ارشيف من :مقالات
الأردنيون يملأون الأسواق السورية: ما أحلى الرجوع إليها
يشهد معبر نصيب الحدودي مع الأردن تدفقاً يومياً لآلاف الأردنيين المتوجهين إلى الداخل السوري.
عود على بدء
تعود الحاجة أم خالد إلى مسرح ذكرياتها عند مدخل سوق الحميدية الشهير، مصطحبة معها ابنها وزوجته وعدداً من أحفادها. تطالع المكان بعين الشوق، فتلاحق نظراتها أسراب الحمام المتهادية على أسقف المنازل والسوق الشهير في الحميدية "والله كأننا تنفسنا من جديد حين قدمنا إلى الشام بعد انقطاع سنوات" تقول السيدة الأردنية لموقع "العهد" الإخباري وهي تحمل مشترياتها من البضائع السورية التي اعتاد الأردنيون اقتنائها كلما كان يجول في خاطرهم زيارة دمشق في مرحلة ما قبل الأزمة.
لا يفوّت الأردنيون فرصة زيارة سوق الميدان الشهير الذي يعتبر مطبخ دمشق العريق. كان لافتاً ذلك العناق الطويل بين الحاج بدر حيدر وبين زبائنه القدامى الجدد ممن كانوا يبتاعون من عنده كل أصناف الحلويات العربية الشهيرة كـ"المبرومة" و"البلورية" ويمضون بها إلى عمان والرمثا وإربد وكافة المدن الأردنية، لتكون خير هدية يحملها العائد من سوريا إلى بقية أهله وجيرانه. روائح الأطعمة الشهية التي يعبق بها السوق تزكم الأنوف. لا يستطيع الأردني رامي حرزلله ورغم الجو العاصف في دمشق أن يمنع نفسه من التوجه إلى حي الميدان لتناول وجبات "المقادم" و"القشة" و"السجق" و"القباوات"، منظر الطعام الخارج لتوه من الفرن يثير في نفسه الشهية والذكريات "كنا نأتي خصيصاً من الرمثا لتناول هذه الأطعمة في حي الميدان ثم نعود في اليوم نفسه إلى مدينتنا، كان الأمر يستغرق ساعات ليس أكثر" يقول حرزالله لموقع "العهد" الإخباري.
التجار يستكشفون
عدد كبير من زوار دمشق من الأردنيين هم من التجار الذين أغراهم انخفاض الأسعار في سوريا قياساً بالأردن، فوجدوا في ذلك فرصة لمتابعة شؤونهم التجارية بعد فتح معبر نصيب. "صحيح أن الأسعار في سوريا قد ارتفعت كثيراً عما كانت عليه قبل الأزمة ولكنها بقيت أقل بكثير من نظيراتها في الأردن مع فرق الجودة طبعاً لمصلحة البضاعة السورية التي تكتسب طابعاً تاريخياً عريقاً يحبذه الأردنيون الذين أوصوني على الكثير من هذه البضائع إضافة للسوريين المتواجدين في الأردن والذين اشتاقوا لبضائع وأكلات بلادهم، أستكشف الوضع تمهيدا لتجارة أعتقد أنها ستكون رابحة لذلك تراودني الكثير من المشاريع" يقول التاجر الأردني خالد الخلايلة لموقع "العهد" الإخباري.
انتعاش إقتصادي
التجار السوريون بدورهم وعلى تفاوت مكانتهم وقدراتهم شعروا بالإنتعاش بعد الزحف البشري الأردني على أسواق دمشق. "القماش السوري والألبسة والأحذية وكافة أنواع المأكولات والحلويات تندرج ضمن حسابات الأردنيي القادمين إلى سوريا، فرق العملة يخدمهم كثيرا، في سوريا هم يشترون بضاعة جيدة بثلث قيمتها في الأردن، وهذا ما يجعلهم يتهافتون على القدوم إلى دمشق، بكل تأكيد نحن نستفيد من وجودهم بعدما باتوا يشكلون كتلة شرائية وازنة وجيدة، هم حركوا السوق بكل بساطة لكنني أؤكد أنهم هم الرابحون الأكبر من ذلك" يؤكد زاهر الموصلي صاحب محل في سوق الحميدية لموقع "العهد" الإخباري. موقف الموصلي تقاطع مع مواقف كثيرة لتجار سوريين خلصوا إلى هذه النتيجة "بفتح معبر نصيب رفع الحصار عن الشعب الأردني وليس السوري وهذا ما يقوله الأردنيون أنفسهم".
دعوة للمعاملة بالمثل
حركة معبر نصيب ومنذ افتتاحه لا تبدو متوازنة في الإتجاهين، فلا قيود سورية على تدفق الأردنيين إلى الداخل السوري الذي يلجه الأردنيون بهوياتهم الشخصية فقط، في المقابل فإن الجانب الأردني يضع شروطا شبه تعجيزية على عبور السوريين إليه، الأمر الذي أثار حفيظة بعض أعضاء مجلس الشعب السوري الذين طالبوا حكومتهم بأن تعامل عمان بالمثل، رفع ذلك من أسهم إشاعة تقول بأن هناك تفكيرا سوريا جديا بدراسة الموضوع، رغم أن العامل الأمني يعمل بقوة لمصلحة دمشق التي أشاد الأردنيون قبل غيرهم بأجواء الأمان التي عاشوها وشاهدوها بأم العين.
القرار السوري بالمعاملة بالمثل سيخضع بطبيعة الأحوال لدراسة جدوى إقتصادية يقرر السوريون على ضوئها ما هم فاعلون، لكن الأريحية السورية التاريخية تجاه الجيران والإرث القومي الذي لا يعتبر العربي أجنبيا في "قلب العروبة النابض " قد يسمح بالثبات على هذه المواقف والإجراءات. "هذا عشمنا بالسوريين" يقول خالد الشاب الأردني الذي ملأ سيارته بالبضائع السورية قبل أن يقفل عائدا إلى عمان.