ارشيف من :آراء وتحليلات

زوبعة خاشقجي صخب مقصود يخفي اختراقات إسرائيلية لفرض التطبيع

زوبعة خاشقجي صخب مقصود يخفي اختراقات إسرائيلية لفرض التطبيع

 واهم من يعتقد بأن ما يجري اليوم من مزايدات سياسية في بازار قضية جمال خاشقجي سيؤدي إلى فك ارتباط بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ليس جزماً أو توقّعاً حتمياً مبنيّاً على معلومات بقدر ما هو قراءة واقعية لحركة التاريخ في علاقة التبعية الخليجية عموماً والسعودية خصوصاً للسياسات الغربية، بدءاً من بريطانيا وصولاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وما بينهما تجارب كثيرة وكبيرة حفلت بها المراحل الزمنية، وكلّها تقود إلى خلاصة مفادها أن الأمور تتّجه إلى معادلة تفضي إلى المزيد من المكاسب السياسية والمالية لواشنطن، يستفيد منها الغرب عموماً و"إسرائيل" خصوصاً، أما الخاسر فيها فهي العرب عموماً والقضية الفلسطينية خصوصاً.

الوهابية تاريخ أسود

ليس افتراءاً على التاريخ حين نستحضر الظروف التي ولدت فيها مملكة بني سعود، والحلف الديني - السياسي الذي أنشأته بريطانيا بين محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود في عام 1745، وسمّي آنذاك بميثاق الدرعية نسبة للمكان الذي تم فيه توقيع الاتفاق، وما تبعه من حروب داخلية في الجزيرة العربية بذريعة توحيد الملك، وما رافقه من حملات تصفية عائلية دموية قام بها أمراء بني سعود في ما بينهم بغية الاستئثار بالحكم، والانتقال بالتالي إلى توسيع الهيمنة السعودية باتجاه العراق وبلاد الشام في محاولة لاستهداف الشيعة وهدم المراقد المقدّسة، والسعي لإرساء خلافة وهابيّة على كامل مساحة العالمين العربي والإسلامي، ولكل من يريد الاستزادة العودة إلى مذكرات الجاسوس البريطاني همفر ليتبيّن حقيقة إيجاد وتكوين الفكر الوهّابي وأهدافه التخريبية.

الوهابية = الصهيونية

لكن الأمور لا تقف عند مسار تاريخي، بل كما قلنا متعلّقة بتجارب كثيرة وكبيرة، فإن بنية النظام السعودي تأسست على تكفير كل من هو غير وهّابي بدعوى إقامة حكم الإسلام، وهي في الحقيقة لا تختلف في كينونتها عن النظرية الصهيونية التي تستند "دينياً" إلى مبدأ "اليهود شعب الله المختار" بدعوى إقامة "دولة صهيون" التي تسود العالم، ولئن تطرح إشكالية نفسها بأن الأديان كلها تطرح مبدأ السيادة الكونية، سواء اليهودية والمسيحية أو الإسلام، ولكن تبقى المسألة متعلّقة بالشعار والخطاب والأسلوب والممارسة، وهنا تتبدّى المطابقة بين الوهّابية والصهيونية، وبموازاة ذلك تبرز الكولونيالية المقنّعة التي يسعى الغرب (أوروبا سابقاً وأمريكا حالياً) إلى تحقيقها من خلال إيجاد هذين الكيانين ("إسرائيل" والسعودية) ومتعلّقاتهما من كيانات صغيرة، واستغلال كل ذلك للإطباق على المنطقة.

تركيا بيضة القبّان

وما الصخب الذي يترافق في هذه الفترة مع قضية مقتل الإعلامي - المخابراتي السعودي المعارض جمال خاشقجي إلا من قبيل إثارة الضجيج الذي عادة ما يسبق السبات العام والركود الكامل، وما تضخيم القضية إلى هذا الحد غير المبرّر إلا من قبيل إعلاء صوت الانفجار لتحوير الآذان عن سماع فحيح الاختراقات الخفّية التي تحدث في الحدائق الخلفية، ففي الولايات المتحدة سعار انتخابي جمهوري - ديمقراطي امتطى الموجة لحصد أصوات الناخبين، مستفيداً من الكراهية الكبيرة التي يكنّها الشعب الأمريكي للعرب والخليجيين وللسعودية على وجه التحديد، وهي المدانة بتمويل الإرهابيين الذين يقفون وراء تفجيرات 11 أيلول / سبتمبر، وفي أوروبا سعي استجدائي ليكون لدولها المأزومة اقتصادياً حصة من الخوّة المالية التي تفرضها واشنطن على الرياض، وعين القارة العجوز على تعملق الدور التركي في المنطقة، والذي بات يجعلهم يستشعرون بإرهاصات اجتياح تركي للمنصّة العالمية على صهوة الخلاف مع السعودية، أما تركيا أردوغان فأخطبوط نجح في مد أذرعه الطويلة إلى إيران وفلسطين، وإلى روسيا والصين، وإلى أمريكا و"إسرائيل"، وأصبح في كل تفاصيل هذه الفسيفساء الجيوسياسية في موقع بيضة القبّان.

لماذا اختار  بنيامين نتنياهو أن يبدأ فتح الأسوار الخليجية في هذه الفترة التي تشهد فيها الساحة العربية هشاشة غير مسبوقة؟

ساحات عربية هشّة

ولا أريد هنا البحث في التفاصيل والخلفيات المتعلّقة بمقتل خاشقجي التركي الأصل، السعودي الجنسية، الأخواني الهوى، الأمريكي الإتجاه، المخابراتي الأداء، فإن قضيته ليست سوى هزّة سياسية صيغت بأسلوب مخابراتي وسقط في فخّها غباء سعودي، ويتم الآن استغلال تردّداتها من قبل اللاعبين الكبار لتحصيل المكاسب، ولكن الحديث هو عن العرب الذين يتصرّفون اليوم وكأنّ على رؤوسهم الطير، ويتسلّحون بأموالهم وثرواتهم ويبدون الاستعداد لإنفاقها كلّها - لو احتاج الأمر - حتى يستقرّوا في مناصبهم، وهذا من المتوقّع أن يحصل عاجلاً أم آجلاً، وما يجدر التوقف عنده هd الاختراقات الخفيّة التي وجدت الوقت مناسباً للتسلّل، أو في عبارة أوضح حان الوقت المناسب لكي تتحرّك وتنفّذ ما كان مرسوماً منذ زمن طويل، خصوصاً أن هشاشة الساحة العربية الآن باتت مؤهلة لتحقيق الأهداف.

صفقة قرن بحروف خليجية

وهنا يبرز السؤال: لماذا اختار رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو أن يبدأ فتح الأسوار الخليجية في هذه الفترة التي تشهد فيها الساحة العربية هشاشة غير مسبوقة؟ في البداية لا بد من الإشارة إلى أن العلاقات الإسرائيلية - الخليجية ليست جديدة وليست خفيّة، وليس هناك داعٍ لإعطاء المسألة أكبر من حجمها على مستوى تصنيفات الخيانة، وبالتالي فإن تزخيم وتمتين هذه العلاقات تأتي في مسارها الطبيعي إسرائيلياً، إلا أن الملفت كان في توقيتها، فإن "إسرائيل" الصامت الأكبر حيال أزمة حليفتها السعودية وتابعها محمد بن سلمان، لم تجد من المناسب أن تقحم نفسها في قضية خاسرة، فابن سلمان المتهوّر قد لا يستمر في الحكم أو قد يخرج من المعركة مهشّماً، ولكن الحال المتردية للعرب تستدعي التحرّك سريعاً لتطبيق صفقة القرن بحروف خليجية تحاصر كل الواقع العربي والإسلامي، ولذلك يقود نتنياهو، باعتباره رأس الهرم الإسرائيلي، هذا التحرّك في موازاة اختراقات على مستويات أخرى.

وفي الخلاصة لم تعد الدول العربية، الخليجية وغير الخليجية، تشعر بأي حرج في أن تجاهر بعلاقتها مع "إسرائيل"، وقد يكون هذا هو الثمن الذي ستدفعه السعودية لقاء تسوية ملف خاشقجي والحفاظ على استقرار الحكم في السعودية، وهذه هي المعادلة الأساسية التي يسعى الغرب إلى تطبيقها في المرحلة القريبة المقبلة، ولا يبعد أن تنضم تركيا إلى هذا النسيج، وتبقى إيران وسوريا ولبنان والمقاومة الفلسطينية في موقع المواجهة..
وللكلام بقية.

2018-10-29