ارشيف من :أخبار عالمية
’ الرحى ’ أو ’الجاروشة’ لم تفقد بريقها في فلسطين
رام الله - العهد
منذ أربعين عامًا لم يتوانى الحاج الفلسطيني عبد الرحمن أبو الرب عن صقل أكوام من الحجارة السوداء التي تشتهر به بلدته " جلبون " الواقعة شرق مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة لـ "صناعة الرحى" أو ما يعرف محليا صناعة "الجاروشة"، التي باتت من التراث واندثر استعمالها مع مرور العصور وأصبحت كنوع من التحف.
وتعتبر صناعة الرحى من المهن القديمة وهي عبارة عن قطعتان من الحجر الأسود الصلب ويوجد في القطعة الأولى مدخلا لوضع الحبوب لطحنها.
فقبل عشرون عاما كانت تجتمع النساء الفلسطينيات في الولائم والمواسم أمام "الرحى" ويبدأن بدورانها عكس عقارب الساعة لطحن جميع أنواع الحبوب كالقمح والبرغل والعدس والحنطة والقهوة، لكن سرعان ما توقفت "الرحى" عن الدوران واختفت أجوائها الجميلة مع تقدم الحياة العصرية وابتكار آلات مختلفة من الرحى العصرية التي توفر الوقت والجهد وتنتج كميات ضخمة في أنواع الحبوب .
انتاج لا مثيل له
ويقول الحاج عبد الرحمن "68 عاما" من بلدة جلبون الذي يعمل في مهنة صناعة الرحى ولا يعرف غيرها "إن أول رحى صنعتها كانت من نصيب والدتي وفرحت بها لأنها ساعدتها كثيرا في طحن حبوب القمح آنذاك".
ويشير عبد الرحمن إلى أن آلة الرحى لا يمكن أن يقارن جودة انتاجها الطيب من الحبوب بالآلات الحديثة التي تفقد بعض الحبوب المطحونة فائدتها وجودتها، موضحا أن هناك أكلات خاصة لا يتميز مذاقها إلا عن طريق طحن حبوبها بواسطة الرحى اليدوية ومنها أكلة " الجريشة " وغيرها.
ورغم انسحاب آلة الرحى من الحياة اليومية ومن عادات الطبخ لدى بعض العائلات الفلسطينية، إلا أن هناك الكثيرون لا يزالون يحافظون على تراثهم ويطلبون من الحاج عبد الرحمن إعداد طاحونة الرحى حتى وإن استخدمت كنوع من التحف الأثرية لتزين منازلهم.
مراحل صناعة الة الرحى
ويقول الحاج إن طريقة إعداد آلة الرحى ليس بالأمر السهل , موضحًا مراحلها التي تبدأ أولا بمرحلة البحث عن الأحجار السوداء في المنطقة التي قذفها بركان ثار في جبال بلدته جلبون قبل آلاف السنين.
واستكمل الرجل الستيني المراحل قائلا "ثم نقوم بنقر الرحى التي تتألف من طبقتين بالأزميل والمطرقة ونعمل على تدوير الحجر بحيث نصل إلى حجر دائري يشبه الغربال مثقوب في الوسط ثم يتم اجراء فتحات من الوسط ونضع عصا من الخشب لتحريك عملية الرحى".
ونقل الحاج عبد الرحمن مهنة صناعة الرحى لأبنائه الذين يساعدونه في جميع مراحل إعدادها، وقال نجله محمد أبو الرب :"إن اختيار الحجر تعد أهم مراحل صناعة الرحى، ويجب أن يتم اختياره بعناية ودقة وهذا ما يجعلنا نستغرق وقتا طويلا في البحث بين أكوام الصخور والحجارة في المنطقة".
وتستغرق صناعة الرحى لأكثر من أسبوع وذلك يعود لحجم ووزن الرحى التي يطلبها الزبون، ويقول أبو الرب" تحتاج صناعة الرحى جهدًا ووقتًا طويلاً ما بين البحث والتنظيف والنقش والتشكيل الهندسي قبل أن تخرج بشكلها النهائي".
انشاء مركز الحجر والرخام
وعلى الرغم من تطور صناعة الحجر والرخام ولعبها دورا هاما في اجمالي الناتج القومي الفلسطيني ومساهمتها في خلق فرص عمل، إلا أنه ينقصها البعد والأفق العلمي المبني على نتائج الدراسات الجيولوجية وتوظيف الكفاءات المدربة والماهرة في هذا المجال، لذلك كانت فكرة تأسيس مركز متخصص لرفد هذه الصناعة بكوادر مؤهلة ومدربة بحيث تسهم في تطور صناعة الحجر والرخام وتساعد في استمرارية الثبات لهذا القطاع.
وفي العام 2009 أنشأ الفلسطينيون مركز الحجر والرخام في جامعة بولتكنك فلسطين في الخليل، ويعتبر المركز المتخصص الأول من نوعه في الشرق الأوسط الذي يعنى بصناعة الحجر والرخام في فلسطين، وهو مجهز بأحدث الماكينات والمعدات، ويقدم تعليم وتدريب مهني وتقني في مجال صناعة الحجر والرخام.