ارشيف من :آراء وتحليلات
العقوبات ضد روسيا تأتي بنتائج عكسية
تحاول ادارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكل محموم تصدير الأزمة الداخلية الأميركية الى الخارج، ولكنها تسير من فشل الى فشل. وظهر ذلك بشكل فاضح في فشل المقاطعة والعقوبات ضد ايران، وفشل الحرب التجارية ضد الصين، وفي فشل حملة العقوبات المتوسعة ضد روسيا. وهو ما نتوقف عنده بشكل خاص.
فالعقوبات لم تمنع روسيا من بيع الأسلحة، وإقامة التحالفات، وتطوير تجارتها الخارجية. واذا كان هدف العقوبات هو عزل روسيا فإن خطاب واضعيها يتناقض مع ما يجري على أرض الواقع. وهذا ما تؤكده جريدة "فايننشال تايمز" الأميركية في مقال لها نشرته الاسبوع الماضي ونقلته وكالة "تاس" الروسية.
ونظام العقوبات المعادي لروسيا بدأ في آذار 2014 وكان هدفه "فصل روسيا عن العالم وعزل قطاعاتها الحيوية، وتحويلها الى دولة منبوذة بدون أصدقاء". و"لكن هذه المحاولات فشلت، ولم تصل الى أهدافها" كما تؤكد الصحيفة، ومن أبرز الأمثلة على ذلك أن روسيا باعت المنظومة الصاروخية الدفاعية المشهورة S-400 "تريومف" الى الصين والهند وتركيا وأن "العلاقات الروسية الوثيقة أكثر فأكثر مع الصين أتاحت لروسيا إقامة علاقات مالية دولية متزايدة، وعلاقات تجارية جديدة ومتوسعة وعلاقات دبلوماسية وازنة" كما جاء في المقال. وأشارت الصحيفة بشكل خاص الى العلاقات المتعمقة لروسيا مع بلدان الشرق الاوسط من تركيا الى ايران وكذلك السعودية، وتوسيع النفوذ الروسي في الاقليم مقابل ذبذبة النفوذ الاميركي.
والأعداد المتزايدة للقادة الاوروبيين الذين يزورون موسكو، وزيادة توظيفات الشركات الاوروبية في روسيا، وتصاعد الطلب على النفط والغاز الروسيين، كل ذلك يتناقض مع الخطاب المعادي لروسيا في واشنطن وبروكسل، كما تشير الجريدة. وأن بريطانيا هي من أكثر الدول المعادية لروسيا، ومع ذلك فإن شركة النفط البريطانية ВР تمتلك 19،75% من الرأسمال الاساسي لشركة "روسنفط" الروسية.
وفي منتدى فيرونا الشهر الماضي، وصف وزير الخارجية الايطالي المندوبين الروس بأنهم "مندوبو حفظ السلام"، وطلب من الشركات الايطالية ايجاد الطرق للالتفاف على العقوبات ضد روسيا، وقال "لا حاجة لنا الى الحروب، بل نحتاج الى الحوار والى الصداقة". كما قال "أشكر رجال الأعمال الايطاليين الذين أبدوا المقاومة" للعقوبات ضد روسيا. وأضاف "من غير الممكن عزل دولة كبيرة ومهمة مثل روسيا".
ويعترف الدبلوماسيون الغربيون في موسكو بطريقة غير رسمية أن العقوبات لم تؤت النتائج التي كانت تتوخاها كما تقول "فايننشال تايمز".
"من الواضح جداً أنه بمحاولة عزل روسيا فإن أميركا نجحت في التوصل الى عزل نفسها. وحتى الاوروبيون قاموا بتطوير سياستهم الخاصة في العلاقات مع روسيا" كما صرح للفايننشال تايمز دبلوماسي آسيوي في موسكو فضل عدم البوح بهويته.
ويعتبر رئيس منتدى فالداي الدولي للحوار اندريه بيستريتسكي "أن العزل غير ممكن، وهذا واضح جدا". و"ربما كان هذا ممكنا قبل 30 سنة حينما كان يوجد فقط كتلتان. اما اليوم فيوجد خيارات كثيرة جدا"، كما قال بيستريتسكي لـ FT. وأشار الى نقطة مهمة جدا وهي أنه "خلال العهد السوفياتي ولدى حدوث لقاء بين قائدين كان الوضع يتحسن دائما. اما الان فالوضع مختلف جدا. وحسب رأيي فإن الوضع سيزداد سوءا خلال السنة او السنتين القادمتين". ملمحا الى لقاء ترامب مع الزعيم الكوري الشمالي ومع الرئيس بوتين في الفترة الماضية.
وأخيرا، لا بد من الاشارة الى أن سياسة تصدير الأزمة الداخلية الاميركية الى الخارج قد أخذت ترتد على الداخل الاميركي بالذات. ويرى المحللون الموضوعيون أن سياسة العداء لروسيا والصين وإيران قد انعكست سلبا ليس فقط على مجمل السياسة الدولية لاميركا، بل وقد ساهمت بشكل ملحوظ في الهزيمة الانتخابية لترامب وحزبه الجمهوري في الانتخابات النصفية الأخيرة التي جرت في أميركا. وهذا الاتجاه الداخلي السلبي سيتفاقم أكثر فأكثر في السنتين الباقيتين من عهد ترامب والارجح فيما بعدهما أيضا. وسيصبح من الصعب جدا اعادة التوازن الى السياستين الداخلية والخارجية لأميركا.