ما إن تلتقيه لإجراء مقابلة ما، حتى تشعر بأنك تعرفه منذ زمن. اللقاء مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يتميّز بتواضع قلّما تجده لدى العديد من السياسيين. الحديث معه لا يقتصر على نغمة "السؤال والجواب". يملك من العفوية ما يكفي لتشعر أنّك بين أحد أفراد عائلتك. يسارع ليسألك عن أحوالك، وحال العمل، وربما أحوال عائلتك قبل البدء بالحديث. ونحن هنا لا نُفشي سراً، فكل من يعرف الجنرال يلتمس منه كل هذا الاهتمام الذي بقي ثابتاً حتى بعد تسلمه سدة الرئاسة، وفق ما يقول عارفوه. الحديث مع الجنرال يجعلك تكتشف حجم الثقافة الواسعة التي يمتلكها هذا الرجل، وحجم تشبثه بوطنه، ودفاعه عنه. المقاومة بالنسبة اليه خط أحمر يُحرّم المس بها. تماماً كما أنها ثابتة وطنية يستحيل التفاوض حولها. إنها مسلّمة في صلب عقيدته الثابتة التي لن تُغيّرها كرسي رئاسة، ولم تُبدلها مناصب. وعلى أبواب السنة الثالثة لتوليه رأس الحكم، لا يزال الجنرال هو هو. ثابت في مبادئه، غيور على وطنه، ومحب لناسه، وفق ما يقول مدير المكتب الإعلامي في القصر الجمهوري الأستاذ رفيق شلالا لموقع "العهد الإخباري".

بنَفَس المطلّع على يوميات الجنرال والعالم بتفاصيل لقاءاته، يتحدّث شلالا. الرئيس عون قبل الرئاسة تماماً كما بعدها، لجهة قربه من الناس، واهتمامه بهم. يُشير الى أنّ الرئاسة ربما فرضت بعض الموجبات، لكنّها لم تبدّل قربه من الشعب. كثيراً ما يهتم الجنرال لإبقاء هذه الميزة موجودة لديه رغم الانشغالات الكثيرة. فيحمل هم الناس، وفق ما يقول شلالا، الذي يُشير الى أنّ "الطيبة" تكاد تكون السمة الغالبة عليه، رغم أنّه ضابط وقائد سابق للجيش، إلا أنّه سرعان ما يكشف عن وجهه الحقيقي المفعم بالعاطفة والمحبة. حبه للناس يجعله يتسلّل الى أدق التفاصيل، وهذا ما يُفسّر فتحه أبواب القصر الجمهوري أمام مختلف النشاطات ذات الطابع الانساني ( ذوو الاحتياجات الخاصة-الأمراض المستعصية..)، ليعطي توجيهاته على الفور بضرورة إيلاء القضايا الانسانية الاهتمام اللازم، انطلاقاً من أنّ خدمة الانسان تتربع على رأس أولوياته واهتماماته، وفق ما يُضيف شلالا.  

يوم الجنرال حافل

يتحدّث مدير المكتب الإعلامي في القصر الجمهوري عن همّة الرئيس ونشاطه وحبّه للعمل، فيلفت الى أنّ يوم الجنرال حافل يستهله عند الخامسة والنصف فجراً برياضته الصباحية المعتادة، بعدها يبدأ بقراءة الصحف والمقالات، ليتناول الفطور، ويتوجه الى مكتبه الخاص الذي يستقبل فيه فريق العمل والمستشارين من الساعة السابعة والنصف حتى التاسعة، يتسلّم منهم تقاريرهم اليومية، ليفتتح بعدها جدول مواعيده الرسمية، حيث تستمر استقبالاته حتى الواحدة، ويستأنفها عند الثالثة بعد استراحة الغداء، لتتواصل حتى السابعة مساء، يتابع فيها مختلف الملفات الحياتية، المعيشية، الاقليمية والدولية. 

هواياته

كثيراً ما يهتم الرئيس عون بالأرض وخيراتها، فتراه يمارس هوايته المفضّلة في حديقة القصر الجمهوري، يزرع الشتول ويهتم بالمزروعات، وما الصورة التي التُقطت له خلال زرع شجرة الزيتون سوى مشهد مصغّر عن مدى اهتمامه بخيرات الطبيعة، وفق ما يؤكد شلالا الذي يلفت الى أنّ المطالعة تأسر الجنرال أيضاً، وتشكّل رأس اهتماماته، تماماً كما أنّ هواية المشي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من يومياته. 

ما هي رؤيته الاستراتيجية للعام الثالث من عمر العهد؟

وعلى أبواب السنة الثالثة لتوليه سدة الرئاسة في 31 تشرين الاول/اكتوبر 2016، يُصر الرئيس عون على متابعة مختلف الملفات بعزيمة وثبات، حسب ما يقول مدير المكتب الإعلامي في القصر الجمهوري. برأيه، فإنّ نمط العمل  في السنة الثالثة لن يتغيّر كما العامين الماضيين. الرئيس عون سيستكمل متابعة الملفات والقضايا التي تخص الدولة وتهم اللبنانيين، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. سيقارب الملفات انطلاقاً من قناعاته وثوابته ومواقفه الوطنية المعتادة -حسب شلالا- الذي يُشير الى أنّ رئيس الجمهورية سيواصل عمله عام 2019 انطلاقاً من عدة مبادئ أبرزها:

1- تعزيز الوحدة الوطنية أكثر فأكثر خصوصاً بعد الانتخابات النيابية التي حصلت ولأول مرة على أساس النسبية ما أفسح المجال لتمثيل غالبية القوى وتعزيز المسؤولية الوطنية لدى كل الاطراف المعنية ببناء الوطن 

2- تعزيز السيادة الوطنية، وهذا ما بدا جلياً في مواقف الرئيس عون في الأمم المتحدة والجامعة العربية والبرلمان الاوروبي والقمة الفرنكفونية في بريفان، فالرئيس لا يُفاوض على مسألة السيادة الوطنية والقرار المستقل للبنان

3- فيما يتعلّق بالصراع مع "إسرائيل"، فإنّ مواقف الرئيس عون ثابتة، وقد بدا ذلك واضحاً خلال فضحه كافة الادعاءات "الاسرائيلية" في المحافل الدولية، وكشف اختراق "إسرائيل" للقرارات الدولية خصوصاً القرار 1701، وموقفه من بناء الجدار الاسمنتي وكيف أوقف الاعتداء على الاراضي اللبنانية

هذا فيما يخص المبادئ العامة، أما فيما يتعلّق بخريطة العمل في عام 2019 فيؤكّد شلالا أنّ الأولوية ستتركّز على عدة عناوين أبرزها:

1-مكافحة الفساد، حيث سيمضي الرئيس قدماً في هذا الملف الذي بدأه في مسيرته الاصلاحية وحصد بعض النتائج حياله خلال العامين الماضيين، رغم بعض التعثر. الرئيس سيدفع بمزيد من التشدد في هذا الملف، وهذا يشكّل أحد أسباب إصراره على أن تكون وزارة العدل من حصته، فمحاسبة الفاسدين على رأس مسؤولية القضاء

2-الاهتمام بالوضع الاقتصادي والعمل على تحويل النظام الاقتصادي من ريعي الى منتج، لناحية العمل على تحديث قطاعات الانتاج وتأمين فرص العمل، وفي هذا الصدد أتت الاتصالات للاستفادة من فتح معبر نصيب، خصوصاً أن الرئيس عون التزم بإعداد خطة اقتصادية شاملة، حيث عهد الى شركة "ماكينزي" وضع خطة للنهوض، سيصار الى تطبيقها تدريجياً بعدما نالت موافقة الجميع

3- تعزيز الأمن، وهو الأمر الذي يوازي بأهميته مختلف المواضيع الأخرى. لبنان حقّق انجازات مهمة في عملية "فجر الجرود"، حيث طهّر الحدود من الارهابيين، ولاحق الخلايا النائمة، وسيستمر العمل عام 2019 على تعزيز المعادلة الأمنية أكثر فأكثر وفي كل المناطق اللبنانية

4- متابعة قضية النازحين السوريين. الرئيس عون كان من أوائل المطالبين بعودة طوعية للنازحين، وقد حقّق انجازات كبيرة في هذا الصدد، كان آخرها قرار الامم المتحدة بدفع مساعدات للعائلات السورية التي تغادر لبنان نتيجة الجهود التي بذلها العماد عون. هذا الملف سيُكمل به عام 2019، وسيتابعه بكل تفاصيله. 

5- الى جانب مكافحة الفساد، سيولي الرئيس عون اهتماماً خاصاً بالادارة، حيث سيعمد الى استكمال التعيينات، وتشديد عمل الهيئات الرقابية على الادارات

كما سيعمد الرئيس عون الى وضع "أكاديمية الانسان للتلاقي والحوار" موضع التنفيذ وسيتخذ جملة من الاجراءات الادارية والتنفيذية في هذا الصدد، حسب ما يلفت شلالا الذي يختم حديثه بالاشارة الى أنّ الرئيس سيُتابع في السنة الثالثة للولاية ما بدأه بطاقته الايجابية وهمته العالية، وصبره الذي لا ينفذ.