ارشيف من :مقالات

الليطاني و’المصلحة’.. 173 إجراء في شهرين

الليطاني و’المصلحة’.. 173 إجراء في شهرين

كثيراً ما يتبادر الى أذهاننا لدى الحديث عن أزمة مياه في لبنان، الغنى الذي يتمتّع به هذا البلد المعروف بثروته المائية، والمصنّف كثالث بلد عربي في غزارة المياه. فنسأل كيف ذلك؟. كيف يضطر العديد من اللبنانيين الى شراء المياه، ولبنان يعتبر من أهم مصادر المياه في شرقي البحر المتوسط؟. كيف يلوح شبح الشح في العديد من المناطق  والمياه تجري في الأنهر والبحيرات؟. الإجابة ليست بعيدة، فكل من يُتابع ملف المياه عن كثب لا يتكبّد عناء ليكتشف أن سوء إدارة هذا الملف تكاد تكون مشكلة المشكلات. الإهمال الذي واجهه هذا القطاع على مدى عقود أوصلنا الى ما نحن عليه اليوم. المياه أمام أعيننا ولا نستطيع الاستفادة منها، لأنها بكل بساطة باتت "غير صالحة" وغير مطابقة لأدنى المواصفات والمعايير. نهر الليطاني على رأس تلك الثروة "المُهملة". تُواجه مياهه جريمة كبرى لناحية التعديات التي وصلت حد رمي مياه الصرف الصحي في مجاريه. جراثيم بالجملة تسبح في هذا النهر، الذي يعد من أطول الأنهر اللبنانية، جراء النفايات وتعديات المرامل والكسارات، ما يحرم اللبنانيين الاستفادة منه. 

أهمية الليطاني خزان المياه الكبير في لبنان، دفعت مجموعة ضغط أهلية وبلدية الى فتح ملف التلوث في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2016. فكانت "الحملة الوطنية لحماية حوض الليطاني"، ومعها تحوّل الملف الى قضية وطنية. تكاملت الأدوار، فكان لمصلحة مياه الليطاني -التي أنشئت عام 1954- النصيب الوافر من العمل. أول الدواء الكي، وأول العلاج محاربة الفساد عبر قمع المخالفات، منع التعديات، ولجم الفاسدين. تؤمن المصلحة بأنّ للفساد أوجه متعددة في لبنان، وهذه المشكلة لم تسلم منها حتى المياه. رئيس المصلحة الوطنية لنهر الليطاني الدكتور سامي علوية يتحدّث لموقع "العهد" الإخباري عن الفساد المستشري في قطاع المياه الذي يعاني ما يعانيه من تلوث وتعديات. يؤمن أن الحل لاسترداد ثروتنا المائية وعلى رأسها الليطاني يكمن في عدم التراخي مع أي معتد، وهو في سبيل ذلك يشن حملة لم يسبق لها مثيل، -إذا ما صح التعبير- على صعيد قمع المخالفات وإزالة التعديات. يؤكّد أنّ حوالى 173 إجراء قامت بهم المصلحة خلال الشهرين الماضيين، يتوزعون بين دعوى وإنذار وطلب وشكوى. المطلوب بالنسبة اليه يكمن في تحرير هذه المياه وعودتها الى حالتها الطبيعية للاستفادة منها. تماماً كما يطمح الى أن تسترد الدولة أملاكها النهرية ومواردها المائية. 

 

الليطاني و’المصلحة’.. 173 إجراء في شهرين

 

يأخذ علوية على الدولة غيابها كل هذه السنوات عن نهر الليطاني وما كان يجري له. برأيه، لو أنّ السلطة الرسمية تعاطت بجدية منذ البداية مع كل من تسول له نفسه المخالفة والتعدي لما وصلنا الى ما نحن عليه اليوم. يُرجع علوية الواقع المأزوم للنهر الى ثلاث نقاط: الأولى، تكمن في عجز الادارة، الثانية مردها الى جهل المواطن، أما الثالثة فتتلعق بجشع التجار. سوء الادارة، والخوف، والتسويف منذ الاستقلال حتى اليوم أوصلنا الى المجارير والنفايات وهدر الثروة المائية بلا وجه حق. وهنا يُطالب المتحدّث كل ادارة بالقيام بواجباتها، وكل بلدية العمل بعقلية استفادة الأجيال القادمة من الثروة، لا بعقلية الانتخابات. فالمحاسبة -بنظره- أقل الواجب لقطع الطريق على المعتدين، والمصلحة ستستمر في عملها وستقدم مسحاً شاملاً بالتعديات لإزالتها عن الأرض.

لا ينكر علوية أنّ مهام المصلحة الوطنية لنهر الليطاني لم تكن تُمكِنها من السيطرة على الملوِث ولا رفع التلوث عن نهر الليطاني، لذلك نص القانون رقم 63 تاريخ 27/10/2016 على تخصيص اعتمادات لتنفيذ "الحوكمة"، وعلى اعتبار المصلحة الوطنية لنهر الليطاني هي الجهة المسؤولة عن تنفيذ مهمة "الحوكمة" والتنسيق والمتابعة مع كافة الجهات المعنية برفع التلوث. وهو في هذا الصدد يوضح أنه بات أمام المصلحة خطة للعمل وتصور بالمهام المناطة بها بناء على التعديلات التي أدخلت على القانون 63 وقانون المياه لحماية الموارد المائية من جهة، وحماية الاستملاكات من جهة أخرى، سيعرض لاحقاً على مجلس النواب للبت به. 

يشير علوية الى أنّ مسألة الليطاني لم تعد مسألة محلية، بل باتت وطنية. كل الجهات المعنية باتت مهتمة بالعمل من أجل حل هذه المشكلة، وعدم البقاء في موقع المتفرج. يشرح كيف عمدت المصلحة في الآونة الأخيرة الى توجيه انذارات ودعاوى وشكاوى، حتى باتت الكلمة للقانون في هذا المجال. برأيه فإنّ الوقت الآن للعمل، لا للكلام والشعارات. هناك نية جدية بمحاسبة جميع الجهات المعنية بالملف. وقد شهدنا استدعاء الجهات التي ساهمت في تلوث النهر الى النيابة العامة الاستئنافية في زحلة للتعهد بإزالة التعديات خلال مهلة 15 يوماً، فضلاً عن أنّ العديد من البلديات تعهدت أمام النيابة العامة المالية بإزالة التعديات خلال شهر أو شهرين كحد أقصى.

العمل جار على قدم وساق ولن يتوقف يؤكد علوية الذي يعرب عن تصميمه بمتابعة قضية الليطاني من ألفها الى يائها. يلفت رئيس مصلحة الليطاني الى أنّ "المصلحة" سلكت طريق الملاحقات لأنّ بعض الجهات المعنية بالملف تتهرّب من مسؤولياتها، وليس لديها الرغبة بالعمل، ولم تقم بواجباتها كما يلزم. يُشدّد المتحدّث على أنّ المسار القانوني الذي بدأناه طويل وسنكمل به حتى النهاية. سنكمل به بدعم من مختلف الجهات: المجتمع المدني، الأحزاب، الجمعيات، الإعلام، حتى المؤسسات، لنحافظ على لبنان، وعلى ثروته لتستفيد منها الأجيال القادمة، يختم علوية. 
 

2018-10-25