ارشيف من :آراء وتحليلات
غزة تؤسس للانتصار الكبير
تميزت الجولة الأخيرة من التبادل الصاروخي بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وجيش العدو، عما سبقها من جولات في مجرياتها ونتائجها ورسائلها، ومفاعيلها السياسية الداخلية الإسرائيلية. مع ذلك، ينبغي التأكيد على حقيقة أن الجولة الأخيرة في التبادل الصاروخي بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وجيش العدو، كانت حلقة في سياق صراع متواصل. وايضا تتويجاً لجولات متعددة سبقتها، وخطوة تصاعدية لمصلحة معادلة الردع التي تواصل المقاومة التأسيس عليها.
في المقابل، المؤكد أن الطرفين سيسعيان كلٌ من موقعه، للبناء على ما جرى. بالنسبة للفلسطينيين سيعملون على تثبيت وتطوير قوة ردعهم لمصلحة حركة النضال الشعبي الذي يهدف إلى رفع الحصار، ومواجهة مخططات تصفية القضية الفلسطينية، ولمصلحة حمايته من أي محاولة قمع إسرائيلي. في المقابل، ستحاول "إسرائيل" احتواء مفاعيل الانجاز الفلسطيني، على المستويين السياسي وحتى الردعي. وهو ما سيُحدِّد الاداء الإسرائيلي في المرحلة المقبلة.
يلاحظ على هذه الجولة أنها بدأت في أعقاب تعثر عملية أمنية لجيش العدو أدت إلى مقتل ضابط رفيع وجرح آخر، في خان يونس في قطاع غزة. تبعه رد فلسطيني عقابا على الاعتداء داخل غزة، حيث أمطرت المقاومة مستوطنات غلاف غزة في البداية بعشرات الصواريخ، وصلت خلال 48 ساعة إلى 500 صاروخ، أدى إلى توالي وتبادل الضربات الصاروخية. وبالتالي لم يكن أي من الطرفين يريد ابتداء خوضها في هذه المرحلة.
في المقابل، تخلَّل هذه الجولة أكثر من مفاجأة تكتيكية وعسكرية، بالنسبة لجيش العدو. حيث استهدفت المقاومة حافلة جنود إسرائيلية، بصاروخ الكورنيت بطريقة احترافية وشجاعة، بعد دقائق من ترجل نحو 30 – 50 جندي، كانوا على متنها... وتلقت "إسرائيل" نوعاً جديداً من الصواريخ سقط في عسقلان، هذا بالاضافة إلى كثافة الصواريخ التي استطاعت أن تربك منظومة القبة الحديدية. وهي عناصر من المؤكد أنها حضرت لدى القيادتين السياسية والامنية، وشكل مؤشراً قوياً على مفاعيل استمرار المعركة بالوتيرة التي تشهدها.
اعتمدت المقاومة تكتيكاً قتالياً، مهَّد الأرضية لتحقيق انتصار على قادة العدو. وتمثَّل ذلك عبر تركيز الضربات الصاروخية على منطقة غلاف غزة، مع التلويح بتوسيع نطاق الاستهداف إلى العمق الاستراتيجي وصولاً إلى "تل ابيب". وهو ما فرض على الإسرائيلي أن يلتزم ايضاً بسقف محدَّد من الاعتداءات الجوية والصاروخية ضد غزة. هذا التسقيف في الضربات والاعتداءات الإسرائيلية وفَّر هامشاً للمقاومة استطاعت من خلاله أن تخوض مواجهة مدروسة وتجبر العدو على الخضوع والقبول بوقف النار، وفق المعادلة التي حدَّدتها المقاومة.
ما دفع العدو للتراجع، هو أن القيادة الإسرائيلية وجدت نفسها في ظل تصميم المقاومة على مواصلة الضربات والتهديد بتوسيع نطاقها، امام أحد الخيارات التالية: إما استمرار القتال بوتيرته التي شهدتها، حتى فترة زمنية أطول، أو تصعيد جوي أوسع مدى، و/ أو الانتقال إلى الغزو البري أو القبول بوقف النار.
فيما يتعلق بالخيار الأول،
في ضوء محدودية الخيارات وكلفة كل منها، اضافة إلى أن التورط مع الجبهة الجنوبية، سيكون على حساب مواجهة تحدي الجبهة الشمالية، بشقيها اللبناني والسوري.. التي ترى فيه "تل ابيب" أنه ينطوي على تهديد وجودي في مدى المستقبل.
في ضوء هذه العوامل التي تفرض نفسها على مؤسسة القرار السياسي والامني الإسرائيلي، تحولت جولة قتال صاروخي، لمدة 48 ساعة، إلى محطة تأسيسية، في معادلات الصراع. وأظهرت أن مخطط الحصار في اضعاف المقاومة، وتأليب شعبها، باء بالفشل، وأنها تسير في مسار تصاعدي على مستوى القدرات والخبرات. وهو ما سيكون له مفاعيله المؤكدة على مخططات تصفية القضية الفلسطينية، وعودة القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العربي.. ويُعزِّز الانطباع السائد في الداخل الإسرائيلي وخارجه، أنه اذا ما كانت القيادة الإسرائيلية انكبحت في مواجهة غزة المحاصرة والمحدودة الامكانات، فكيف الحال سيكون في مواجهة حزب الله والجبهة الشمالية.