ارشيف من :مقالات

’العهد’ في دير الزور بعد عام على تحريرها

’العهد’ في دير الزور بعد عام على تحريرها

عام مضى على رحيل آخر داعشي عن مدينة دير الزور التي كانت آخر قلاع التنظيم التكفيري الحصينة في سوريا. عام شكلت أيامه  بالنسبة لأهالي دير الزور غرفة الإنعاش التي خرجت منها المدينة شبه متعافية بعدما كادت تدخل مرحلة الموت السريري على يد تنظيم لم يكن يملك من خيارات البقاء سوى القتل بلا حساب. لكن القتل توقف والحساب مع القتلة سدد وبدأت في دير الزور مرحلة جديدة قوامها الإعمار وعودة الأهالي إلى بيوتهم التي تكفلت الحكومة السورية بإعادة إعمارها تحقيقاً لوعد قطعته، وسابقت الزمن في سبيل تحقيقه.

للقصة دلالتها

يروي خالد العامل في شبكة هاتف دير الزور لموقع "العهد" الإخباري كيف طلب منه العميد الشهيد عصام زهر الدين مع بضعة من العاملين في مؤسسة الهاتف إصلاح بعض الخطوط الهاتفية في مكتبه. أنجزت المهمة على خير ما يرام ووقف العميد الهمام يصافح العاملين ويدعوهم للجلوس في المكتب لإكرامهم والإستفسار عن أحوالهم وأحوال عائلاتهم. يذكر خالد والدموع في عينيه كيف مد الجميع أيديهم وبدون سابق تنسيق إلى حبات التفاح التي دعاهم العميد الشهيد لتناولها، ليأخذ كل منهم ضيافته المفترضة ويدسها في جيبه مستعجلا نهاية اللقاء كي يعود بها مظفرا إلى أطفاله الذين لم يعرف الكثير منهم ربما وبعد سنوات الحصار الطويلة اسماً أو شكلاً أو طعماً للتفاح.   تقول تتمة الحكاية أن العميد الشهيد فطن إلى ما يدور في أذهان ضيوفه، فكان أن أمر بإعطاء هؤلاء العاملين عدداً إضافياً من حبات التفاح، معتذراً لهم عن ضيق الحال، وواعداً إياهم بيوم قريب تعود فيه دير الزور إلى سابق عهدها، سلةً للغذاء الذي كان خيره يصل إلى كل أنحاء البلاد.

’العهد’ في دير الزور بعد عام على تحريرها

لم تكن هذه القصة الحزينة وحيدة في أيام وليالي دير الزور، ولعلها غيض من فيض ما عاناه أهل المدينة والحامية العسكرية الصغيرة المدافعة عنها على السواء من حصار جائر بات فيه الحصول على حبة بطاطا أو بيضة حلما عصيا على التحقق. فالمصدر الوحيد لأسباب الصمود تمثل في بعض المروحيات التي كان طياروها يلقون بسلال المؤونة القليلة مخاطرين بحياتهم بعدما وصل الدواعش مراراً لحدود المطار العسكري، وأوقفوا حركة الملاحة الجوية فيه مراراً مدعومين "بخطأ" أمريكي مقصود استهدف القوات السورية المدافعة عن المطار من قواعدها في جبال السردة المحيطة به.

الكهرباء على مدار الساعة

اليوم بات للحياة طعم آخر في دير الزور، بعدما حضرت الحكومة السورية لتعيد إعمار المدينة وتمدها بأسباب الحياة من بنى تحتية ودوائر حكومية وصيانة شاملة للمنشآت العامة وإعادة تأهيل للمياه والكهرباء وشبكات الطرق. يتحدث خالد ابن حي الحميدية لموقع "العهد" الإخباري عن المفارقة الجميلة "عشنا لسنوات طويلة من دون كهرباء واليوم تأتينا الكهرباء على مدار الساعة، نحن نعيش نقلة نوعية في كل شيئ ونخشى أن نحسد أنفسنا".   

الجرافات التي تزيل الركام من أحياء دير الزور أزالت معها قصصاً حزينة عن مدينة مقطعة الأوصال نجح "داعش" غير مرة في التسلل إلى بعض أحيائها وارتكاب المجازر هناك، مثل مجزرة البغيلية الشهيرة، والفتكة الكبرى بعشيرة الشعيطات، التي راح ضحيتها أكثر من 700 شهيد. انفتحت المدينة اليوم على بعضها البعض وعُبّدت الشوارع المهدمة ورفعت السواتر بشكل نهائي وباتت كافة الطرق مفتوحة من المدينة وإليها. "البضاعة تأتينا من حلب وحماة ودمشق بدون توقف، لم يعد الأمر مخيفاً بالنسبة لسائقي الحافلات فالطرق آمنة وزمن قطعها صار من الماضي" يقول عمر صاحب محل أقمشة لموقع "العهد" الإخباري، فيما عادت خدمات الإنترنت لتعيد التواصل الفكري مع سوريا الوطن وبقية أنحاء العالم.

عودة غالبية العائلات

رئيس مجلس بلدية دير الزور رائد منديل أوضح لموقع "العهد" الإخباري أن "هناك تكثيفاً كبيراً للمشاريع في دير الزور بغية إعادة تأهيل المدينة في زمن قياسي، الأمر الذي فسر قيام عدد كبير من الوزراء بزيارات متتالية وطويلة للمدينة بغية تحفيز العاملين وعدم وجود أية حالة تراخي لتنفيذ هذه المشاريع ضمن الزمن المحدد".

منديل أكد أن نسبة 70 الى 80 في المئة من الأهالي عادوا إلى بيوتهم، والسعي الآن يبدو ملحا لعودة بقية السكان، وخصوصا في الأرياف من أجل أن "ننتقل بدير الزور إلى مرحلة العطاء بدل الإستهلاك، سيما وأن المدينة تحتكم على بنية زراعية عظيمة وثروة نفطية وغازية هائلة، لكن المهم الآن هو إعادة الأمان بمختلف تجلياته النفسية والمادية والإقتصادية والإجتماعية لنفوس الأهالي".

نور التعليم يسطع مجدداً

في دير الزور، عادت المدارس لتفتح أبوابها أمام طلاب كانت قد أغلقت دونهم أبواب العلم لحساب ترهات قرون الجاهلية التي ألزمهم بها "داعش" بعدما حول عجينة براءتهم إلى طينة إجرام تجلت في قيامهم بذبح الأسرى في قلعة الميادين الشهيرة. اختلف الأمر اليوم وبدأ عهد جديد مع التعليم المنصرف إلى بناء الإنسان وتوظيف الدين لخدمته، أما جامعة الفرات الشهيرة والتي شكلت المتراس الأول بوجه تمدد "داعش" نحو المدينة، فكان أن دفعت الثمن غاليا من البشر والحجر كما أكد مدير الجامعة لموقع "العهد" الإخباري.

’العهد’ في دير الزور بعد عام على تحريرها

لا يريد أهالي دير الزور أن يستحضروا ما كان يجري قبل عام، فحسبهم أن المدينة تحررت وأن صفحة سوداء قد طويت وعهدا جديدا مع الحياة قد بدأ.

’العهد’ في دير الزور بعد عام على تحريرها

 

2018-11-07