ارشيف من :مقالات

شعرٌ وتاريخٌ و’بونبون’ في ساحة النجمة..‎

 شعرٌ وتاريخٌ و’بونبون’ في ساحة النجمة..‎

كأنهم طلّابٌ متوجهون الى مدرستهم.. هكذا يبدو نواب الأمة وهم يدخلون الى القاعة العامة في البرلمان، حيث تنتظرهم "فروض" التشريع. يرنّ الجرس إيذانًا ببدء الجلسة العامة، يتوزّعون على مقاعدهم. الى الآن، المشهد اعتيادي. تنطلق المناقشات. على جدول الأعمال اليوم 39 بندًا.

يُخيّل للصحافيين المعتمدين في مجلس النواب أن "أصحاب السعادة" جميعَهم منكبّون على دراسة وبحث الاقتراحات والمشاريع والمراسيم المطروحة، إلّا أن الصورة مُختلفة، فمثلًا النائب نعمة افرام منهمك في تصوير "فيديو سلفي" بهاتفه لتسجيل "اللحظة التاريخية"! نواب الكتائب الثلاثة سامي ونديم الجميل والياس حنكش منشغلون بتناول "البونبون". النائب جميل السيد يدوّن سلسلة ملاحظات بقلميْن، أحمر وأزرق، على مجموعة أوراقٍ يضعها بالقرب من "جبل" أوراق أُخرى تحتوي على نسخٍ من القوانين التي تُبحث. النائب هاغوب ترزيان يكشف عن جانب "مضيافي" في شخصيته، فيجول في القاعة غير آبهٍ بالمُداولات لأنه فقط يريد تقديم حلوى، لم تُعرف اذا كانت أرمنية، على ما تيسّر من زملائه.

النواب الآخرون يلجأون الى هواتفهم و"واتسآباتهم"، يقلّبون الصور، يرسلون رسائل نصية، ريثما "يكرج" التشريع، فيعودون لرفع أيديهم عند إحالة الرئيس نبيه بري أيّ بندٍ على المصادقة دون تفكير!

وسط النقاش، وعند الوصول الى المشروع المتعلّق بالموافقة على إبرام اتفاقية تمويل مع البنك الإسلامي للتنمية بشأن إعداد قائمة بالمعدات الطبية في المستشفيات دعمًا للقطاع الصحي في لبنان، برزت مداخلة استثنائية للنائب علي عمار. الأخير وفي معرض تعليقه على الأموال التي تُصرف من قبل وزارة الصحة على المستشفيات ثمّ يُطلب المزيد منها، سرد رواية تقول إن رجلًا سأل عبد الله بن عمر عن دم البعوض اذا كان نجسًا أم طاهرًا، فقال له: من أين أنت؟ أجاب أنا من أهل العراق، فردّ واعجباه من قوم يسألون عن دم البعوض وقد سفكوا دم ابن بنت نبيّهم (ص)".

النائب إسطفان دويهي الذي يتميّز بصوته المُرتفع دائمًا، اختار إلقاء قصيدة شعرية بعنوان "يا وطني". زملاؤه استغلّوا الموقف، راحوا يضحكون ويُصفّقون له ويُطالبون بإعادة إلقائها، فما كان منه إلّا أن تجاوب، غير أن الرئيس بري سرعان ما أعاد الأمور الى نصابها قائلًا "وقّف شو عاملي هون محمد عبد الوهاب! خلص!".

أما النائب القومي سليم سعادة الذي بات معروفًا بصُراخه وهو يطلب الكلام بالنظام، فلقيَ كلمة حادّة من الرئيس بري، حين أصرّ على الكلام ضمن الأوراق الواردة وتبيّن للرئيس بري أنه لم يعد هناك متسّعٌ من الوقت، قال "في واسطة لنحكي بدنا نعرف؟"، ردّ الرئيس "الواسطة عندك وعند غيرك مش عندي. اسمك وارد بس بالدورة الثانية من الجلسة وهناك 4 نواب قبلك بحسب الدور".

رسالةٌ سياسية من نوع آخر وجّهها الرئيس بري هذه المرّة للنائب نجيب ميقاتي. الأخير كان يتساءل عن كيفية المحاسبة أو طرح الثقة بأيّ وزير والحكومة مستقيلة. الرئيس اعترض على كلامه مخاطبًا إيّاه: "ما تزايد عليّ بما يخصّ سعد الحريري!".

خارج قاعة التشريع، ابتسامات و"قهقهات" نيابية توازي إنجازات، لكن أين الانجازات؟ الصورة المتكرّرة في مجلس النواب تُثبت روتينًا مستدامًا: همّةٌ متآكلة لـ"أصحاب السعادة" ومبالغةٌ في التعبير عن إنتاج تشريعي غزير، أمّا رئيس الحكومة فيبدو في وادٍ آخر.. في أيّ همٍّ يُركّز؟ يسأل البعض هنا "ألهذا سحب 7 قوانين اليوم وفضّل عدم مناقشتها على الرغم من أنها لا تحتاج الى تمويل أو أعادة دراسة في اللجان؟".

 

2018-11-12