ارشيف من :آراء وتحليلات
تفعيل العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين روسيا وكوبا
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تعرضت العلاقات الدولية لروسيا (وريثة الاتحاد السوفياتي) لنكسة كبرى، ولا سيما مع الدول التي كانت تعتبر صديقة للاتحاد السوفياتي ككوبا.
ولكن بعد ازاحة عصابات غورباتشوف ويلتسين ومجيء الكتلة القومية بزعامة فلاديمير بوتين، الى السلطة، بدأت روسيا تستعيد توازنها، وتبني من جديد العلاقات مع الدول الصديقة، بمعزل عن المفاهيم الايديولوجية، وبالاستناد الى المصالح القومية لروسيا وللدول الاخرى، والمجابهة المشتركة للنزعة الاميركية والغربية للهيمنة الامبريالية على العالم.
ويدخل ضمن هذا السياق تجديد وتفعيل العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين روسيا وكوبا المغضوب عليها والمحاصرة أميركيا منذ خمسين عاماً.
وكان لخروج واشنطن، أحادي الجانب، من الاتفاقية الخاصة بالصواريخ قريبة المدى ومتوسطة المدى، دور كبير في اقناع روسيا بأهمية العلاقات مع كوبا التي تقع على مرمى حجر من الأراضي الأميركية.
ومؤخراً قام الرئيس الكوبي ميغيل دياس ـ كانيل برمودس بزيارة الى موسكو. وحسب الاعلان الرسمي عن الزيارة والمحادثات التي جرت على أعلى المستويات في 2 تشرين الثاني الجاري، تركز الاهتمام على "تطوير العلاقات الاقتصادية والتعاون العسكري ـ التكنولوجي بين كوبا وروسيا".
وعبرت القيادة الكوبية عن الرغبة في توسيع التعاون في قطاعي الصحة العامة والسياحة والرغبة في جذب الاستثمارات الروسية الى كوبا وبالاخص لتحديث الانتاج ومشاريع الطاقة وشبكة السكك الحديدية. كما اولت اهتماما خاصا لتطوير التعاون العسكري ـ التكنولوجي.
وكما أعلن رئيس لجنة الدفاع في الدوما (البرلمان الروسي)، فلاديمير شامانوف فإن الجانبين بحثا "امكانية الحضور العسكري الروسي في كوبا". ويقدر العديد من وسائل الاعلام أن لهذا ارتباط بانسحاب أميركا من اتفاقية الصواريخ ذات المدى القصير والمتوسط. ومن الدلائل على اهتمام العسكريين الروس بالجزيرة الكوبية، هي الزيارة التي يقوم بها حاليا الى كوبا نائب رئيس الوزراء يوري بوريسوف، المسؤول من قبل الحكومة عن المجمع الصناعي ـ الحربي وعن العلاقات العسكرية ـ التكنولوجية مع الدول الاجنبية. وفي الأسبوع الماضي، شارك بوريسوف في اجتماع اللجنة الروسية ـ الكوبية للتعاون الاقتصادي والعسكري ـ التكنولوجي. ونشرت وسائل الاعلام انه خلال زيارة بوريسوف وقع البلدان اتفاقات تعاون تقدر بمئات ملايين الدولارات. ولكن ليس من المعلوم حجم الاتفاقات ذات الطابع العسكري. الا ان بعض وسائل الاعلام اشارت الى أن القوات المسلحة الكوبية ستشتري من روسيا مدرعات وطائرات هليكوبتر. اضافة الى ذلك سيتم في كوبا وضع منظومة اتصال بالاقمار الاصطناعية الروسية. وليس من المستبعد ان تكون هذه المنظومة ذات استخدام مزدوج (مدني ـ عسكري).
ونذكر هنا أنه منذ أن تسلم ميغيل دياس ـ كانيل برمودس منصب الرئاسة في نبسان 2018، خلفا لراؤول كاسترو، بدأ تفعيل العلاقات الروسية ـ الكوبية. مما يستجيب لعلاقات الصداقة التقليدية بين الشعبين، ويعتبر رداً طبيعياً على العقوبات التي تفرضها أميركا على كوبا منذ ستينات القرن الماضي. وكان الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما قد وعد بإلغائها. ولكن الرئيس الحالي دونالد ترامب عاد فجددها.
وقد صرح الخبير العسكري العقيد الكسندر اوفتشينيكوف "ان تعميق علاقات التعاون الروسي ـ الكوبي هو أمر منتظر. وخاصة ان روسيا لها مصلحة جيوسياسية مرتبطة بخروج أميركا من اتفاقية الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى. وليس من السهل أن تقيم روسيا قواعد عسكرية كبيرة، وتنصب الصواريخ، في كوبا". واضاف اوفتشينيكوف انه "لاجل تدعيم العلاقات العسكرية مع كوبا على موسكو ان تقترح على كوبا القيام بمشاريع اقتصادية فعالة".
كما عبرت وسائل الاعلام الاميركية عن التخوف مما يمكن أن يتمخض عنه لقاء الرئيسين الروسي والكوبي. وأذاعت CNN "ان زيارة الرئيس الكوبي لموسكو تعطي لروسيا منطلقا للتعبير عن التضامن مع كوبا التي توجد ايضا في حالة مواجهة مع اميركا".
ولا بد من الاشارة الى أنه يتوجب على كوبا دين قديم للاتحاد السوفياتي السابق يبلغ 35،2 مليار دولار. وقد اقترح الرئيس الروسي على الجانب الكوبي الغاء 90% من الدين وأن تسدد كوبا الـ10% الباقيية على أن تعيد روسيا توظيفها في مشاريع استثمارية على الاراضي الكوبية ذاتها كمساهمة في تنشيط الاقتصاد الكوبي.
وقال أحد الخبراء العسكريين لصحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" بالقول "ان روسيا تفكر بجدية اننا نحتاج على الاقل الى قاعدتين عسكريتين في كوبا. احداهما مختصة بالحرب الالكترونية مع اميركا. والثانية مخصصة لرسو الغواصات النووية متعددة المهمات. وبالطبع ان انشاء مثل هذه القواعد بالقرب من الجدود الاميركية سيؤدي الى توتير شديد للعلاقات الروسية ـ الاميركية".
ان كوبا هي دولة مستقلة وذات سيادة، عضو في هيئة الامم المتحدة، وتعترف بها جميع دول العالم الصديقة وغير الصديقة. والسؤال الكبير الآن هو: هل تذهب كوبا الى آخر الشوط في ممارسة سيادتها الوطنية، وتحدي الحصار الاميركي، بالطلب القانوني والمشروع من روسيا اقامة قواعد عسكرية روسية على الارض الكوبية، لمساعدة كوبا في الوقوف بوجه القرصنة الدولية والهمجية الاميركية؟!