ارشيف من :نقاط على الحروف
العدو الاسرائيلي وسباقه على القوى الكامنة
يعرف الدارسون للسياسة ان هناك فروقا دقيقة بين مفهوم التوازن الدولي أوالاقليمي، وبين مفهوم الاستقرار. وان ابرز ما يفرق بين كليهما هو الجانب القيمي المتعلق بالرضا عن التوازن، فاذا كان احد الاطراف غير راض عن هذا التوازن فهو يهدد الاستقرار، بينما يمكن ان يتحقق الاستقرار حتى في غياب التوازن اذا سادت قيم التعايش وانتفت المطامع.
وهناك انواع من التوازنات، ولكن ابرزها ما ساد بعد الحرب العالمية الثانية، واثناء ما اصطلح عليه بالحرب الباردة، حيث ساد توازن الرعب، وهو الذي شكل دور رادع لعدم تكرار حروب عالمية، ولكن حدثت الحروب في المناطق والاقاليم التي اختل بها هذا التوازن.
والتوازن الاقليمي لا يقوم فقط على توازن ذاتي للدول المشكلة للنسق الاقليمي، بل يدخل في تشكيله ايضا، نفوذ القوى الدولية وعمق التحالفات وطبيعتها.
وفي منطقتنا التي تعرف استعماريا بالشرق الاوسط، اختلت التوازنات التي سمحت بنشوب الحروب، لاسباب معقدة وتبعا لمعادلات رياضية اطرافها متانة التحالفات مع القوى الكبرى والقوى الذاتية لاطراف الحروب عسكريا واقتصاديا واجتماعيا.
وظلت تجاذبات القوى الكبرى تكاد تكون متعادلة، بما ترك مساحة لتوازنات القوى الذاتية لتفرض معادلاتها، حتى اخل العرب انفسهم بكفة ميزانهم بالتسليم لقوة امريكا واعتبار اوراق اللعبة بيدها، فأصًبح الخصم حكما، وتوالت الانهيارات.
واليوم بعد عودة تعدد الاقطاب، وبعد ان شغلت روسيا والصين فراغا اعقب انهيار الاتحاد السوفيتي، عادت القوة الذاتية لتلعب دورا كبيرا في التوازن، وبعد تنامي محور المقاومة، وخلق توازن للرعب، صار هناك نوع من التوزن الاقليمي، ولكن لا يتحقق بناء عليه الاستقرار الاقليمي، بسبب خلل الجانب القيمي، والذي يرفض معه العدو الاسرائيلي هذا التوازن الاقليمي، والذي ترفض معه امريكا ايضا هذا التوازن الدولي.
من هنا تأتي خطورة الاوضاع، حيث رفض التوازن يهدد الاستقرار وينذر بالحرب، فما بالنا لو كان توازنا للرعب، وهو ما ينذر بأن الحرب ستكون من النوع المدمر، وستكون اي حرب اقليمية غير مسبوقة في دمارها، واي تطور عالمي يشكل حربا عالمية، ستكون غير مسبوقة في الابادة والخراب.
ولأن العدو الصهيوني والامريكي يعلمان جيدا هذه المعادلة، فقد لجأ معسكرهم لتصدير الدمار والابادة لداخل الاقليم وظلت اهدافهم وخططهم تدور حول مقاربات رئيسية اهمها:
1 ـ القضاء على مفهوم قومية المعركة ووجدانيتها للاخلال بالتوازن، وهو باختصار مفهوم الصراع العربي الاسرائيلي او وجدانية ودينية المعركة، بحيث لا ينضم العالم الاسلامي للصراع، وذلك بمحاربة الوحدة، وتفتيت الدول القومية وجيوشها، وعلى الجانب الاسلامي بزرع الفتن المذهبية، وذلك لحرف مسار الصراع وتشتيت القوى، بل وضربها ببعضها البعض.
2 ـ الحيلولة دون بناء القوى الذاتية، عبر فرض انماط اقتصادية تابعة، والقضاء على مفاهيم التنمية المستقلة والانتاج والاقتصاد المقاوم، وكذلك التبعية في التسليح والحفاظ على التفوق الصهيوني، واتباع منطق الحصار لاي مقاومة واي قوى واعدة تستطيع احداث توازن الرعب.
3 ـ محاربة القوى الكامنة والتي يمكنها الانتفاض على الانظمة وتغيير النمط السائد والمستقر منذ كامب ديفيد، وهذه القوى الكامنة هي المتعلقة بالشعوب وقواها السياسية والاجتماعية ووعيها وايمانها وارادتها، فكان مضمار الوعي والارادة هو المضمار الرئيسي للحرؤب ولا يزال، بل ويتكثف حاليا ليصبح مضمارا رئيسيا وجبهة متقدمة.
لماذا لا نتساءل حول انتفاء وجود منظمات دولية وحقوقية تنتقد تزييف الوعي وتزوير التاريخ، مثلما تواجه وتنتقد القمع؟ اليس الوعي حق اصيل من حقول الانسان؟
ببساطة يعرف الغرب ان القمع يمكن ان يفجر القوى الكامنة ويستفزها للاطاحة بالنظام السائد، وبالتالي فهو يحاول التسكين والحيلولة دون هذا الانفجار، بينما قمع الوعي وتزييف الحقائق وحرف المسارات هو المطلوب للقضاء على هذه القوى.
إن اطراف المواجهة سواء في معسكر الهيمنة والاستكبار، او في معسكر المقاومة، تتعامل مع جبهة الوعي، بمثابة جبهة متقدمة للصراع، وبعد حدوث توازنات عسكرية وسياسية، ووجود مقاومة اثبتت جدارتها في التصدي للهيمنة، بقي الصراع والتنافس على القوى الكامنة بالشعوب، بمثابة كعكة كبرى، وعامل مرجح للانتصار.
ومع تغير وتطور مكونات الوعي ووجود اساليب حديثة لتشكيل هذا الوعي، نرى تكثيفا من قبل معسكر العدوان في استخدامها، واصبح لزاما على انصار المقاومة الاصطفاف في وجه هذا التزييف وهذه الحملات.
ان المتابع لمواقع التواصل الاجتماعي وكمية المواد التي تنشر عليها ضد المقاومة، يعلم مدى اهمية هذه المواقع للعدو ناهيك عن مئات والاف المواقع والصفحات ووسائل الاعلام والتي تستغل كسل المعرفة واستسهال الشعوب للصورة بديلا عن القراءة، في تزييف الوعي وزرع السلبية وسلب الارادة.
كذلك زيارات التطبيع مع دول خليجية ومحاولات تشكيل الناتو العربي المزعوم، كل ذلك يمكن فهمه في هذا السياق الحارف للصراع والنازع لقومية المعركة.
ربما تستفيق الشعوب نتيجة كارثة او نتيجة حرب مدمرة، وربما يكون المشوار طويلا لاستعادة وعيها وايمانها وحماستها، ولكن المطلوب الاصطفاف للتوعية والتثوير لاقامة الحجة من جهة، ولضمان سلامة البوصلة عند اي انفجار متوقع من جهة اخرى.
ان صفقة القرن المزعومة لن تمر الا اذا تم تحريف الصراع وتم اضعاف القوى الكامنة، والمواجهة الصحيحة لهكذا صفقات، تكون بالثبات على اسس الصراع وعلى قومية ووجدانية المعركة والوحدة في خوضها، والمحافظة على القوى الكامنة واستقطابها في الاتجاه السليم وهو جانب المقاومة.
كل من ينحرف عن هذه الاسس ويبتكر صراعات اخرى، او يعمل على اضغاف القوى الكامنة سواء بتزييف الوعي او سلب الارادة، وكل من يخل بالقوى الذاتية عبر اقتصاد تابع وتسليح مشروط وعاجز، كل هؤلاء بعيدون عن المعركة ومصطفين مع العدو بوعي او بدون وعي، على هذا يكون الفرز، على الوعي والوحدة والتحرر والاقتصاد المقاوم.