ارشيف من :مقالات

تفاصيل منع سفر الخادمات الأثيوبيات الى بيروت

تفاصيل منع سفر الخادمات الأثيوبيات الى بيروت

تتلقى إحداهن اتصالاً من مكتب استقدام العاملات الأجنبيات، وفيه أنّ موعد وصول الاثيوبية التي اختارتها لمساعدتها في الأعمال المنزلية لن يكون في التاريخ المحدّد، بل سيتأخّر. السيدة -التي يمنعها المرض من سدّ الفراغ الذي تركته العاملة السابقة- تُحاول الاستفسار عن الأسباب. فيأتيها الجواب بأنّ خط الطيران الاثيوبي من أديس بابا الى بيروت قد أقفل، بقرار من الحكومة الاثيوبية. ما العمل إذاً؟، تسأل السيدة، فيطلب منها المكتب التريث ريثما يتم جلاء الصورة، وتتوضّح الطرق الأخرى التي سيعتمدها لإدخال الاثيوبيات الى لبنان. 

حال السيدة المذكورة ليس العارض الوحيد، هناك الكثير من المواطنين الذين وقعوا في الموقف ذاته، خصوصاً في وقت ازداد فيه حضور العاملات من الجنسية الاثيوبية في المنازل، فالأرقام تتحدّث عن دخول عشرات الآلاف سنوياً الى لبنان. ووسط هذه التطورات يجري الحديث عن ارتفاع كبير في الأسعار التي يفرضها المكتب بدل استقدام العاملة الاثيوبية. ارتفاعٌ يتخطى ضعف المبلغ المطلوب سابقاً. فما الذي يحصل في هذا الملف؟. 

كبارة لم يوقّع على اتفاقية مع أديس بابا

منذ شهر تقريباً، أصدرت الدولة الإثيوبية قراراً يمنع مواطنيها من المجيئ الى لبنان. والسبب امتناع لبنان عن توقيع اتفاقية مع أديس بابا تنص على رفع رواتب مواطنيها التي لا ترى فيها سوى اجحافاً بحقهم، أسوةً بالاتفاقية التي وُقّعت مع عدد من الدول العربية للسماح لهن بالدخول الى تلك البلاد بطريقة رسمية. القرار الاثيوبي، تبعته اجراءات على الأرض، قضت بإقفال خط الطيران الى بيروت، ما تسبّب بالأزمة المذكورة. وهنا يأتي السؤال، لماذا لم يوقّع وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال محمد كبارة على الاتفاقية العتيدة. الأخير يقول إنّ سبب عدم التوقيع يعود إلى أنّ الحكومة في حالة تصريف أعمال، ولا يحق لها التوقيع على مذكرة تفاهم، باعتبارها معاهدة. 

طرق أخرى للاستقدام 

إزاء هذا الواقع، يجري الحديث عن حلول تقضي بلجوء المكاتب الى طرق أخرى لاستقدام العاملات من أثيوبيا الى لبنان. حلول يُصاحبها حديث عن ارتفاع "فاحش" في الأسعار. فما تلك الطرق؟.

مدير مكتب "دويدي" لاستقدام العاملات في الخدمة المنزلية الأستاذ حسن يونس يتحدّث لـ"موقع العهد الإخباري" عن حقيقة الأزمة، فيشير الى أنّ المكتب ومنذ اللحظات الأولى لحدوث الأزمة يعمل على حلها، ويبحث عن أساليب بديلة تُمكّن العاملات من اللجوء الى لبنان. هل ستكبد هذه الأساليب المواطنين تكاليف إضافية؟. بالتأكيد، يجيب يونس، الذي يوضح أنّ البدل الذي كان يتقاضاه المكتب سيلامس حدود الـ1800 دولار. فهذا المبلغ لا يفرضه المكتب طوعاً بل كرهاً نسبة الى الطرق البديلة التي سيعتمدها والتي لن تكون الطريق عبرها مريحة مادياً، بل ستكبّد المكتب أعباء اضافية. وهنا يستطرد يونس بأنّ المكتب سيأخذ بعين الاعتبار الطلبات التي قُدّمت سابقاً، وبالتالي سيتم تخفيض المبلغ قدر الامكان. 

البدل الذي كان يتقاضاه المكتب سيلامس حدود الـ1800 دولار

يوضح يونس -الذي يتولّى إدارة مكتب له من العمر 45 عاماً- أنّ الأزمة الحاصلة جديدة-قديمة، إذ ليست المرة الأولى التي تحدث فيها هذه المستجدات على صعيد هذا الملف. فمنذ نحو عشر سنوات حدثت القصة ذاتها، وبقيت الخطوط من أديس بابا الى بيروت مقفلة بالكامل، ليتم استقدام الاثيوبيات الى لبنان عبر السودان. هذه الحالة استمرّت 5 سنوات، تخطى فيها بدل المكتب عتبة الـ 1800 دولار تقريباً. بعدها،  خاض الشعب الاثيوبي تظاهرات واسعة ضد وزارة العمل والحكومة، نظراً الى الطريق الشاقة التي يسلكنها العاملات، فاضطرت الحكومة تحت وقع الاعتصامات الى الرضوخ، وفتح الخط الاثيوبي مباشرة من اديس بابا الى بيروت، ولكن ليس عبر السفارة الاثيوبية، بمعنى تبرئتها من أي مسؤولية عن أي مشاكل قد تحصل معهم.

اليوم، أُقفل الخط الاثيوبي مجدداً وعادت القضية الى سابق عهدها كما كانت منذ عشر سنوات، ولكن هذه المرة بظروف أسوأ، وفق ما يلفت يونس، الذي يشير الى أنّ وزارة العمل الاثيوبية أعطت علماً وخبراً للسفارة السودانية بأن أي تصريح دخول يُعطى للمواطنين الاثيوبيين للدخول الى السودان، ستكون نتيجته تدابير تطال القنصلية الفخرية للسودان في اثيوبيا، الخطوة التي زادت الطين بلة، برأي يونس، الذي يُوضح أن المكاتب تنتظر حالياً تراجع الحكومة الاثيوبية عن خطوتها، لكن بعضها لم يقف مكتوف الأيدي، فهناك سعي حثيث للعثور على خطوط بديلة، كأن يجري استقدام العاملات من اديس بابا الى بلد آخر، ومنه الى لبنان. وهنا يستطرد يونس بأنّ هذه الحادثة قد لا تطول كثيراً، خصوصاً أنّ الوضع المعيشي في أثيوبيا ضاغط، والشعب قد يطلق الصرخة مجدداً. 

يونس: سعي حثيث للعثور على خطوط بديلة لاستقدام الاثيوبيات

الأمن العام

بموازاة الأزمة الحاصلة، برزت أكثر من حالة تتحدّث عن تأخير حاصل لناحية إعطائهم تأشيرات لعاملات أثيوبيات، فمن المعلوم أنّ الأمن العام يمنح التأشيرة خلال مدة تتراوح بين 12 و15 يوماً. موقع "العهد الإخباري" استفسر عن الموضوع فتواصل مع مصادر في المديرية العامة للأمن العام أكدت أن لا تغيير أبداً في التدابير من قبل الجانب اللبناني، لافتة الى أنّ الملفات تأخذ "برمتها" الادارية الطبيعية المنفصلة عن أية قرارات خارجية، وفي حال  برز أي تأخير فمن الأكيد مرده الى تفاصيل تتعلّق بالملف نفسه.  

الأمن العام: لا تغيير أبداً في التدابير من قبل الجانب اللبناني

مطالب تعجيزية!

وبالعودة الى قصّة لبنان القديمة مع الجانب الاثيوبي فيما يخص استقدام العاملات، يروي المدير العام السابق لوزارة العمل الأستاذ عبدالله رزوق تجربته القديمة في المفاوضات على هذا الصعيد، فيلفت الى أنّ الجانب الاثيوبي لطالما تحدّث عن ظلم يلحق عماله في لبنان، مطالباً بشروط عمل مختلفة كلياً عما هي عليه. تسعى أديس بابا جاهدةً لإلزام الدول ببنود "اتفاقية العمل الدولية" التي تحفّظ عليها لبنان، وفيها ما فيها من حريات يُطالَب بها للعاملات كجزء من حقهم، لا يتقبلها البيت اللبناني، ما دفع لبنان الى التحفظ آنذاك، حيث وُضعت في هذه الاتفاقية شروط تعمل على رفع البدل الشهري الى راتب خيالي، وتحديد عدد ساعات العمل، فضلاً عن إعطاء إجازة أسبوعية، والسماح للعاملات باستقبال ضيوفهنّ، إضافة الى عدم حجز جواز سفرهن. 

يتحدّث رزوق -انطلاقاً من خبرته الطويلة في المفاوضات -، فيلفت الى أنّ قضية لبنان مع العاملات طويلة وخضعت للكثير من المد والجزر، موضحاً أنّ أول "أخذ ورد" برز في القضية كان في عام 2012، في عهد الوزير سليم جريصاتي، إذ أنجزت الوزارة مشروع اتفاقية ينظّم عقد العمل الموحد ويحترم القوانين والمعايير الدولية، ولكن بما يناسب المجتمع اللبناني أيضاً. هذه الاتفاقية لا تسري فقط على الجانب الاثيوبي بل على العاملات من كافة الجنسيات. بموازاة ذلك، زار حينها وفد أثيوبي وزارة العمل في لبنان، فقدّمت الأخيرة المشروع للزوار لإبداء رأيهم به، ومرّت أشهر دون تقدم يذكر على هذا الصعيد. وهنا يُشدد رزوق على أنّ وزراء العمل الذين تعاقبوا لم يتهاونوا يوماً بحقوق العاملات الأجانب، كما يدّعي البعض ويصور الأمور على أن هناك تجارة بشر في لبنان.
 

2018-11-17