ارشيف من :مقالات
اقتصاد لبنان أشهر من نار على علم
لم يأت تقرير "البنك الدولي" الأخير حول الوضع الاقتصادي الذي يرزح تحته لبنان بجديد. ما صيغ في البيان، يُردّد بشكل شبه يومي على ألسنة غالبية اللبنانيين، من رأس الهرم حتى القاعدة الشعبية. الحديث عن أنّ إطار مخاطر لبنان "يرتفع بشكل حاد"، لا يندرج سوى في خانة توثيق الواقع في مجموعة كلمات. فالحالة الاقتصادية الهشة ليست طارئة على لبنان. إنها خلاصة سنوات من التراكمات، التي لم يُقدّر فيها للإقتصاد الانتعاش طويلاً. عام 2018 كان من ضمن تلك السنوات التي برزت فيها مجموعة مؤشرات حدّدت مسار الاقتصاد الانحداري. وفي هذا السياق، أتت التحذيرات المتكرّرة على مدى أشهر من خطورة الوضع المالي، راسمةً صورة سوداوية عن اقتصاد لم تتخط فيه نسبة النمو عتبة الواحد بالمئة. وهو رقم مخيف في المعادلة الاقتصادية، باعتراف العديد من الخبراء الذين ورغم كل هذا المشهد القاتم يؤمنون بأنّ الاقتصاد اللبناني لا يزال باستطاعته "الوقوف على رجليه". تماماً كما يؤكّدون بأنّ الحل الجذري لكل ما يعانيه لبنان اقتصادياً يكمن في ضرورة شطب هوية لبنان من قائمة الاقتصاد الريعي، والانتقال الى الاقتصاد الانتاجي. فما الذي يساعد لبنان على الصمود حتى اللحظة في وجه مختلف التحديات؟ وكيف السبيل الى إنقاذ لبنان من دائرة الخطر وشفير الانهيار المالي؟.
خوري: الاقتصاد يُقاوم ولكن..
لا يرى وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال رائد خوري في تقرير البنك الدولي أي جديد. ما أعلنه التقرير، نعيه نحن اللبنانيون جيداً. الخارج لن يعرف عن اقتصادنا أكثر مما نعرفه نحن الغارقون في صلب الوضع القائم. يؤكد خوري أن الوضع غير سليم، وهذه مسلّمة متفق عليها بين كافة الأفرقاء السياسيين. يُشبّه صمود الاقتصاد اللبناني أمام كافة المؤشرات السلبية بالأعجوبة. فكيف لاقتصاد أن يقاوم وهو يتحمل عبء مليون ونصف المليون نازح سوري؟. يسأل خوري الذي يُحذّر من استمرار الوضع على ما هو عليه، ففي ذلك دفع بالاقتصاد الى شفير الهاوية، ما يحتّم علينا التحرك لإنقاذه. كيف ذلك؟.
يُجيب خوري في حديث لموقع "العهد الإخباري" بأنّ المسألة ليست مستحيلة. علينا البدء بتطبيق الحلول التي اقترحناها في خطة "ماكينزي". تلك الخطة التي نالت موافقة الجميع لا تعمل بمبدأ "المورفين" والمسكّنات، بل تُبدع في علاج المشكلة الاقتصادية من جذورها، لكنّ الأمر يتطلب وجود حكومة، لننطلق بعدها الى تنفيذ الاصلاحات الضرورية لكسب ثقة المواطن والمستثمر والمجتمع الدولي بعد وعوده لنا في "سيدر 1". يلفت خوري الى أنّ مشكلة المشكلات في لبنان تكمن في قيام اقتصاده على النظام "الريعي". ومن هنا جاءت أهمية خطة "ماكينزي" التي تُحدث نقلة نوعية في ماهية الاقتصاد وتُحوّله الى اقتصاد انتاجي. أهمية الخطة تكمن في تركيزها على القطاعات المنتجة، وتعزيز البنى التحتية لتشجيع الاستثمارات في لبنان.
وزنة: المخاطر تزداد
ورغم كل ما قيل ويُقال في اقتصاد لبنان، لا يزال هذا الاقتصاد قادر على الصمود، لكنّ ذلك لا يعني التعويل كثيراً على هذا الأمر، فكل يوم يمر يُكبّد لبنان خسائر، وفق ما يؤكّد الخبير الاقتصادي غازي وزنة الذي يُرجع مقومات الصمود حتى اللحظة الى ثلاثة عوامل:
1- تحويلات المغتربين من الخارج والتي تبلغ حوالى 7,5 مليار دولار سنوياً
2- نمو القطاع المصرفي المتين والذي تبلغ معدلاته 4.25 بالمئة
3-السياسة الاستباقية الذكية المتبعة من قبل مصرف لبنان لحماية الليرة اللبنانية
العوامل المذكورة تساهم -برأي وزنة- في إبقاء الوضع الاقتصادي حياً رغم وضعه الصعب والدقيق، في ظل ارتفاع نسبة الخطورة التي دفعت البنك الدولي الى إصدار التقرير المذكور. يُحذّر وزنة من أنّ قدرات وامكانيات المصرف المركزي على حماية الليرة تُستنفد، ما يُحتّم ضرورة التحرك لتفادي الأوقات التي يفقد فيها الاقتصاد قدرته على الصمود. والحل حسب وزنة يكمن في الاسراع بتشكيل حكومة لإنجاز الخطوات الاصلاحية والانقاذية الضرورية والتي أبرزها:
1- ضبط الوضع في المالية العامة والتي ارتفع فيها العجز هذا العام أكثر من سبعة مليارات دولار، وسجّل فيها الدين العام أكثر من 85 مليار دولار (لبنان الثالث عالمياً في نسبة المديونية)، وبلغ فيها مؤشر النمو أقل من 1 بالمئة
2 إصلاح مؤسسة كهرباء لبنان، فهذه المؤسسة تُكبّد الخزينة خسارة سنوية تقدر بأكثر من ملياري دولار. 45 بالمئة من الخسارة مردها الى أمور تقنية وفنية. المطلوب تطبيق خطة الكهرباء الموجودة ليستفيد لبنان من مؤتمر "سيدر1" المشروطة قروضه (11 مليار دولار) بإجراء إصلاحات
يُردد وزنة الحقيقة التي باتت معروفة للجميع. لبنان أمام وضع اقتصادي حرج تزداد فيه المخاطر وينتج عنها ارتفاع في معدلات الفوائد على المواطنين. تماماً كما يُحرم المصرف المركزي من استعمال الأدوات المالية غير التقليدية، ما يضطره الى استعمال الأدوات التقليدية لحماية الليرة. يختصر وزنة بالمشهد بالقول "نعيش نمواً اقتصادياً بطيئاً وتأزما عاما في مختلف قطاعات الانتاج".
خطة ماكينزي..العبرة في التنفيذ
وفيما يتعلّق بخطة ماكينزي المقترحة، يؤكد وزنة في حديث لموقع "العهد" أن الخطة إيجابية لاقتصاد لبنان على المدى المتوسّط، لكنّ العبرة تبقى في تنفيذها. فصحيح أنّها تقوم على تعزيز القطاعات الانتاجية والتي حددت في: الصناعة، الزراعة، السياحة، اقتصاد المعرفة، الخدمات المالية، والانتشار اللبناني في الخارج، إلا أنّ الأهمية تكمن في الطريقة التي ستُعزّز فيها هذه القطاعات، ومدى مساهمتها في تحسين الواقع الاقتصادي ورفع معدلات النمو، وخفض مستوى العجز.