توجه الناخبون الأميركيون مؤخراً الى مراكز الإقتراع لاختيار كافة أعضاء مجلس النواب البالغ عددھم 435 الى جانب اختيار 43 من أعضاء مجلس الشيوخ من إجمالي 100. إستحقاق الإنتخابات النصفية ھو استفتاء أميركي بامتياز. ومن بعدھا يبدأ العدّ التنازلي لانتخابات 2020 الرئاسية.

الاستقطاب حول ترامب، معه وضده، صار أكثر حدة في الولايات المتحدة، مما كان عليه الحال قبل عامين. فـ"الأنتي - ترامبية" تكاد تختصر كل منطق الديمقراطيين في خوض المعركة، فيما ھم يفتقدون حاليا زعامة قيادية كاريزماتية راھنة تخوض المعركة، ويكتفون باستحضار شخصيات متقاعدة، مثل بيل وھيلاري كلينتون وباراك أوباما. أما الجمھوريون، الذين كان قسم منھم متردداً في دعمه ترامب قبل عامين، فإن صورته كقائد لھم باتت أقوى، بخلاف كل ما كان متوقعا، وھذا لم ينجح فيه لا جورج بوش الأب ولا جورج بوش الإبن، ولا حتى رونالد ريغان.

وعلى العكس من الإنتخابات الرئاسية التي تستخدم أصوات المجمع الإنتخابي لتحديد من يدخل البيت الأبيض، فإن إنتخابات الكونغرس تعتمد على التصويت المباشر. حيث يستفيد مرشحو مجلس النواب وحكام الولايات، عادة من الطابع المحلي للإنتخابات النصفية، إذ يركزون حملاتھم على قضايا يومية تشغل الناخب العادي في دوائرھم الإنتخابية، تكون في غالب الأحيان مستقلة تماما عن السياسات الوطنية التي يسنّھا البيت الأبيض. ويسمح ذلك للناخبين بالتصويت لمرشحھم وفقاً لبرنامجه الإنتخابي وأدائه السابق في المنصب،  بمعزل عن توجھات حزبه الوطنية. إلا أن اللغة الحادة التي ھيمنت على المشھدين السياسي والإعلامي خلال السنتين الماضيتين خلطت المحلي بالوطني في كثير من الدوائر الإنتخابية، وارتقت بالإنتخابات النصفية إلى استفتاء على أداء الرئيس ترامب .

وبينما ركز ترامب على القضايا الثقافية والاجتماعية التي ھي في جوھر الاستقطابات التي قسمت المجتمع، مثل الھجرة والھوية الإثنية وزواج المثليين وتعيين القضاة المحافظين، ركز الديمقراطيون على القضايا الاقتصادية والضمان الصحي .

عادة يستغل الأميركيون فرصة الانتخابات النصفية لمعاقبة أو تزكية سياسات الحزب الحاكم على المستويين المحلي والوطني. فإذا كان الناخبون راضين على السياسات الوطنية ومؤيدين للرئيس وحزبه، فلن تغيّر الإنتخابات كثيرا من الوضع الراھن، أما إن كان الناخبون مستائين من أداء رئيسھم وسياسات حزبه، فإن التنافس على المقاعد المطروحة للتصويت يصبح أكثر شراسة.

الاحتمال الثاني كان الأرجح في ظل الإنتخابات الحالية، وسط الانقسام الشديد الذي تشھده البلاد منذ تسلم دونالد ترامب الرئاسة. ويبدو ذلك جليا في خطابات ترامب التي اعتمد فيھا لھجة ترھيبية من عواقب الھجرة غير القانونية ودور الديمقراطيين في تشجيع الجريمة المرتبطة بھا.. كما يظھر أسلوب الترھيب السياسي في خطابات بعض الديمقراطيين، الذين وجّھوا انتقادات لاذعة لسيد البيت الأبيض وداعميه بعد تلقي شخصيات ديمقراطية بارزة طرودا مفخخة مؤخراً.

نتائج الإنتخابات النصفية الأميركية أشارت الى احتفاظ الحزب الجمھوري بـ"مجلس الشيوخ" وسيطرة الحزب الديمقراطي على مجلس النواب. وھذا يعني أن الديمقراطيين إستعادوا الأكثرية التي كانوا فقدوھا في مجلس النواب، وأن الجمھوريين نجحوا في الإبقاء على تقدمھم في مجلس الشيوخ. لكن، ماذا تعني ھذه النتيجة؟!

في ظل الوضع الجديد، وعلى مستوى السياسات الداخلية، سيسعى الديمقراطيون في مجلس النواب إلى توسيع نطاق نظام الرعاية الصحية "أوباماكير"، وفرض ضرائب على الشركات الكبيرة، فضلاً عن إعادة فرض قواعد تنظيمية صارمة على المؤسسات المالية. وفي ھذا الإطار، سيسعى النواب الديمقراطيون الى عرقلة المقترحات التشريعية لبرنامج "لنجعل أميركا عظيمة مجدداً"، وفي مقدمتھا سياسات الھجرة المثيرة للجدل.

محللون يرون أن الديمقراطيين لن يستطيعوا تمرير قوانين لا تحظى بدعم الحزبين، لأنھم لن يحصلوا على دعم مجلس الشيوخ. بالتالي، فإنھم سيلعبون في ھذه الحالة دوراً سلبياً بالدرجة الأولى، عبر معارضة سياسات الإدارة. والكونغرس بحاجة إلى ھذا الدور إذا أراد القيام بالمھمة التي حدّدھا له الدستور الأميركي، وھي مراقبة سياسات البيت الأبيض. بعدما عمل الكونغرس خلال السنتين الماضيتين كأنه امتداد للبيت الأبيض، باستثناء بعض القضايا التي شكلت قطيعة مع موقف ترمب مثل فرض عقوبات على روسيا.

أما على مستوى السياسة الخارجية التي أدخل إليھا ترامب تغييرات جذرية في كل العالم، فمن غير المتوقع للانتخابات النصفية أن تبدّل في وجھتھا أو أن تحمل ترامب على مراجعة سياسته الخارجية، خصوصا في الشرق الأوسط.

فمن المستبعد أن تؤثر نتيجة الانتخابات النصفية سلباً على فرص إعادة ترشيح الرئيس ترامب عام 2020، فالانتخابات النصفية ھي عادة مؤشر لا يعتمد عليه لنتيجة الانتخابات الرئاسية. ومعظم الرؤساء يحصلون على نتائج سلبية في الانتخابات النصفية، لكنھم يفوزون بفترة رئاسية ثانية.

ردا على نتائج الانتخابية التي لم تكن مرضية للرئيس، تحرّك ترامب مدفوعاً  برغبة "حماية الذات"، فواصل إثارة قاعدته الانتخابية بشعار "لنحافظ على عظمة أميركا"، وھو تتمة لشعار "إجعل أميركا عظيمة مجدداً".

في المقابل خصوم ترامب فسروا تراجعه في الانتخابات الى سياسته التي أدت الى تحطيم الصدقية والمكانة السياسية للولايات المتحدة الأميركية على الساحة الدولية.

الى اين يقود ترامب اميركا والعالم بعد الانتخابات النصفية ؟ وما هو مصير "صفقة العصر" التي يريد ترجمتھا عملياً في القريب العاجل؟ و ما هو مستقبل ولي العھد السعودي أحد أبرز أعمدتھا؟ اسئلة تجيب عليها الأشهر المقبلة .