ارشيف من :آراء وتحليلات

السويفت الروسي: نظام مالي جديد.. يفتح الآفاق

السويفت الروسي: نظام مالي جديد.. يفتح الآفاق

ليست المرة الأولى التي تعلن فيها روسيا انطلاق برنامج ذكي بعيد عن العالمية التي عادة ما تسيطر عليها الشركات الإحتكارية الأميركية الكبرى مثل "آبل" أو "غوغل" أو "مايكروسوفت". ففي السابق أطلقت روسيا برنامج MAPS.ME والذي يهدف إلى تقديم الخدمات المجانية لمستخدميه، والتي تقدمها Google maps. واليوم تطرح روسيا برنامجاً جديداً لنظام التبادل المالي ما بين دول العالم. اذ أنه منذ صوت البرلمان الأوروبي على فرض العقوبات على روسيا إبان الأزمة الأوكرانية في العام 2014 واقترح حجبها عن برنامج سويفت (SWIFT) للإتصالات المالية،  ـ هذا مع العلم أن إدارة شركة سويفت رفضت الإستجابة لهذه عقوبات وصرحت بأنها تضر بمصالح الشركة وحقوقها ـ ، قررت روسيا العمل على إيجاد نظام مصرفي بعيداً عن نظام سويفت، واليوم بعد طرح موضوع العقوبات الإقتصادية من جديد على روسيا قررت إطلاق نظام (FFS) للإتصالات المالية، والذي تم تطبيقه في داخل البلاد منذ زمن. وكان أعلن في آذار/ مارس 2017، أن النظام الجديد سيمكن روسيا الإنفصال نهائياً عن نظام سويفت.

واليوم وبعد أن أثبت نظام (FFS) فعاليته فقد تقرر العمل به على نطاق نصف عالمي. حيث سيتم استخدام هذا النظام ما بين دول آسيا وأوروبا من أجل إتمام المبادلات التجارية في داخل الإتحاد الإقتصادي الأوروآسيوي (EAEU)، خصوصاً بعد القرار الأميركي بتطبيق العقوبات على روسيا، وكإجراء احترازي في حال أوقفت سويفت التحويلات المالية الروسية، والذي سيحيد البرنامج البنكي في روسيا عن تهديدات ترامب ووزارة المال الأميركية كعقوبة لروسيا بسبب موقفها المساند للنظام السوري وبسبب تدخلها في الإنتخابات الأميركية.

السويفت الروسي: نظام مالي جديد.. يفتح الآفاق

كما أن مجموعة من المستثمرين الروس تجاوبت مع دعوة وزير الخارجية الألماني "هايكو ماس"  للإتحاد الأوروبي من أجل تبني نظام تحويلات مالي مستقل عن الولايات المتحدة الأميركية  بديل عن سويفت. وبناء عليه دعا الكسندر شوكين رئيس اتحاد الصناعة الروسي نحو اعتماد نظام مصرفي تنشأه الصين أو الإتحاد الأوروبي. جاءت الحاجة الأوروبية لهذا النظام بعد أن وقعت كل من ألمانيا وروسيا اتفاقية خط غاز "الشمال 2"، والذي عارضته الولايات المتحدة والذي يحتم إيجاد نظام تحويلات مالي لا تتحكم به الأخيرة. ويبدو أن روسيا كانت تنتظر الدعوة الألمانية لتعلن عن نظامها الجديد، الذي ستعتمد فيه كل من "الوان" الصيني و"اليورو" الأوروبي في التعاملات المصرفية. وهذا ما سيؤدي إلى تراجع الدولار الأميركي كعملة وحيدة في التعاملات المصرفية، وبالتالي إلى تراجع دوره الإقتصادي الأحادي على المدى البعيد. ويبدو أن أوروبا اليوم تتجه فعلياً نحو هذا الخيار والذي يحررها من قيود سويفت ويمكنها من الإلتفاف على قانون العقوبات الأميركي المفروض على إيران والشركات الأوروبية التي تتعامل معها.

يلعب النظام المالي الجديد دوراً هاماً في إيجاد طرق للتعامل المالي ما بين أوروبا وإيران
يلعب النظام المالي الجديد دوراً هاماً في إيجاد طرق للتعامل المالي ما بين أوروبا وإيران وخصوصاً بعد خروج أميركا من الإتفاق النووي مع إيران وفرض العقوبات الإقتصادية على إيران مرة ثانية وعلى الشركات الأوروبية التي ستتعامل معها. وبالتالي ترى روسيا أن نظام (FFS)، سيمكن الدول الإسلامية والبنوك الإسلامية من إجراء التعاملات المالية حول العالم والتي لم يكن يسمح لها بتداول الأموال من خلال نظام سويفت، اذ أن روسيا تنوي افتتاح بنوك اسلامية فيها، الأمر الذي يطالب به مسلمو روسيا منذ سبع سنوات. وبالتالي سيشكل النظام بادرة جديدة من أجل فتح آفاق التعامل التجاري على نطاق أوسع في العالم ودون الحاجة للتداول الحصري بالدولار. كما أن التعاملات البنكية التي ستؤمن عبر البنوك الإسلامية المتواجدة في كل من قطر والسعودية وإيران وغيرها من الدول التي تعتمد النظام البنكي الإسلامي ستمكن روسيا من الإستفادة من دوران ثلاثة مليارات من الدولارات عبر بنوكها، واذا ما احتسبت سوريا وعملية الإعمار فيها فقد يرتفع المبلغ ليصبح أربعة مليارات من الدولارات.

على الرغم من نجاح البرنامج البنكي الروسي فإن البعض في العالم الغربي ما يزال يشكك بقدرته العملية
وعلى الرغم من نجاح البرنامج البنكي الروسي فإن البعض في العالم الغربي ما يزال يشكك بقدرته العملية، وفي طليعتهم ماكسميليان هيس الخبير المحلل لمخاطر السياسة في مجموعة AKE، التي مقرها في لندن. والذي يتذرع بأن النظام المصرفي الجديد في روسيا لن يتمكن من كشف الأموال التي يتم تداولها من قبل مبيضي الأموال أو أموال  الجماعات الإرهابية. ويبدو أن التخوف الأهم من هذا النظام هو خروج التعامل المصرفي في العالم عن السيطرة الأميركية، التي لن يمكنها بعد اليوم السيطرة ومراقبة وضبط حركة الدولار بعد اليوم، وبالتالي فإنه في المرحلة القادمة سيبدأ الحديث عن جدوى بورصات كل من نيويورك أو لندن أو طوكيو، لأن المعاملات المالية لن تعتمد خطاً الكترونياً واحداً خلال سيرها مما سيعقد الأمور. هذا مع العلم أن نظام سويفت يصل المعاملات المالية في أكثر من 11 ألف مؤسسة مالية تتوزع في 200 دولة في العالم، ومن هذه المؤسسات والدول: أوروبا والصين واللتان ستطرحان أسهمها عبر نظام (FFS).

مع أن هناك تشكيك في أن إغلاق سويفت في روسيا سيؤدي إلى انهيار النظام البنكي في البلاد وأن أخطاراً ستنجم عن الإنفصال عن النظام القديم، غير أن الإعلان الذي قامت به حاكمة المصرف المركزي الفيرا نابيلوينا بتنفيذ نظام سويفت الروسي بدد هذه التنبوءات. كما أن النائب الأول لرئيسة البنك المركزي الروسي، أولغا سكوربوجاتوفا، أعلنت أن المؤسسات المالية الأجنبية ستبدأ بالإشتراك بالمنظومة الروسية (FFS) خلال العام 2019. أي أن النظام تم تجريبه وبدأ عمله. وبالتالي فقد كان وجود نظام بديل في روسيا بمثابة حماية وقائية لنظام التعاملات المصرفية فيها.

هل هي حرب باردة اخرى يطرحها الروس مع الأميركيين من خلال التطور التكنولوجي؟ حيث يقف الطرفان على طرفي النقض ودون احتمال حدوث مواجهات. وسيبدأ حينئذ سباق التسلح الإلكتروني والمالي عوضاً عن التسلح الحربي. اذ يبدو أن روسيا من خلال البرامج الإلكترونية التي أثبتت أنها قادرة على تطويرها يمكنها أن تكون القطب الآخر في مواجهة الأحادية الأميركية. مع فارقان كبيران هنا، أولهما أن روسيا الإتحادية تختلف في توجهاتها الإقتصادية تماماً عن الإتحاد السوفياتي والنظام الإشتراكي. والثاني، أن مجموع دول ومنها الصين والهند وإيران وسوريا وحتى أوروبا ستتمكن من إعادة بناء اقتصادها أو تدعيمه على أساس لعب الدور الفاعل في الحركة الإقتصادية العالمية وليس بحسب الإصطفافات التي فرضتها، منذ انهيار جدار برلين، الهيمنة الأميركية.

2018-10-27