ارشيف من :مقالات

عندما تضيق السلسلة في عين ’كارتيلات’ المال

عندما تضيق السلسلة في عين ’كارتيلات’ المال

لم يكن ينقص العمال في لبنان سوى من يعمل لسحب سلسلة الرتب والرواتب من يدهم قبل أن تصل الى جيبهم. السلسلة التي لم يحصل عليها هؤلاء الا بعد نضال طويل، "ضاقت بعيون" أصحاب العمل، فجرّبوا حظهم للتصويب عليها من بعبدا، وتحميلها مسؤولية الانهيار الاقتصادي الذي يُهدّد لبنان. 

في الثاني عشر من الشهر الجاري، هاتف رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي شارل عربيد دوائر القصر الجمهوري طالباً موعداً للقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. الرد أتى على عجل، والموعد حُدّد في اليوم التالي، فحضر عربيد الى بعبدا يرافقه كل من رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير ورئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر. هدف الزيارة الظاهري، كان ضرورة الاسراع في تأليف الحكومة تفادياً للانهيار الاقتصادي، إلا أنّ ما أخفاه عربيد وشقير كان أعظم. الأول عمل الى تقديم ورقة اقتصادية أعدّها ممثلو الأحزاب تحت عنوان "مدخل إلى خفض العجز وضبط المالية العامة"، وفيها ما فيها من المطالبات بضرورة تصغير حجم الانفاق في القطاعين العام والخاص. الخطوة التي تفاجأ بها الأسمر الذي لم يكن على علم بهذا الأمر، وفق ما يؤكد، مشدداً على أنّ هذه الورقة لا تمثلني، ولا تمثل الاتحاد العمالي العام. أما شقير فسارع الى "مفاتشة" الرئيس عون بتداعيات السلسلة على الاقتصاد اللبناني، ملمحاً الى ضرورة الغائها. ردُ الأسمر كان حاضراً، "من غير المقبول تحميل السلسلة التي تبلغ تكلفتها حوالى  1800 مليار ليرة مسؤولية الانهيار الاقتصادي بدليل أن الدين العام ازداد منذ عام 2012 حتى عام 2017 20 مليار دولار والسلسلة لم تكن قد ولدت حينها". 

الأسمر الذي وُجّهت اليه الانتقادات لحضوره في محفل يُطالب بضرب السلسلة، يرد في حديث لموقع "العهد" الإخباري بالإشارة الى أنّ حضور الاتحاد العمالي في هكذا محافل أكثر من ضرورة، فالاتحاد يتحدّث باسم العمال، ومن المهم مواكبة مشاريع أصحاب العمال، للتنبه. يؤكد الأسمر أنّ الفكرة من الذهاب الى بعبدا كانت "دب الصوت" من الواقع الاقتصادي للإسراع بتأليف الحكومة، إلا أنّ البعض فاجأنا باقتناص الفرصة لرجم السلسلة، وهذا ما لم أرض به، فذهابي الى بعبدا لا يمكن أن يكون ضد الناس، بل لرفع معاناتهم. وهنا يسأل الأسمر: لماذا حمّل شقير السلسلة مسؤولية الانهيار، ولم يأت على ذكر الخسائر السنوية التي تتكبدها الدولة في قطاع الكهرباء، والتي تصل الى ملياري دولار سنوياً. يشدد رئيس الاتحاد العمال العام على أنّ السلسلة حق مكتسب لمختلف القطاعات، والتراجع عنها يعني مقدمة لضرب القطاع الخاص، وقطع الطريق على أي زيادة قد تلحق بالعمال. برأيه، هي معركة استباقية لرفض تصحيح الأجور، وهذا ما لن نقبل به، فإلغاء السلسلة سيكون بمثابة كارثة تدخلنا في متاهات كثيرة، وتضع مصير 300 الف موظف مع عائلاتهم على المحك.

 

عندما تضيق السلسلة في عين ’كارتيلات’ المال

 

يستغرب الأسمر استنساب السلسلة للحديث عن التدهور الاقتصادي، بينما لا يجري الحديث عن التهرب الضريبي من قبل الهيئات الاقتصادية والشركات التي لا تُصرّح بحقيقة أموالها، وهو الأمر الذي يقتطع من درب الاقتصاد اللبناني مليارات الدولارات سنوياً. برأيه، فإنّ الوحيد الذي يلتزم بدفع الضريبة في لبنان هو المواطن. يطالب المتحدّث بضرورة الكشف على سجلات كل رجال الأعمال والمتمولين في المالية العامة، للتقصي عن حقيقة الضرائب المدفوعة، وما إذا كان هناك تهرب ضريبي، فأرقام المنظمات الدولية مخيفة في هذا الصدد، وهي التي تتحدّث عن قيمة تهرب ضريبي تصل الى 4 و5 مليارات دولار سنوياً.   

لا يتفهّم رئيس الاتحاد العمالي العام التصويب على السلسلة كمدمّر للاقتصاد، وإغفال العديد من السياسات التي أوصلت الوضع الاقتصادي الى حافة الهاوية، سائلاً " من يسطو على الاملاك النهرية والبحرية؟، من يعيث فساداً في المؤسسات ويتهرّب من دفع الضرائب؟. يعود الأسمر ليوضح أنّه لا يمكن أن يقف يوماً ضد العمال، ومن يريد التشكيك بذلك عليه مراجعة أخبار الاتحاد العمالي العام خلال سنة ونصف. وهنا يسأل: من انتزع السلسلة من براثن أصحاب العمل والسلطة؟، من يقاضي المسؤولين عن المخالفات في مجلس شورى الدولة ويقدم الطعون؟، من وقف في وجه المصارف ورفع سقف التعويضات؟، من وقف مع المؤسسات الاعلامية والمعامل؟، من وقف في وجه موظفي المطار وتصدى لالغاء براءة الذمة في الضمان؟، من تصدى للمادة 50 التي تعطي الأجانب حق التملك في لبنان؟..الخ.  

فهل فعلاً تتحمّل سلسلة الرتب والرواتب مسؤولية الانهيار الاقتصادي الذي وصل اليه لبنان؟

الخبير الاقتصادي البروفسور، جاسم عجاقة يُشدّد على أنّ تحميل السلسلة كامل المسؤولية عما وصل اليه البلد اقتصادياً لا يمكن وضعه سوى في إطار التجني. نعم تتحمل السلسلة جزءاً من المسؤولية فيما يتعلّق بارتفاع التضخم، وذلك مرده الى الأداء السيء في الكثير من الادارات والهدر الحاصل، وهذا ليس وليد اللحظة، بل عمره سنوات. 

يوصف عجاقة السلسلة بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فلو كانت الأوضاع الاقتصادية كما يجب لما شعرنا بحمل السلسلة التي يؤكد أنها حق مكتسب للعمال. برأيه، فإنّ العطب الأساسي يكمن في المالية العامة التي لم يعد لديها هامشاً للتحرك. وهنا يُرجع عجاقة أصل المشكلة الى نقطتين: الأولى في الحكومات المتعاقبة التي لم تسارع للقيام بأي إجراء جدي لاستدراك الوضع الاقتصادي، والثانية في عدم إيجاد مصادر التمويل الجدية للسلسلة.
 

2018-11-15