ارشيف من :آراء وتحليلات
برغم التكلفة الهائلة للحروب: اميركا تفقد تفوقها
لاجل فرض هيمنها الدولية والمحاولة المحمومة والفاشلة لتحويل اسطورة القطب العالمي الأوحد الى واقع، اعتمدت الولايات المتحدة الاميركية، منذ مطلع القرن الواحد والعشرين، استراتيجية شن الحروب الاقليمية والهجينة (حروب البدائل)، ونذكر منها حروب افغانستان والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين واوكرانيا واليمن. وعلى خلفية هذه الحروب شنت اميركا حرب "العقوبات" والحصار والحرب التجارية ضد روسيا والصين وايران وكوريا الشمالية، وادخلت العالم من جديد في اجواء سباق التسلح و"الحرب الباردة".
وحسب احصائيات اوردها باحثون (برئاسة نيت كراوفورد) في جامعة براون الاميركية، فإن اميركا تكبدت في هذه الحروب (في اقل من عشرين سنة) حوالى ستة تريليونات دولار (ستة آلاف مليار دولار). ومن اجل المقارنة فإن اجمالي الميزانية الحربية الروسية للسنوات الثلاث (2018 ـ 2019 ـ 2020) هي 116،6 مليار دولار.
كراوفورد ذكر ان النفقات العسكرية الاميركية منذ 2001 حتى نهاية السنة المالية 2019 ستبلغ 5،9 تريليون دولار.
اما البنتاغون فقد اعلن انه منذ سنة 2001 وحتى نهاية السنة المالية 2018 ستبلغ نفقات العمليات العسكرية 1،7 تريليون دولار. وهذا المبلغ يشمل ليس فقط الحرب في افغانستان والعراق وانما ايضا العمليات العسكرية في بلدان اخرى، التي جرى تبريرها بمكافحة الارهاب.
ولكن حسب المعطيات التي قدمها كراوفورد فإن الارقام التي اوردتها وزارة الدفاع الاميركية تتضمن جزءا وحسب من نفقات الحروب. فهناك ايضا نفقات وزارة الخارجية، ومعالجة وتعويضات قدامى المحاربين، وفوائد القروض المستخدمة لاجل تمويل الحروب، وكذلك عمليات مكافحة الارهاب الخاصة بوزارة الداخلية.
ويعتبر الخبراء انه اذا واصلت اميركا الانفاق بهذا الحجم، فإنه حتى في حالة نهاية جميع هذه الحروب سنة 2023 فإن اجمالي النفقات سيبلغ 6،7 تريليون دولار، بدون حساب الفوائد على القروض.
وحسب معطيات جامعة براون فقد سقط في تلك الحروب 480 الف قتيل (بمن فيهم الاميركيون) منهم 244 الفا من المدنيين. وهجر 10 ملايين نسمة.
وبالرغم من كل هذه النفقات، والخسائر البشرية والمادية، فإن الولايات المتحدة الاميركية تفقد تفوقها العسكري. وهذا الاستنتاج توصل اليه الخبراء موجهين ضربة الى ستراتيجية الرئيس دونالد ترامب كما ذكرت قناة BBC. ويقول تقرير هؤلاء الخبراء ان الجيش الاميركي فقد تفوقه في عدة قطاعات، فعلى امتداد عشرات السنوات كانت الهيمنة الاميركية تستند الى التفوق العسكري.
ولكن التحديات الان هي كبيرة وتفوّق واشنطن اصبح موضع شك. وقد كلف الكونغرس لجنة ستراتيجية الدفاع الوطني ان تعد تقريرا مستقلا يتضمن توجيهات واستنتاجات متعلقة بأوضاع القوات المسلحة. ويترأس فريق عمل هذه اللجنة الممثل السابق للبنتاغون اريك ايدلمان والرئيس السابق للعمليات البحرية الاميرال هاري ريفهيد. وقد قدر هذا الفريق ان التفوق العسكري الاميركي قد تآكل الى "درجة خطيرة" كما جاء في تقريره. وتبقى روسيا والصين المزاحمين الاكبر لاميركا في الحقل العسكري. ولكن بلدانا مثل ايران وكوريا الشمالية التي لا يمكن مقارنة قوتها العسكرية بقوة الجيش الاميركي اصبحت ايضا تشكل تهديدا للامن القومي لاميركا.
وتواصل روسيا والصين تحديث قواتهما المسلحة، وتبحثان عن الوسائل للمجابهة في حقول كانت اميركا تسيطر فيها لعشرات السنين. وقد كشفت الحرب في اوكرانيا القوة التدميرية الاستثنائيية للمدفعية الروسية، كما جاء في التقرير. وينصح الخبراء العسكريون ادارة ترامب ان لا تدير ظهرها لحلفاء اميركا. كما ينصح التقرير بعدم خروج اميركا من الشرق الاوسط حتى بعد هزيمة "الدولة الاسلامية" (داعش). ويضيف التقرير ان اميركا ستتحمل خسائر مادية وبشرية كبيرة في اي صدام قادم، وخاصة اذا تم خوض الحرب على جبهتين او اكثر.
ويقول الخبراء الاميركيون انه اصبح يوجد خطر الهزيمة في حال نشوب صراع مع روسيا والصين، لان التفوق الاميركي قد انخفض الى درجة قصوى، كما جاء في تقرير اللجنة التي شكلها الكونغرس. وورد في التقرير كما نقلته وكالة ريا نوفوستي عن جريدة Defense News الاميركية "ان خطر الهزيمة اصبح عاليا جدا، اذا اضطر الجيش الاميركي ان يحارب على جبهتين او اكثر في وقت واحد".
كما يحلل التقرير عددا من السيناريوهات غير الملائمة لاميركا منها، على سبيل المثال، امكانية قيام كوريا الشمالية بتوجيه ضربة الى كوريا الجنوبية. فلأجل مواجهة مثل هذا الخطر ينبغي زيادة الميزانية الحربية كما يؤكد الخبراء.
ان التفوق الاميركي لم يعد مضمونا منذ وقت طويل، وهذا يرتب تبعات سلبية جدية على الامن القومي، كما جاء في التقرير.
لقد سقطت نهائيا اسطورة القطب العالمي الاوحد، ماليا واقتصايا وعسكريا. واصبحت اميركا ترامب تندفع نحو المجهول، داخليا وخارجيا.