ارشيف من :آراء وتحليلات
بين التفاؤل والتشاؤم.. صورة ضبابية للحكومة العراقية!
تختلف ظروف وآليات ومنهجيات تشكيل الحكومة العراقية السادسة برئاسة السياسي المستقل والمفكر الاقتصادي عادل عبد المهدي عن سابقتها بجوانب متعددة، في ذات الوقت الذي تشترك معها في جملة نقاط. وبقدر ما تبدو جوانب الاختلاف، بمثابة عوامل دفع نحو اجراء تغييرات واصلاحات جوهرية من شأنها تصحيح المسارات السلبية والسياسات الخاطئة، وتطوق - إن لم تقضي على - بؤر الفساد في منظومة الدولة، فإن نقاط الاشتراك، تؤشر الى أن هناك قضايا واشكاليات لا يمكن معالجتها بيسر وسهولة وخلال مراحل زمنية قصيرة.
وفيما يتعلق بشخص رئيس الوزراء الجديد، فإنه يمتلك رؤى وتصورات وأفكار وحلول علمية وعملية، لمجمل ما يعانيه العراق من مشاكل وأزمات ومخاطر وتحديات، لا سيما في المجالات الاقتصادية التي تبدو الأقرب الى دائرة اختصاصه ونطاق اهتمامه.
ومن خلال عشرات المقالات التي كتبها طيلة أعوام عديدة، تناول عبد المهدي مختلف القضايا والملفات، وأشار الى الكثير من نقاط القوة والضعف، وشخص مواطن القصور والخلل في الهيكل الحكومي، ومنظومة الدولة على وجه العموم، والكيان الاجتماعي، وحدد مسارات الحل والعلاج.
وغالباً،
وبعدما تصدى لمسؤولية الموقع التنفيذي الأول في العراق - رئاسة الوزراء - أسقط مجمل ما كتبه في مقالاته على مدى أعوام، على البرنامج الحكومي، بصيغة أرقام دقيقة، وخطوات واضحة، ومراحل محددة.
ويتفق الكثير من المراقبين والمتابعين، على أنه للمرة الأولى يظهر برنامج حكومي مفصل من مائة واحدى وعشرين صفحة، يخرج من السياقات والاطر التقليدية الانشائية، الى نطاق الارقام العلمية والمطاليب الواقعية. ولعل ذلك يعد أحد أبرز ميزات وخصائص الحكومة الجديدة.
الميزة الأخرى للحكومة الجديدة، هي أنها غادرت وإن بصورة نسبية، التحاصص الحزبي الضيق، والاملاءات والمساومات والترضيات الصارخة، وتشكلت من فريق يبدو الى حد مقبول أقرب الى المهنية والكفاءة منه الى الحزبية الصنمية، دون ان يعني ذلك، التخلص تماما من الاطر والقوالب السابقة بالكامل، لأن هناك حقائق وممارسات وسلوكيات سلبية خاطئة من الصعب بمكان تجاوزها والقفز عنها بين ليلة وضحاها.
الى جانب ذلك، فإن
تمثل ذلك الدعم والاسناد، بالمساحة الواسعة التي تركتها له القوى السياسية الرئيسية لتشكيل حكومته وفوق الرؤية التي يحملها، وبما يتناسب مع الأطر والمحددات التي وضعتها المرجعية الدينية، وحقائق الواقع السياسي التي أفرزت صناديق الاقتراع بعضا منها.
ومع أن القوى السياسية المختلفة لم تكن بعيدة عن مجمل أجواء وظروف اختيار الوزراء، الا أنه ربما كانت هذه هي المرة الاولى التي يغيب فيها اللون الحزبي الواضح عن هوية قسم غير قليل ممن شغلوا الحقائب الوزارية في حكومة عبد المهدي.
أضف الى ذلك، فإن انتقال السلطة من العبادي الى عبد المهدي تم بسلاسة كبيرة، بعيدا عن الضغوطات والتهديدات ولي الاذرع والخصومات.
هذا اجمالا فيما يتعلق بالمعطيات الظاهرة على ارض الواقع، اما بالنسبة لما ينبغي ان يتحقق، او ما وعد وتعهد به عبد المهدي، فإنه يمثل تحديا كبيرا واختبارا صعبا للغاية لرئيس الوزراء الجديد واعضاء حكومته. فعادل عبد المهدي، الذي كتب ونظّر كثيرا لكل مشاكل وازمات البلاد في فترات سابقة، مطلوب منه الآن - لا سيما بعد أن امتلك زمام القرار والسلطة والنفوذ - أن يترجم ما كتبه الى اجراءات عملية تنعكس على حياة الناس وأمنهم ورفاهيتهم، وتنعكس على مختلف مفاصل الدولة والمجتمع، وخلافا لذلك، فإن المواطن العراقي سوف يكتشف لاحقا، ان ما حصل ليس سوى تغيير في الأسماء والمسميات والعناوين لا أكثر ولا اقل.
كما ان المنتظر من عبد المهدي، أن يحدث نقلة كبيرة ونوعية وسريعة في القطاعات الخدمية الأساسية، كالماء والكهرباء والصحة والاسكان والتعليم، وأن يباشر بخطط ومشاريع ناهضة في قطاعات الزراعة والصناعة والأمن، ويصحح المسارات الخاطئة في سياسات العراق الخارجية، بما يضمن عدم اقحامه في اتون الصراعات والنزاعات الاقليمية والدولية، بالشكل الذي يهدد استقلاله وسيادته ومصالحه، وكذلك تقع على رئيس الوزراء الجديد، مهمة العمل على اخراج كل القوات الاجنبية من العراق، وهذا مطلب برز مبكرا جدا الى جانب المطاليب والاستحقاقات الأخرى، حينما بدأ بعض أعضاء البرلمان تحركات لجمع تواقيع من أجل اصدار تشريع بهذا الخصوص.
ومع كل النقاط والجوانب الايجابية المشار اليها، فإن
وكل ذلك يمكن تلمّسه وتشخيصه، عبر قراءة دقيقة ومتعمقة لحيثيات وتفاصيل وظروف تشكيل الحكومة.
وبقدر ما سيكون عادل عبد المهدي مدعوماً من قبل قوى سياسية مؤثرة وفاعلة، لتطبيق برنامجه الحكومي، فإنه سيجد نفسه محاصراً في بعض الأحيان، بإرادات ورغبات ومصالح تلك القوى، بخطوطها القيادية الثانية والثالثة، وهو ما سيدفعه إما الى المهادنة والمجاملة، أو الى المجابهة والتصدي، وفي كلتا الحالتين، هناك استحقاقات وتبعات ومعطيات، لا بد أن تترتب عليها نتائج من نوع معين.
هذه الصورة الاجمالية التي تختلط وتتداخل وتتشابك فيها ملامح التفاؤل ومؤشرات النجاح مع معالم الاحباط وهواجس الاخفاق، لن تتوضح وتتبلور الا بعد ستة شهور على أقل تقدير، لذلك من الخطأ اصدار الاحكام والتقييمات العاجلة والسريعة والانفعالية على مرحلة ما زالت في بداياتها الاولى.