ارشيف من :آراء وتحليلات
عودة الارهاب الى مصر.. انتقاء الهدف والتوقيت
ليس جديدا في مصر ان تحدث عملية ارهابية غادرة، وليس جديدا، بل اصبح من المعتاد ان توجه هذه العمليات لصدور مسيحيي مصر، بل اصبح ايضا تكرار العمليات بذات التفاصيل - مثل العملية الاخيرة التي استهدفت حافلة زوار دير الانبا صمويل المعترف بالمنيا – ليس جديدا، حيث تكررت عدة عمليات بنفس التفاصيل!
وبعد توجيه التعازي للضحايا وذويهم وللشعب المصري كله، يجدر القاء الضوء على عدة ملاحظات ترتبط بدلالات نراها هامة من حيث انتقاء الهدف، وكذلك من حيث التوقيت.
اولا: من حيث انتقاء الهدف
1- الهدف يبدو سهلا لدى الارهابيين، فهو استهداف لحافلة من العزل دون حراسة، وفي قلب الصحراء، وهو يشي بأن التنظيم الارهابي لا يتمتع بالقوة التي تكفل له تنفيذ عمليات نوعية كبيرة.
2- يبدو أن الهدف المسيحي، هو الهدف المفضل لدى التكفيريين بمصر، على غرار الهدف الشيعي لهم في العراق، والسني في كثر من البلدان، وهو انعكاس لعقلية المنفذين على الارض من افراد التنظيم الذين تشبعوا من الفكر التكفيري الوهابي، وهنا تجدر وقفة للتفريق بين هؤلاء المنفذين، وبين المخططين أو القادة والذين لا يميزون بين مسلم ومسيحي وسني وشيعي، بل هم قيادات لمافيا دولية تأتمر بأوامر اجهزة استخباراتية عابرة للقارات، والاهداف المنتقاة دينيا تكون لأهداف أبعد، وتكون أيضا لضمان وجود منفذين على الارض ممن طمست عقولهم وغسلت أدمغتهم بهذا الفكر.
ثانيا: من حيث التوقيت
1- تأتي العملية بعد أكثر من عام على عملية مشابهة بل ومتطابقة في التفاصيل وهو يبدو انتقاء لهدف، راهن منفذوه على استرخاء أمني بفعل الفارق الزمني، وايضا على استبعاد أمني لتكرار ذات الحادث بذات التفاصيل.
2- يأتي ايضا الحادث متزامناً مع مؤتمر دولي يعقده الرئيس المصري في شرم الشيخ، وتُوَجّه أولويات الدولة الامنية لحمايته، بعيدا عن بؤرة الحدث.
3- يأتي الحادث في ظل تطورات اقليمية، بدت فيها التنظيمات التكفيرية في ضعف وانحسار بعد ضربات الجيش السوري والمقاومة، وتريد "داعش" ان تعود للصورة مرة أخرى عبر عمليات سهلة وعبر استهداف الحلقات الأضعف في الصراع، وهو ما رأيناه في سوريا مع قوات "قسد" بتواطؤ امريكي تركي، وما رأيناه في العملية الاخيرة، واعادة "داعش" للمشهد هي لأهداف تبدو أبعد وعلى صلة مباشرة بترتيبات اقليمية جديدة مفادها تحضير قوى اقليمية لاحتلال مراكز القوة كبديل عن قوى أخرى.
الأوضاع في الاقليم تبدو متجهة الى تحتل تركيا وكيان العدو الاسرائيلي دوراً أكبر، ويبدو أن الدور السعودي الذي تضخم في العقد الأخير في طريقه للانحسار، وهنا يراد أن تُحكم المنطقة من خارجها، ويراد تعيين شرطي جديد يحظى بقبول دولي، ويبدو أن هناك تسابقا تركيا اسرائيليا على هذا الدور، وترجح الشواهد في الخليج صحة ذلك، عبر الهرولة الخليجية للتطبيع، وكذلك عبر الاتفاقات الامنية مع الاتراك.
ومصر محسوبة على المحور السعودي الاماراتي، المتجه نحو الانحسار، ولقطع الطريق على اطلالة مصرية لوراثة التركة السعودية، لا بد من استدعاء الارهاب مرة أخرى، كي لا تتجاوز مصر المربع الضيق المراد حشرها به، وكي تظل تابعة للشرطي الجديد الذي يحل محل الشرطي السعودي!
هناك بلا شك أشواق روسية وأوربية، مضافة للأشواق العربية لعودة مصر لدورها المستحق واللائق بها، ولكن لا يبدو أن مصر الرسمية نفسها لديها هذا الشوق!
هناك اتفاق على ان مصر مستهدفة تماما كسوريا والعراق والدول العربية الكبرى، ولكن تريد مصر الرسمية تصدير صورة انها ضعيفة جبرا، بينما نرى انها ضعيفة اختيارا.
نعم فالاستهداف يقود الى التحدي والتحالف مع المستهدفين والتنسيق بينهم، ولا يعني الارتماء في أحضان قادة الاستهداف والعمل تحت مظلتهم وبشروطهم.
فلو تساءلنا من هو الذي يتآمر على مصر، هل أمريكا والعدو الاسرائيلي؟ اين هي خطط وسياسات مصر في مواجهة ذلك؟
الاستهداف التركي القطري هو استهداف اعلامي وقائم على إبراز إخطاء مصرية وبلورتها، وهو ما لاقى قبولا شعبيا كفل النجاح لهذا الاعلام عبر زيادة كبيرة للمشاهدات لقنوات تركيا وقطر المعادية للنظام، وتحول الرفض لهذه القنوات عقب الاطاحة بالاخوان للقبول شيئا فشيئا بعد معاناة الشعب من فشل ادارة الاولويات ومن الاداء الركيك للاعلام المصري، والاهم معاناة الشعب اليومية، مما أدى لانصات الشعب للحملة الاعلامية التركية القطرية والتي يختلط بها السم بالعسل!
وكي لا نقوم بالتسطيح وبحصر الاستهداف في الجانب الاعلامي، لأن وراءه ابعادا استراتيجية أكبر، فهل واجهت مصر قطر وتركيا في ملفات استراتيجية كبرى، أم أنها تسير في ذات المسار الامريكي الجامع للفرقاء والذي يهدف لحماية المصالح الامريكية والقضاء على بؤر المقاومة؟
لسنا في حاجة لاعادة ما قيل عن أن أعداء الدولة المصرية هم أعداء سوريا، وأن مقاومة مصر للاستهداف ترادف تحالفها مع المقاومة، لأن فرصا كثيرة واتت مصر الرمية، ولكنها لا تزال تصر على ربط نفسها بالمحور المنحسر، وأقصى الطموح هو البقاء مع الشرطي الجديد لا الغرق مع الشرطي الغارق!
يحلو للكثيرين كالعادة بعد كل استهداف ارهابي أن يحيل الأمر للخطاب الديني وللمؤامرة على مصر ولقطع الطريق على انجازات الرئيس وتخريب السياحة ووو...
لكن وان كان الخطاب الديني بحاجة لاصلاح وازالة آثار العدوان الوهابي على التدين المصري، فإن الشعب المصري لا يتعاطف مع هكذا عمليات، ومن المستبعد ان تقوم حروب طائفية في مصر بسبب وعي مسلميها ومسيحييها بطبيعة هذه العمليات.
الامر الاخر ان بلدا يقوم اقتصاده على السياحة فقط هو بلد ضعيف ولا يستحق الاستهداف، فمصر لديها من الامكانيات والطاقات لتصبح في مصاف الدول الصناعية والزراعية والانتاجية الواعدة، وانجازات الرئيس التي يتحدث عنها الاعلام تبدو بكل أسف متهافتة أمام أوضاع مصر الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ودور مصر الهامشي في الملفات الكبرى!
ان كانت مصر تريد الخروج من كبوتها وانتزاع دورها قبل ترتيبات جديدة ستزداد بها ضعفا، فليس عليها الا الانتفاض والخروج من العباءة الحالية واعادة ضبط تحالفاتها قبل فوات الاوان.