ارشيف من :مقالات
مسيرة الأربعين... ورسالة الأخوّة العراقية ـ الإيرانية
خلال الأعوام الثلاثة أو الأربعة الأخيرة، شهدت مسيرة زيارة أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام)، ظاهرة لافتة ومتميزة، ألا وهي المشاركة الواسعة للمواطنين الايرانيين، بمستوى أكبر بكثير من أي مشاركة خارجية أخرى.
ولعل عدد المواطنين الايرانيين الزائرين للامام الحسين (عليه السلام) بمناسبة الاربعينية تجاوز خلال العامين الماضيين المليوني شخص، وربما يتعدى حجم المشاركة ذلك الرقم خلال هذا العام.
لا يمكن النظر الى هذه القضية، من زاوية مذهبية ضيقة، واهمال النظر والتأمل في الزوايا الأخرى، لسبب واضح وبسيط جدا، ألا وهو ان القضية الحسينية في مجملها، أخذت بعداً شمولياً عالمياً وإنسانياً، وستبقى كذلك، بل انها تزداد شمولية وعالمية يوما بعد آخر. ولعل المسيرة المليونية الراجلة لاحياء مناسبة الاربعين، التي تتنوع فيها الجنسيات والقوميات والمذاهب والثقافات والمستويات، ابلغ دليل وبرهان على ذلك الامر.
لا شك أن
في جانب آخر، يعكس ذلك الوجود الايراني المليوني، حقيقة أن هناك الكثير من القواسم المشتركة التي تجمع بين الشعبين العراقي والايراني، وأول وأهم وأبرز تلك القواسم، هو التمسك بقضية ومنهج سيد الشهداء الامام الحسين (عليه السلام)، فضلا عن مواجهتهما تحديات مماثلة، وتعرضهما لذات المخططات والمؤامرات العدوانية من قبل أطراف دولية وإقليمية معينة، اضافة الى المصالح المشتركة والمتبادلة بينهما في شتى المجالات.
ولم تعد الرؤية الايجابية لشمولية وعالمية الثورة الحسينية، وللحضور الايراني فيها، مقتصرة على نخب عراقية محددة، بل انها باتت تمتد الى فئات وشرائح اجتماعية عديدة وواسعة، وما ساعد في ترسيخ وتكريس تلك الرؤية الايجابية، التلاقح الثقافي، والحراك الاجتماعي بين الجانبين، والعلاقات السياسية الجيدة، والهموم المشتركة.
وهنا، فإنه لا يبدو غريبا حينما نشاهد ونسمع عن دعوات من قبل مواطنين عراقيين، الى ضرورة استثمار مناسبة زيارة اربعينية الامام الحسين (عليه السلام)، لترسيخ العلاقات، وتكريس قيم الأخوة بين الشعبين العراقي والايراني، على اعتبار أن تلك المناسبة تعد فرصة للتلاقي والبذل والعطاء ونكران الذات، بعيداً عن أي مسميات وعناوين.
كما لا يبدو غريبا انطلاق دعوات عراقية من هنا وهناك، الى تقديم كل أنواع التسهيلات للزائرين الايرانيين القادمين للمشاركة في مسيرة زيارة الاربعين، من أجل اطلاق رسالة قوية ومعبرة عن عالمية وشمولية الثورة الحسينية العظيمة، وعن التلاحم الكبير بين الشعبين العراقي والايراني، فضلا عن كون ذلك يعبر عن نوع من الامتنان حيال المواقف المشرفة للجمهورية الاسلامية الايرانية مع العراق، حينما تعرض للعدوان الداعشي التكفيري قبل أربعة أعوام.
ولعل دعوات من هذا القبيل تنطلق من حقيقة، أن ابداء أقصى درجات الاهتمام والترحيب بالزوار الايرانيين، يعكس في جانب منه طبيعة كرم وضيافة الشعب العراقي، ومن جانب آخر يعكس مستوى العلاقات الطيبة بين الشعبين العراقي والايراني.
وفي ذلك يرى البعض، أن ايران، حكومة وشعبا، تعتبر الأقرب للعراق والعراقيين، لا سيما بعد سقوط نظام حزب البعث ورئيسه الطاغية صدام حسين، اذ لم يبادر أي بلد عربي أو أجنبي الى دعم العراق ومساندته والوقوف الى جانبه في كل المجالات مثلما فعلت ايران.
ما من شك، أن زيارة الاربعين، تمثل فرصة ممتازة لزيادة التقارب والالفة والمودة والمحبة بين العراقيين والايرانيين، وتذويب أي مشاعر وانطباعات سلبية من قبل أي منهما حيال الاخر، وهذا جزء من البعد الانساني للثورة - القضية الحسينية- الذي لا يمكن المرور عليه مروراً عابراً، ولا يمكن القفز عليه وتجاهله عند أي حديث عن واقعة الطف - عاشوراء - ثورة الحسين(ع) - الأربعين.