ارشيف من :آراء وتحليلات
قضية خاشقجي ولعبة الإعلام والسياسة

بين استغلال الثغرات الأمنية والإستثمار السياسي ولعبة الإعلام والسياسة، باتت قضية جمال خاشقجي الحدث الأبرز الذي طغى على كافة الأحداث السياسية في المنطقة والعالم. عدة أسباب جعلت من الخاشقجي محط جدالٍ تخطى الإعلام الى الصالونات المغلقة. الرجل جمع بين أداورٍ عدة من الإستخبارات الى السياسة فالإعلام، وتبوَّأ العديد من المراكز التي شكَّلت له نقطة القوة، لكنها في الوقت نفسه كانت نقطة الضعف التي قتلته.
بقي خاشقجي حتى بداية العام 2018، رجل المواقف المتوازنة في الدفاع عن السعودية ونظامها الحاكم. استطاع الجمع بين الوفي للنظام والمُنتقد لسياسته. لكن حملة مكافحة الفساد الأخيرة التي اطلقها محمد بن سلمان، كانت الحدث الذي بدأ معه خاشقجي التحول نحو الصف المعارض. يكفي هذا التحول بالنسبة لمحمد بن سلمان، ليكون سبباً في التفكير في كيفية التخلص من الرجل. الأسباب والخلفيات كثيرة.
خاشقجي خرج من قلب النظام السعودي. علاقته بالإستخبارات السعودية قوية وتاريخية. يمتلك وجهاً إعلامياً إقليمياً ودولياً. قريبٌ من اللوبي السعودي في الغرب لا سيما في أمريكا وبريطانيا. كل هذه الأسباب تكفي لجعله إما فرصة أو تهديدا. ومع رفضه العودة الى الرياض، وقيامه منذ أشهر بتأسيس منظمة "ديمقراطية للعالم العربي الآن" (تُعرف اختصاراً باسم DAWN) في ولاية ديلاوير الأميركية، عنى خاشقجي الإشارة الى أنه ليس ضمن الإطار الذي يريده ابن سلمان، ودعَّم ذلك من خلال تصريحاته وانتقاداته اللاذعة التي خرجت خلال الأشهر القليلة الماضية، وتبنيه لحملة توعوية لدعم الديمقراطية في الشرق الأوسط. تعدَّت حركته ذلك، حيث توجَّه لتشكيل نواة جامعة للمُبعدين والمنفيين العرب في الخارج.
مقتل خاشقجي وبشاعة الإستغلال
في ظل الغموض الذي يُحيط مقتل خاشقجي وغياب الرواية الحقيقية، دخلت قضية الرجل لعبة الإعلام والإستثمار السياسي. يمكن القول إن السعودية المُتهم الأول في القضية، قدَّمت مادة اعلامية لتركيا الباحثة عن مادة للإستثمار. عن قصد أو جهل، جاء مقتل الرجل في القنصلية السعودية على الأراضي التركية، ليُشكل مادة تتشابك فيها الحسابات السياسية والدبلوماسية والأمنية. وبين جشع محمد بن سلمان (الذي يُحكى أنه كان على اتصال مع الفريق المُنفذ للعملية ودار بينه وبين خاشقجي حديث بالصوت والصورة قبل التصفية)، وبين صورة السعودية وعدم قدرة واشنطن على حمايتها، انحرفت القضية عن مسارها الأمني الى قضية ذات طابع دولي أحرج الجميع لا سيما أمريكا والغرب. أتقنت تركيا استغلال الحدث، لتعزيز وضعها الإقليمي من جهة على حساب السعودية، ولابتزاز واشنطن فيما يخص العقوبات الإقتصادية والعلاقة مع الغرب من جهة أخرى. هذه التوجهات هي التي تُفسِّر سبب سفر مديرة وكالة الإستخبارات الأمريكية جينا هازبل الى انقرة ولقائها اردوغان، كما وتُفسر عدم الحسم في خطاب أردوغان التلفزيوني الذي جاء لاحقاً. شكلت هذه أسس الصفقة الأمريكية التركية السعودية.
التداعيات الدولية وإعادة خلط الأوراق
من جهتها جاءت لعبة السياسة لتتناغم مع اللعبة الإعلامية.
إذاً، هي لعبة الإعلام والسياسة. قد تتقاطع فيها المصالح المشتركة لكنها تكون دقيقة وحساسة. قد يلجأ واضعو السيناريو الى افتعال الحدث واستثماره. وقد يلجأون أيضاً لاستغلال حدثٍ قائم. وبين افتعال الحدث أو استغلال حدوثه، باتت السياسة الدولية بأسرها قائمة على هذه اللعبة. لعبة خداع الجمهور وتوجيه الرأي العام حول قضايا إنسانية، فيما الخلفية مصالح سياسية واقتصادية. لكن الأخطر من كل ذلك، هو أن من يُديرون هذه اللعبة اليوم، هم أنفسهم ضحيتها غداً! هذه هي السياسة الدولية في ظل لعبة الإعلام والسياسة.