ارشيف من :مقالات
هكذا تكفل الأرقام الانتخابية أحقية تمثيل ’اللقاء التشاوري’ في الحكومة
كثيراً ما يتهرّب الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري من فكرة تمثيل السنّة المستقلين أو سُنّة المعارضة في مجلس الوزراء. منذ تكليفه في 24 أيار/مايو المنصرم لا يُعطي أي اعتبار لأي صوت سني خارج عن عباءة "تيار" المستقبل. يتصرّف وكأنّ تشكيل الحكومة عالق على عقدتين فقط: المسيحية والدرزية، ما يعني إسقاط قضية تمثيل "اللقاء التشاوري" في الحكومة من قائمة حساباته. ولدى السؤال عن اللامبالاة الحريرية لكتلة نيابية وازنة ـ بحسب معاييره ـ ، يأتينا الجواب في عبارة واحدة. تشبث الحريري وإصراره على احتكار الصوت السني في الحكومة.
لا يعير هذا الرجل أي اهتمام لنتائج الانتخابات النيابية التي ضربت آحادية التمثيل السني التي استمرت لسنوات. يتصرّف وكأنّ نتائج الانتخابات النيابية في واد وتشكيل الحكومة في واد آخر. رغم أنّ الأولى تشكّل القاعدة التي من المفترض أن تُبنى عليها عملية التأليف. إلا أنّ الحريري الذي يرفض استرجاع حقبة الانتخابات النيابية الأخيرة المرّة، و"الكابوس" الذي عاشه آنذاك، بدليل خسارته عشرة نواب، يُصر على احتكار "المستقبل" للكلمة السنية في مجلس الوزراء، ضارباً عرض الحائط الأرقام الانتخابية، والتي تكرّس بما لا يقبل الشك أحقية تمثيل سنة المعارضة، فيذهب بعيداً في العناد والتعامي عن الواقع، حتى ولو كلّف الأمر تعطيل عملية التأليف، كما يحصل الآن، تحت شعار "أنا فقط أو لا أحد".
وبالرجوع الى دليل الأرقام الانتخابية، فإنّ عملية احتساب بسيطة تُوثّق حق اللقاء التشاوري (سنة المعارضة) في التمثيل، وذلك استناداً الى ثلاثة معايير:
المعيار الأول، وهو المعيار الأكثر رواجاً ربما، ويعطي سنة المعارضة ـ البالغ عددهم ستة ـ الحق في التمثُل تبعاً لقاعدة "لكل خمسة نواب وزير".
أما المعيار الثاني، فيكمن في احتساب مجموع الأصوات التفضيلية لكل من تيار "المستقبل" والبالغ 178 الف صوت تفضيلي، ومقارنتها بمجموع الأصوات التفضيلية لسنة المعارضة والبالغ 60 الف صوت، أي ما نسبته 22 بالمئة من الأصوات، ما يُعطي سنة المعارضة الحق في التمثُل بأكثر من وزير.
وفيما يتعلّق بالمعيار الثالث، فباستطاعتنا تبيان الحق المذكور، عبر احتساب مجموع الأصوات "السنية" التفضيلية التي نالها الطرفان، وهو المعيار الأكثر عدالة ربما لارتباطه الوثيق بالشارع السني الذي يجب أن يكون الفيصل والآمر الناهي في هذه القضية.
وهنا يتبيّن لنا أنّ "اللقاء التشاوري" نال 42 الف صوت "سني" تفضيلي أي ما يقارب 15,76 بالمئة من الأصوات، فيما نال تيار "المستقبل" وحلفاؤه (من غير السنة) 229 الف صوت سني تفضيلي أي ما نسبته 45,88 بالمئة من الأصوات، ما يُعطي الأحقية للنواب الستة بالمشاركة في الحكومة بوزير في أسوأ الحالات.
وإذا ما أردنا التوسع أكثر في حقيقة الأصوات السنية التفضيلية، فإنّ "اللقاء التشاوري" والأمين العام للتنظيم الشعبي الناصري النائب أسامة سعد فازا بحوالى 50 الف صوت سني تفضيلي، وإذا ما أضفنا الى المجموع المرشحين الخاسرين من "اللقاء التشاوري" فإنّ النتيجة تتخطى عتبة الـ178 الف صوت سني تفضيلي.
سكرية: الدخول الى الحكومة حق لنا لا نتسوله من أحد
أمام هذا الواقع، يتمسّك نواب "اللقاء التشاوري" بحقهم في التمثُل. يُصر هؤلاء على ضرورة تمثيل الشارع السني الذي أوصلهم الى المجلس النيابي. الدخول الى الحكومة حق لا غبار عليه، وليس منة من أحد. أحد أعضاء "اللقاء التشاوري" النائب الوليد سكرية يُؤكد هذا المطلب المحق. يشير في حديث لموقع "العهد" الإخباري الى أنّ الظروف التي مهّدت لاحتكار "المستقبل" الصوت السني انتهت الى غير رجعة. الانتخابات النيابية تُدلل على حق "اللقاء التشاوري" في التمثُل. للنواب الستة شارعهم السني الذي يؤيد المقاومة ويرفض الرضوخ لكلمات السر السعودية. يستغرب سكرية كيف يجري التغافل عن هذا الحق، ومعيار توزيع الحصص داخل الحكومة أتى على أساس مذهبي. الشيعة مُثّلوا عبر حزبَين، وكذلك الأمر بالنسبة للدروز. المسيحيون أيضاً لم يُحتكر صوتهم لحزب واحد. فكيف يريد "المستقبل" التصرف وكأنه الوحيد في الساحة السنية؟.
يروي سكرية كيف قُدر للتيار الأزرق السيطرة على الطائفة السنية بحكم الظروف الاقليمية التي سادت مطلع التسعينيات، حيث حضر الرئيس الراحل رفيق الحريري الى لبنان في فترة تحضّرت خلالها بيروت وبعض العواصم العربية للذهاب الى تسوية مع "إسرائيل". حينها سعت سوريا الى عرقلة هذه التسوية فمدّت يدها الى السعودية ومصر ونجحت في منع الدول العربية من الذهاب الى سلام منفرد مع "إسرائبل". لاحقاً، عقدت القمة العربية في بيروت عام 2002، وكانت نتيجة تضامن عربي رعته سوريا، ما سمح للحريري الأب باحتكار الطائفة السنية وبغطاء من السعودية وسوريا التي كان جل همها منع التسوية مع العدو، وفق ما يقول سكرية، الذي يؤكّد أنه لولا هذه العوامل لما قدر للمستقبل احتكار الصوت السني على مدى أكثر من عقدين، وهذا ما يُفسّر الارتباط الفكري والسياسي لهذا التيار بالسعودية التي تمادت في التدخل بشؤون اللبنانيين، وهذا ما لن نقبله لا اليوم ولا غداً، وفق سكرية.
يختم المتحدّث كلامه بالاشارة الى أنّ الدخول الى الحكومة حق لنا لا نتسوله من أحد، وسنصر عليه، ولن نقول "سمعاً وطاعاً" للإملاءات السعودية.