ارشيف من :مقالات

لهذه الأسباب قدّم الحريري لميقاتي وزيراً على ’طبق من ذهب’

لهذه الأسباب قدّم الحريري لميقاتي وزيراً على ’طبق من ذهب’

لم تعد الأسباب المعرقلة تشكيل الحكومة تحتاج الى تسريبات من هنا أو هناك لفهم التأخير الحاصل. القضية واضحة وضوح الشمس ولا تحتاج الى فرضيات. الأزمة تكمن في حرمان قوة وازنة من الطائفة السنية حق تمثيلها في الحكومة، عن سابق تصور وتصميم من الرئيس المكلّف سعد الحريري. الأخير الذي بدا خطابه بالأمس دون السقف المتوقّع، فشل حين أطلق مواقفه التي تناقض نفسها بنفسها. ولعلّ أهم نقطة برزت في المؤتمر الصحفي، تمثّلت في اعتراف الحريري بأنّه لم يعد باستطاعة حزب "المستقبل" احتكار التمثيل. الحقيقة المُرّة التي لطالما حاول الحريري الاختباء خلفها، لفظها مكرهاً تحت وقع الأرقام الانتخابية.
 
مقابل هذا الإعتراف، حاول الحريري ابتداع مخرج ظناً منه بأنه يُحرج الآخرين، ولا يبدو فيه بموقع من "يُعلَّم عليه"، لكنه لم يفلح. سعي الحريري لتدوير الزوايا عبر توزير شخصية مشتركة بالتوافق مع الرئيس نجيب ميقاتي، ضربة لم يكن فيها معلّماً. فهي خطوة قد تبدو في الشكل مقبولة، لجهة أنّ الحريري لم يعد محتكراً للصوت السني في الحكومة، إلا أنّها في المضمون لا تخرج عن سياق المناورة. فمن يعرف ميقاتي جيداً يدرك أنّه يلتقي والحريري عند عدد لا بأس به من الملفات، خصوصاً الخارجية منها، وهو ما لن يقبله نواب "اللقاء التشاوري" الذين لا يمانعون توزير الحريري لمن يشاء، لكنّهم يرفضون رفضاً باتاً مقايضتهم بأي جهة أخرى، انطلاقاً من القاعدة الشعبية التي يمثلونها، والمبادئ التي تؤمن بها، وأولها المقاومة، وهو الكلام الذي أودعه نواب "اللقاء التشاوري" رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي كلّف وزير الخارجية جبران باسيل العمل على حل مسألة تمثيل سنّة 8 آذار. باسيل ومنذ تلقيه الضوء الأخضر للتحرك لا يزال يُجري لقاءاته، التي استهلّها -كما هو معلوم- مع الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله، واستكملها مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، الرئيس المكلّف، النائب السابق وليد جنبلاط، والوزير فيصل كرامي، على أن تتواصل مع مرجعيات أخرى، عسى ولعلّ تسهم في إيجاد مخرج للحل. 

على ماذا يقوم مسعى باسيل؟

وفيما تكثر التساؤلات حول حركة الوزير باسيل والمسعى الذي يعمل عليه لإيجاد حل يُخرج الحكومة الى النور، أكّدت أوساط رفيعة مطلّعة على مشاورات باسيل أنّ هناك أفقاً للحل، بموازاة بعض السقوف العالية، لكن ليس باستطاعة أحد أن يتوقّع ما ستؤول اليه نتيجة المشاورات. تختصر المصادر المشهد بالآتي: رئيس الحكومة يرفض توزير أي نائب من أعضاء "اللقاء التشاوري". أولئك يُصرّون على أن يتمثلوا بوزير منهم (الأعضاء الستة)، وهذا مطلب محق لهم. حزب الله لا يمانع بأي حل يرضى به "اللقاء التشاوري"، والرئيس نبيه بري أيضاً. الرئيس عون يعمل على تقريب وجهات النظر، عبر المسعى الباسيلي الذي قد ترتكز عليه خشبة الحل. فعلى ماذا يقوم مخرج باسيل؟. ترفض المصادر الإفصاح عن فحوى المخرج، لكنها تستطرد بالإشارة الى أنّه طالما أعطى الحريري بالأمس وزيراً لميقاتي، وسبق أن أجرى مقايضة مع بعبدا عبر وزير مسيحي له، وسني للرئيس عون، فإنّ الرئيس المكلف ليس بوارد ترك أكثر من وزيرين سنيين، لتذهب الأمور باتجاه أن يتخلى رئيس الجمهورية عن حصته في الوزير السني السادس، لصالح توزير شخصية خارج "اللقاء التشاوري" يرضى الأخير عنها أولاً، والرئيس المكلّف ثانياً، بمعنى أن تكون شخصية مقرّبة من النواب الستة، ومقبولة لدى طرفي الاختلاف. 

المخرج يقوم على أن يتخلى رئيس الجمهورية عن حصته في الوزير السني السادس لصالح توزير شخصية خارج "اللقاء التشاوري" يرضى الأخير عنها أولاً

وبالعودة الى خطاب الحريري بالأمس، ثمّة سؤال يطرح نفسه لجهة رأي نواب "اللقاء التشاوري" بكلام الرئيس المكلّف ومواقفه، وهو الأمر الذي يُعلّق عليه عضو "اللقاء التشاوري" النائب الوليد سكرية بالإشارة الى أنّ المراوغة والمناورة التي أطلقها الحريري لجهة توزير مقرب من ميقاتي، لن تجدي نفعاً، ولن تُثنينا عن مطالبتنا بحقنا في التمثل بالحكومة. يشدد سكرية على أنّ أعضاء "اللقاء التشاوري" ليسوا معنيين بأي تفاهم بين ميقاتي والحريري، ولا يمانعون توزير الرئيس المكلف لمن يشاء، جل ما يعنيهم إعطاء أحد النواب الستة فرصة التمثل في الحكومة، وهذا حق مكتسب وليس منة من أحد.

 

لهذه الأسباب قدّم الحريري لميقاتي وزيراً على ’طبق من ذهب’

 

ثمة سؤال آخر يفرض نفسه، لماذا يمنع الحريري المقعد الوزاري عن "اللقاء التشاوري" وفي ذلك تشكيل سريع للحكومة، ويمنحه للرئيس ميقاتي على طبق من ذهب؟. 

لدى إجابته على هذا السؤال، لا يجد سكرية حرجاً في القول: ببساطة، لأننا في محور المقاومة. الحريري لم "يبلع" فكرة توزير اي سني حليف ومؤيد للمقاومة، فالمسألة بالنسبة اليه تتخطى مسألة العدد، ولذلك، فهو يرفض وبشدة أن يعطي وزيراً لنواب ينتهجون نهج المقاومة، يريد حليفاً يسير على النهج السعودي-الأميركي، وهذا ما يُفسّر بوضوح مبادرته للاتفاق مع ميقاتي. الأخير يتوافق مع الحريري لجهة السير مع النهج السعودي، وموافقة سياسة الرياض في الكثير من الملفات. برأي سكرية، يصر الحريري على رفضه السير بأي اسم يقف للسياسات السعودية بالمرصاد، وهو الذي احتكر الطائفة السنية وجعلها رهينة سياسة المملكة لعقود، عاملاً على إقصاء شخصيات وازنة في الخط الوطني كآل الحص وآل كرامي. يختم سكرية حديثه بالتأكيد على أننا لن نقبل إلا بحقنا، ونصر عليه، مشيراً الى نقطة يعتبرها "اللقاء التشاوري" جوهرية تكمن في استحالة القبول بإدراج أي ممثل له في الحكومة تحت وصاية أي كتلة.
 

2018-11-14