاصة، واحدة من المنظومة التربوية التي تفتقر الى سياسة واضحة تُحدّد أهدافها، تُشخّص مشاكلها، وتعالج ثغراتها. ولعلّ مشروع القانون 46 الخاص بسلسلة الرتب والرواتب، كشف الوهن الذي يُصيب هذا القطاع. منذ إقراره في الجلسة التشريعية ووضع المدارس الخاصة ليس على ما يرام. تعيش هذه المدارس أسوأ أيامها لناحية الانقسامات بين الجهات التعليمية، والخلافات في وجهات النظر. تماماً كما يعيش الأهالي ضغوطات تُفقر جيوبهم، بموازاة الزيادات الفاحشة وغير المبررة. الأساتذة يشكون الإجحاف وتهرب المدارس من دفع الزيادة "المحقة" بإمضاء القانون. ووسط هذا المشهد الذي يزداد تعقيداً وارباكاً، خرج الى العلن من يعمل على تمرير اقتراح قانون معجل مكرر لتعديل بعض أحكام قانون السلسلة. المشكلة لا تكمن في أصل الاقتراح، بل في مناقشته بعيداً عن المعلمين، أصحاب القضية، وهو ما يُعد سابقة تربوية مرفوضة جملة وتفصيلاً، وفق ما يقول نقيب المعليمن في المدارس الخاصة الاستاذ رودولف عبود لموقع "العهد" الاخباري. فما تفاصيل الاقتراح العتيد؟.
عبود: لا لمبدأ "فصل التشريع"
على حين غرة، استضافت بكركي الخميس الماضي اجتماعاً تربوياً لمناقشة اقتراح يُسقط القانون 46 في مهده. الحضور اقتصر على اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، عدد من النواب، وبعض الخبراء الدستوريين، وهو ما يراه عبود انتقائية في التعاطي، لجهة إبعاد الاساتذة عن حلبة البحث والمناقشة. يستغرب نقيب المعليمن في المدارس الخاصة عدم دعوة الاساتذة للوقوف على وجهة نظرهم، متمنياً على النواب والقوى السياسية الفاعلة عدم الموافقة على الاقتراح لما فيه من اجحاف بحق الاساتذة وتعد على القانون. كيف ذلك؟. يشرح عبود كيف يعمل الاقتراح العتيد على مبدأ "فصل التشريع" ليس بين القطاعين الخاص والعام، بل حتى بين المراحل التعليمية داخل القطاع الخاص، وذلك بأن ينص على إعطاء أساتذة التعليم الثانوي داخل المدارس الخاصة -والذين تبلغ نسبتهم 8 بالمئة فقط- سلسلة الرتب والرواتب، وحرمان أساتذة التعليم الابتدائي والمتوسط من ذلك، -وهم يشكلون نسبة 92 بالمئة من مجمل الاساتذة-، تحت حجج واهية. الاقتراح يتذرّع بإعطاء الزيادة للاساتذة الثانويين حصراً أسوة بالأساتذة الثانويين الذين لحقتهم السلسلة في القطاع العام، ليتساووا معهم بعدد الدرجات (21)، بينما يتذرع بأن أساتذة الابتدائي والمتوسط في الخاص يتساوون مع العام لجهة عدد الدرجات، وهو الأمر الذي يستغربه عبود، ويشكك في مصداقيته، فالعديد من الاساتذة الذين لا يحملون الاجازة التعليمية يتربعون في درجات أدنى من زملائهم في القطاع العام.
مسألة التمييز بين المراحل، يتبعها ثغرة أخرى في الاقتراح تسلب حق الاساتذة في المفعول الرجعي أيضاً، في محاولة للتنصل من القانون. وهنا يُشدد عبود على أن القانون وضع ليُنفّذ وليس ليجري الالتفاف حوله. يجب أن يكون هناك تنفيذ للقانون بعيداً عن المسايرة والمماطلة. لا يُخفي أن النقابة تتحضّر لخطوات تصعيدية في حال بقي الأمر على ما هو عليه. اليوم تعقد مؤتمراً صحفياً، وقد تلجأ للاعتصامات والاضراب المفتوح، وأكثر من ذلك في حال حاولت بعض القوى السياسية تمرير الاقتراح فإن النقابة لن تقبل بأقل من ثورة، لأن الأوضاع لامست الخطوط الحمراء، ولن نقف بموقع المتفرجين، يقول عبود، الذي لا ينكر أن المدارس الخاصة تقبع تحت تأثير "الكارتيلات" القوية التي تعمل على تفسير القوانين على "ذوقها" وبما يناسب مصالحها، حتى لو اقتضى الأمر حد التمييز بين الاساتذة في القطاع الواحد.
عازار: القانون 46 يخلق فتنة
ما يقوله عبود يرفضه جملة وتفصيلاً منسّق اتّحاد المؤسسات التربوية الخاصة وأمين عام المدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار. يشدد أولاً على أنّ القانون 46 يعمل على خلق فتنة في القطاع التربوي. وفق قناعاته، فإنه يفتقد الوضوح لجهة بنوده، ويحتوي على أخطاء قانونية ودستورية تحتاج الى المعالجة، ومن هنا كان الاقتراح المعجل الداعي الى تعديل بعض بنود القانون المُقر والذي أعده أساتذة خبراء في مجال الدستور ولهم باع في العمل القانوني والنيابي. يُعلّق المتحدث على لقاء بكركي فيلفت الى أنه لم يوجه ضد أحد بل أتى ليبحث الكيفية التي يتحول فيها القانون 46 الى قانون أكثر عدالة ومنطق. يرفض عازار الغوص في تفاصيل الاقتراح الذي لم يعلن عنه بعد، لكنّه يشير الى نية تسليمه الى مجلس النواب قريبا ليسلك الطريق القانونية. ولدى سؤاله عن مبدأ "فصل التشريع"، يجيب عازار بأن الاقتراح لا يعمل بهذا المبدأ بل يرتكز الى دراسة احتسابية ويستشف مبدأه من عدة قوانين على رأسها قانون 661 الذي يميز بين القطاعين العام والخاص، وفق قوله.
يرفض منسّق اتّحاد المؤسسات التربوية الخاصة الحديث بمبدأ الربط بين زيادة الاقساط ودفع الزيادة للأساتذة. برأيه، فإنّ زيادة الاقساط ليست عشوائية، بل تستند الى قانون المدارس 515 الذي يحدد كيفية تنظيم الموازنة المدرسية، مطالباً الدولة التي أقرت القانون واعتدت على القطاع الخاص بالتفضل ودفع الدرجات الست الاستثنائية من جيبها، وهو ما لا يستسيغه عبود الذي يرى أن الزيادة غير مبررة في الكثير من الاحيان، وأدت الى تسرب بعض الأولاد من المدارس الخاصة لعدم قدرة الأهل على التحمل، مستغرباً كيف لا تدفع المدارس للأساتذة السلسلة وتقبض باليد الأخرى زيادات خيالية أحياناً.
الأسمر: لا للازدواجية
الكباش الحاصل داخل المؤسسات الخاصة، يعلّق عليه رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر الذي يتبنى وجهة نظر نقابة المعلمين. يصف الاقتراح المنوي تمريره بالسابقة لأنّه لم يقف عند مختلف وجهات النظر. يستغرب الازدواجية في التعاطي مع المعلمين، ويستغرب أيضاً محاولات ضرب لجان الأهل. يصر الاسمر على وحدة التشريع، ودعم نقابة المعلمين. يعلق على تهرب المدارس من الزيادة بحجة عدم وجود أموال، بالقول "أين ذهبت الزيادة على الاقساط منذ خمس سنوات حتى اليوم؟". تلك الزيادة التي انعكست سلباً على الطبقة العاملة في المجتمع والشعب اللبناني. يشير المتحدث الى أنه سيدعو الى اجتماع لمناقشة أوضاع المدارس الخاصة، على أمل أن تضع الدولة سياسة تربوية عادلة وواضحة.